واعتبر مقال تحليلي للباحث الزائر في مركز كارنيغي أوروبا مارك بيريني أن النظام الرئاسي في تركيا يستند بالأساس إلى عدم سيادة القانون، وقال الباحث أنه "بعد ما يقرب من تسعة عشر عامًا في السلطة، يتمتع الرئيس التركي اليوم بالسلطة المطلقة، ما يجعل من المشكوك فيه أن يتخلى عنها دون قتال على السلطة".
"أصبح النظام الرئاسي الذي سعى إليه رجب طيب أردوغان ثابتًا في تركيا حاليا، ولكن هناك شكوك كبيرة حول قدرته على البقاء، على الرغم من أن كل مجالات الحياة العامة أصبحت في يد أردوغان، حيث يبدو أن نظام الحكم الفردي في تركيا لا يعرف حدودًا على الرغم من تكلفته الاقتصادية ومعارضته داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم والنقد الدولي. لكن بالنسبة للأتراك الليبراليين والمراقبين الغربيين، فإن هذا الاتجاه يبدو غير مستدام تمامًا، فلا يوجد الديمقراطية قادة أو أنظمة قادرة على البقاء إلى الأبد"، بحسب المقال المنشور اليوم على موقع مركز كارنيغي أوروبا.
واستعرض التقرير كيف تم اقرار التعديلات على النظام السياسي خلال الاستفتاء الدستوري الذي تمكن النظام من تمريره بالكاد وسط معارضة كبيرة في نيسان/ أبريل 2017، ثم الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي خاضها نظام العدالة والتنمية بمنافسة شديدة في حزيران/ يونيو 2018، وتم رفض الشكاوى والطعون المقدمة من أحزاب المعارضة بشأن مخالفات التصويت على الفور، ومضت الحكومة قدما في الانتخابات البلدية التي جرت في آذار/ مارس 2019، والتي قدمت إلى حد كبير كاستفتاء رئاسي من نوع ما.
ومن المفاجأة أن حزب العدالة والتنمية عانى من ضربة شديدة، حيث لم يخسر العديد من المدن الكبرى فحسب، ولكنه أيضًا خسر منصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، الذي كان يومًا ما نقطة انطلاق لحياة أردوغان السياسية في منتصف التسعينيات.
وأعتبر التحليل أن البحث عن السلطة المطلقة كان وراء سوء التقدير المطلق بإعادة انتخابات اسطنبول، والتي أدت لخسارة مزدوجة في الانتخابات التي كانت نوعا من الاستفتاء على شعبية أردوغان.
كما أن البحث عن السلطة المطلقة لم يتوقف عند هذا الحد. ففي 19 آب/ أغسطس الجاري، تم عزل رؤساء البلديات المنتخبين ديمقراطيا في المناطق الكردية في ديار بكر وماردين وفان من قبل أنقرة واستعيض عنهم بمن عينتهم الحكومة، حيث كان ذلك خرقًا صارخًا للديمقراطيين الذين وصفت سلطات أردوغان مواجهتهم "كجزء من الحرب على الإرهاب". النقد الدولي لا يهم كثيرا هنا، بل الأمر المهم هو أن قادة تركيا ما زالوا بعيدين عن تحقيق السلام مع الكرد، الذين يشكلون 20 بالمائة من سكان البلاد، بعد أن ألغت أنقرة عملية مصالحة في عام 2015.
علاوة على ذلك، في مفهوم تركيا الحالي للحكم، لن تكون السلطة مطلقة إذا كان هناك معارضة في المجتمع المدني. وهذا هو السبب في اختفاء وسائل الإعلام المستقلة فعليًا علاوة على المهزلة القضائية مثل محاكمة منتزه غيزي والتي لم يتم تعليقها على الرغم من الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة تمامًا.
ولفت التحليل الى العديد من الخطوات التي تعكس انهيار حكم القانون في تركيا وانفراد أردوغان بالقرار وعلى رأسها عزل محافظ البنك المركزي، بما إدى إلى ضرب استقلالية البنك المركزي، مما دفع المستثمرين لفقدان المصداقية في الاقتصاد التركي.
مثال آخر على ذلك هو سياسة تركيا في سوريا، والتي أدت إلى الاستيلاء خلال عمليتين عسكريتين كبيرتين على مساحة كبيرة من الأرض (عفرين وجرابلس) مع تهديد متكرر باحتلال المزيد من الأراضي بين نهري دجلة والفرات، بما يتناقض مع القانون الدولي.
الدافع الرسمي لمثل هذه العمليات العسكرية هو ما تسميه حكومة العدالة والتنمية "محاربة الإرهاب"، لكن الدافع المحلي للحكومة هو رغبتها في تكثيف روايتها القومية وبالمثل تتبع سياسة إعادة اللاجئين السوريين لنفس الدوافع، وتُجبر الحكومة التركية اللاجئين السوريين على العودة إلى سوريا.
وأختتم المقال بالقول إنه لا يمكن العثور على أسباب يمكن أن تؤدي إلى تغيير المسار والعودة إلى مستوى لائق من سيادة القانون إلا على الساحة المحلية: مثل الاستياء من السياسة الاقتصادية السخيفة لأردوغان، وظهور شخصيات معارضة قوية، والانهيار الجزئي لحزب العدالة والتنمية الحاكم.