قال عزالدين عقيل رئيس الائتلاف الجمهوري الليبي والكاتب والخبير السياسي الليبي المقرب من الجيش، أن أردوغان يشن حربا بالوكالة في ليبيا، وقدم أدلة على إدانة نفسه عندما أعلن دعمه للميليشيات في طرابلس بالسلاح، ووصلت بالفعل الأسلحة إلى الميليشيات التي هددت بمواصلة الهجوم حتى مقر القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بل وحتى العاصمة المصرية القاهرة، الداعمة للجيش الوطني... وإلى نص الحوار الذي أجرته وكالة فرات للأنباء ANF مع السياسي الليبي:
-كيف تعكس زيارات واتصالات المشير خليفة حفتر وآخرها إلى إيطاليا والزيارة المقررة الاسبوع المقبل لفرنسا بعد اتصال ترامب به مزيدا من الدعم الدولي لموقفه؟
في ظني أن شرعية السيد السراج انهارت وتآكلت وهذا ناشيء عن اسباب موضوعية بداية انهيار الاتفاق السياسي الليبي الذي تم برعاية الأمم المتحدة، والذي اعلن عن موته هو مبعوث الأمم المتحدة غسان سلامة في افادته لمجلس الامن عندما اقترح تدشين المؤتمر الوطني الجامع الصيف الماضي، عندما أكد على أن الحل السياسي من وجهة نظره هو المؤتمر الجامع، وهو ما يعني ان هذا الحل الأممي المقترح جاء على انقاض الاتفاق السياسي الذي جاء بشرعية فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي، وتآكلت شرعية السراج عندما استقال كل الشخصيات الموجودة في المجلس الرئاسي لتمثيل شرق البلاد، فأنت تعلم انها هي حكومة وفاق تمثل البلاد، والآن الممثلين لشرق البلاد غادروا جميعا، واصبحت هذه الحكومة هي حكومة تحالف الاخوان مع ميليشيات مصراتة والميليشيات الاخرى في طرابلس.
وعندما أعلن الجيش الوطني الليبي عن عميلته للسيطرة على العاصمة، توقعت ان يتبرأ السراج من الميليشيات التي تحارب الجيش الوطني بمجرد الهجوم على طرابلس، ولكننا فوجئنا أن هذا الرجل "حمّر عيونه وأشعل في رأسه النار وأصبح أمير حرب من طراز خطير جدا، وتحول إلى مجرم بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وعبر تعبير حقيقي عن ان حكومة الوفاق هي فقط للإخوان والميليشيات، ولا علاقة لها بالبرلمان ولا مجلس الدولة ولا الجيش"، وفي ظني ان المجتمع الدولي قد اكتشف ان هذا الرجل قد ضل ضلالا بعيدا، وقد غاب كليا عن التفاهمات التي جاءت بحكومة الوفاق ومن هنا بدأ المجتمع الدولي ينفض يديه عنه دولة تلو الأخرى، أما جولات السراج الآن نحو فهي زيارات فاشلة، بدليل أنه لجأ إلى أوروبا خلال المعركة ولم يحدث شيء ثم اتجه حاليا في تونس والجزائر وموريتانيا، وتونس نعلم انه لا حول لها ولا قوة فيما يتعلق بالملف الليبي ككل، والجزائر مشغولة بما تشهده من مرحلة انتقالية ونتمنى خروجها للاستقرار، وموريتانيا ليس لها دور في ليبيا وهي ايضا دولة ضعيفة ونتمنى ان تستطيع ان تهتم بشؤونها وشؤون شعبها، وهذا ما يعني أن ما يقوم به السراج يعكس خيبة الأمل التي يشعر بها وانه لم يبقى له الا هذه الدول التي يعتبر ان ابوابها مفتوحة دائما له على عكس الدول الأوروبية التي تحسب مواعيد زعمائها بالثانية.
أما فيما يتعلق بجولات المشير حفتر والتي بدأت بزيارته لمصر بعد اتصال ترامب به، ثم زيارتيه إلى إيطاليا وفرنسا، فأقول أن فرنسا والولايات المتحدة وايضا روسيا أدركتا تماما أن المشكلة في ليبيا أمنية وليست سياسية، فليبيا ليس بها صراع إثني ولا طائفي هذا صراع سياسي وأزمة أمنية، فعندما تكون هناك قومية او إثنية أو طائفة مظلومة كما جرى في رواندا او بوروندي او ساحل العاج أو لبنان أو تركيا أو البلقان أو سيراليون أو كولومبيا، فمن حق هذه القومية ان تتمرد وترفع السلاح ضد الاثنية أو الطائفة المهيمنة للوصول لاتفاق سياسي يضمن داخل دستور يضمن حقوق المواطنة لكل هذه الاطراف، أما في ليبيا هو ان تحالف الناتو ومجلس الامن عندما تدخل في ليبيا عام 2011 خرج الفسدة والمجرمين وانصاف المتعلمين من السجون لرفع السلاح وتشكيل عصابات وميليشيات، وبالتالي اصبحوا هم من يديرون الدولة، والحل هو ان يتم القضاء على هذه الميليشيات حتى يفتح الطريق أمام عودة الدولة، وبالتالي الجميع أدرك أن الحل أمني ويحتاج لجراحة من خلال الجيش وعليه ظهرت المواقف الدولية والاوروبية والغربية الداعمة للجيش الوطني الليبي. وأعتقد ان لقاء رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي بالمشير حفتر قد ركز على وضع الاسس للحفاظ على المصالح الايطالية بعد سيطرة الجيش الوطني على العاصمة، أما لقاءه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد خرج عنه البيان الذي أكد صعوبة التوصل لشروط وقف اطلاق النار وطالب فقط الجيش الوطني الليبي بتوخي الحذر تجاه المدنيين خلال عملياته العسكرية وهو ما يعني اعطاءه ضوء أخضر لمواصلة عملياته، أما ترامب بمكالمته فقد اعترف ونصب الارهاب كمحارب للارهاب وضمان امدادات الطاقة من ليبيا بعد حقق استقرار في الاسواق التي تعتمد على النفط الليبي، وفي ظني ان السراج وحكومته الفاشلة قد فقدوا الدعم الدولي بل هم يتحركون حاليا في ظني لضمان عدم ملاحقتهم بعد دخول الجيش للعاصمة من جانب الجهات القضائية الليبية وليس مسألة مناصرتهم.
- السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق متهم بعدم تنفيذ الالتزامات مع حفتر التي تعهد بها في أبو ظبي في شباط فبراير الماضي هل هذا يحمله مسؤولية هجوم طرابلس كما ذكر نائبه فتحي المجبري؟
الجيش في اعماق فلسفته أو عقيدته العسكرية الحالية ليس التفاهم مع الميليشيات، فقد حاول الجيش الليبي من خلال لقاءات أبو ظبي والقاهرة وباليرمو وباريس ان يثبت للعالم ان حكومة السراج والميليشيات لن تسلم السلاح سلميا أبدا ولن يسمحوا بعودة الدولة وان النتيجة دوما هي عدم تحقيق التعهدات، ليس لأن السراج لا يريد الحل، ولكن لأنه خاضع لحكم الميليشيا، فكما نعلم هرم السلطة مقلوب والميليشيات هي من تقوم بتوجيه الأوامر للسرج، وحفتر كان يعلم تماما النتيجة، وهو يريد أن يعطي دليل على عدم جدية وصدق فايز السراج.
- وزير الخارجية التونسي خلال مؤتمر صحفي يوم الجمعة مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي موغيريني أقر بوجود مقاتلين تونسيين انتقلوا من سوريا والعراق إلى ليبيا.. كيف يعكس ذلك خطورة ظاهرة انتقال وعودة المقاتلين الأجانب في ضوء تباطوؤ المجتمع الدولي في التعامل معها وعدم رغبة الدول في استعادة مقاتليها الارهابيين؟
عدد من هذه الدول متورطة اصلا منذ طريقة اسقاطهم لنظام القذافي واسقاط الدولة الليبية، لتهيئة ليبيا لدخول هذه الجماعات الارهابية، تحويلها الى مطرقة تضرب بها كل من يعارض سياساتها في المنطقة. وهناك تقرير مطول للمخابرات المركزية الأمريكية تحدث عن القاء الطيران التابع للناتو للسلاح لعناصر القاعدة وأنصار الشريعة، والبعض من الادارة الامريكية قد برر تسليم السلاح للقاعدة على اساس ان مقاتليها الأن يصنعون الحرية باسقاط النظام الليبي، وبعد ان "صنعوا هذه الحرية"، قتلوا السفير الأمريكي في ليبيا كما رأينا جميعا.
أما وزير الخارجية التونسي فهو لا يعلم إذا كان هؤلاء المقاتلين قد جاءوا من تونس نفسها ام من الخارج لكي يقرر انهم انتقلوا من سوريا والعراق، لأن لديه الكثير من الخلايا النائمة في بلاده ولا يستطيع ان يقول ان كانوا هؤلاء قد دخلوا من تونس ام جائوا من سوريا. ولعل من حسن حظنا انشغال الجزائر والسودان عنا، فلو لم يسقط النظام في البلدين لما نجحت العمليات العسكرية ضد الميليشيات في ليبيا.
ولا اعتقد ان الرئيس التركي اردوغان سيتمكن من مواصلة ارسال الاسلحة والعتاد الي الميليشيات بعد أن هدده حفتر بضرب سفنه، وبعد ان اخضعه ترامب لإرادته، فاردوغان وافق بدون شروط على وقف صادرات النفط الايراني وتم إطلاق سراح القس الامريكي، والغرب الذي أسقط النظام الليبي لم يسقطه لكي يسلم ليبيا لأردوغان.
ثمة امرين نحتاجهم للقضاء على الارهابيين، وهو حماية حدودنا ودحر الميليشيات، بحيث يصبح دخول الارهابيين صعب وسوف يفشل المسعى التركي لنقل مقاتلين الى اراضينا.
وللقضاء على الارهاب في ليبيا نحتاج إلى شريك استراتيجي تثق فيه دول الجوار ومصر والقوى الكبرى وهو الجيش الوطني الليبي، ثم التعاون الدولي، وفدحر الارهاب لا يمكن ان يتم الا بصورة جماعية كما جرى من جانب التحالف الدولي في سوريا، وليبيا ايضا تحتاج الى هذا التعاون.
- ما هي تداعيات تصنيف مجلس النواب الليبي للاخوان تنظيما إرهابيا على المستويين السياسي والأمني وعلاقات ليبيا الخارجية، وما هي رؤيتكم لهذا القرار؟
هذا البرلمان جاء في اللحظات الأخيرة وتذكر ان يحظر تنظيم الاخوان الارهابي، هذا القرار ربما لا تكون له قيمة من زاوية الجهة التي اصدرته. انا لا اعارض القرار بل هو مطلب شعبي، ولكن ارفض الاكتفاء بصدوره عن هذا البرلمان الضعيف.
نحن بحاجة إلى خارطة طريق المشير طنطاوي، الذي تولى المرحلة الانتقالية في مصر بعد 2011، التي اجمعت كل نخب العالم انها واحدة من أعظم خرائط الطريق للانتقال السياسي في ديمقراطية ناشئة. فنحن بحاجة لتشكيل مجلس عسكري يصدر اعلانا دستوريا، ويتم استعادة الأمن والاستقرار في البلاد لتجرى الانتخابات برلمانية ورئاسية بعد اقرار الدستور، ويحدث الانتقال السلمي للسلطة في ظروف مواتية.
ربما يتم خلال هذه المرحلة انهاء او تصفير للحياة الحزبية في البلاد لان هذه الاحزاب افسدت الحياة السياسية في البلاد، واقترح حل جميع الاحزاب السياسية، وسيصدر قانون يمنع قيام الاحزاب على اساس ديني وسيتم ايضا النص على ذلك في الدستور او الاعلان الدستوري الذي يمكن ان يصدر، بما يحظر الاخوان وغيرها من الاحزاب الدينية التي تعتبر من لا ينتمي إليها كافرا... فحل الاخوان والاحزاب الدينية يمثل مطلب شعبي، فسيتم النص على عدم قيام حزب على اساس ديني لأن في هذا اهانة للأحزاب الأخرى، واي احزاب تحصل على أموال من الخارج.
- ما هي تداعيات دعم تركيا العسكري للميليشيات التابعة للسراج في طرابلس في مواجهة الجيش الوطني الليبي؟
أردوغان كان واضحا تماما في توجيه أصابع الإتهام إلى نفسه وتقديم الأدلة كمخترق لقرارات أممية تتعلق بحظر السلاح، ومتورط في الحرب بالوكالة في ليبيا، والتي اعترف بها في تصريحاته التي قال فيها انه سيقدم كل شيء لحكومة الوفاق، فضلا عن أن تسليمه للاسلحة مباشرة إلى صلاح بادي مجرم الحرب بتصنيف مجلس الأمن الدولي، أما فيما يتعلق بتوازن القوى فلا اعتقد انها ستؤثر على توازن القوى بين هذه الميليشيات وقوات الجيش القادرة على دحرها، ولكن سلوك أردوغان الخطر فيه يتمثل في تصعيد الأجواء في ليبيا، وخاصة أن قيادات هذه الميليشيات قالت انها لن تتوقف عند حد استخدام هذه الاسلحة لمهاجمة مقر القيادة العامة للجيش الليبي في الرجمة، بل سيتوجهون بها حتى القاهرة، وهو ما يعني تقديم تهديد صريح للأمن القومي المصري.
- كيف أدت التطورات الأخيرة إلى تعطيل المشروع التركي في ليبيا خاصة أنه خلال الشهور الأخيرة تم ضبط العديد من السفن وشحنات الاسلحة التركية الموجهة الميليشيات؟ فيما اعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تسخير كل إمكانيات بلاده لدعم القوى المسيطرة على طرابلس؟
حدث تعطيل للمشروع التركي في ليبيا وفي المنطقة كلها، والجهود التي بذلتها كل الدول التي حاولت ان تفضح الدور التركي مهمة جدا، ولكن في تقديري أن الضربة القاضية ستأتي من الشعب التركي نفسه، هذا الشعب إنتبه من خلال جهود هذه الدول التي تصدت لأردوغان إلى خطورة هذا النظام الفاشي الذي يحكم بلدا من المفترض انه ديمقراطيا، وصحيح ان رجب طيب أردوغان ربما يقوم الأن ببعض الألاعيب التي يحاول من خلالها ان يغش ويخدع الشعب التركي، ولكن نفس الشعب التركي الذي قال للجيش في 2016 لا نريد وصايتكم هو نفس الشعب الذي اسقط أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البلدية الأخيرة، وبالتالي الضربة القاضية قادمة، وهو مؤشر على المستقبل الذي ينتظر هذا الحزب ونظامه المتطرف، والشعب التركي قال له "أنتهت اللعبة Game Over" وأعتقد أنه سيتلقى صفعة لم يتلقاها أي حزب على امتداد التاريخ التركي الحديث في الانتخابات القادمة سواء كانت البرلمانية أو الرئاسية، واعتقد ان الشعب التركي سوف يوجه لهذا النظام الضربة القاضية التي ستتوج الجهود التي بذلتها العديد من الدول من بينها مصر لفضح حقيقة هذا النظام.
هناك أطراف في ليبيا كانت تراهن على اردوغان وتحاول الاستقواء به، ولكن سقوط اردوغان ربما يدفعهم للتعويل على فاسد آخر من تنظيم الإخوان، فأردوغان لم تكن قد ولدته أمه قبل ظهور تنظيم الاخوان، ونحن لا نعول على رحيل اردوغان او مجئ غيره، فالتنظيم السري للإخوان يستخدم أردوغان وغيره وهذا التنظيم أقدم من أردوغان وسيعيد انتاج نفسه بعد رحيله المرتقب. وفي الختام، أقول إنه علينا ألا نعول على رحيل أردوغان أو وصول غيره، بل علينا البحث في كيف يمكن ان نقيم ديمقراطيات حقيقية في بلداننا، ومساعدة شعوبنا على بلوغ مستوى النضج والوعي لمعرفة حقيقة أردوغان ومن هم على شاكلته وكل هذه التنظيمات الفاسدة.