غلام" القرضاوي المُدلل
ما أن بدت ملامح لحظة فارقة في تاريخ المنطقة تكاد تتوحد فيها قواها الحية من أجل مقاومة وإفشال مشروع إحياء السلطنة العثمانية التوسعية المتسلحة بسموم التعصب الديني والقومي، حتى أستعادت آلة التكفير والتحريض والدعاية السوداء زخم نشاطها من جديد موجهة سمومها ضد بلدان المنطقة وجيوشها الوطنية المرابطة والمُستعدة أخيرا إلى "الإختيار" بين "النصر أو الشهادة"، في سبيل رد الاحتلال العثماني الذي لا يتورع رئيس النظام التركي في إعلان أهدافه والزحف نحوها في جميع بلدان المنطقة.
لكن بعد أن "رُدَ" مفتي التكفير الأول إلى "أَرْذَلِ الْعُمُرِ" ببلوغ "الهرم والخرف" بعد أن أمضى عمره في "تلفيق" القنابل الدينية الموقوتة وزراعتها في عقول كتائب المتطرفين من المحيط إلى الخليج، وتوجيههم ضد جيوش وشعوب قومهم، يبدو أن القرضاوي بات "لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا"، فتحولت المهمة إلى مُحرّض جديد، قد لا يتمتع بعد "بغواية القرضاوي" لكنه ومن خلال قيادة مظلة ومنصة "مشيخة قطر" للفكر التكفيري الإرهابي كخليفة للمؤسس القرضاوي، أصبح "القره داغي" شيخا جديدا للإرهابيين، و"أمينا" لما يسمى "الاتحاد العالمي (القطري) لعلماء المسلمين" الذي يتخذ من الدوحة مقرا له كـ"دار إفتاء لمن يقدم المال، ولحساب من يأوي ويقدم المكاسب والمغانم"، حسبما وصفه عديد من علماء المسلمين "الحقيقيين".
"القره داغي" الذي يصفه البعض بفتى القرضاوي المُقرب، أكد من جديد لأتباعه أنه يسير على نهج "الإمام المُحرض" بل ونقل عن القرضاوي ما ألمح به أنه "نبيا" عن مؤسس "اتحاد العلماء" الذي يعد المتطرفين ببشارات ونصر مبين، قائلا: "تواصلت اليوم مع الشيخ يوسف القرضاوي وهو بصحة طيبة والحمد لله، وسألني عن أحوال المسلمين فبشرته ببعض الأمور. فقال: لا شك أن العاقبة للمتقين وإن ربك لبالمرصاد، فعليكم أيها العلماء أن تقوموا بواجب الأنبياء، وعلى الأمة أن تأخذ بأسباب التمكين، مع الإيمان الراسخ بالنصر المبين".
وأكد الباحث المصري المختص في شؤون الاسلام السياسي، أحمد بان "كل عناصر التنظيم الدولى على اختلاف جنسياتهم يملكون نفس القناعات وتحركهم اجندة التنظيم وهذا الشخص يحاول ان يتلمس خطوات القرضاوى رغم افتقاره للخلفية العلمية والحركية التى تطاول القرضاوى لكنه فقط يحاول تنفيذ اجندة التنظيم وتحسين صورة الجماعة واعادة التموضع داخل العالم الاسلامى للجماعة من جديد وهذا الاتحاد فى النهاية مجرد واجهة فقهية او شرعية تسوغ سلوك التنظيم وخياراته".
قدمين في الدوحة وإسطنبول.. وعين على ليبيا ومصر
لم يكن مصادفة أن يطلق علي القره داغي عبارات التحريض والتكفير الصريح والضمني، ضد الجيوش والدول الوطنية بالمنطقة، قبل أن يتفرغ إلى استهداف مصر وجيشها وشعبها وقيادتها، بالتزامن مع خروج مندوبه في ليبيا وصاحب الفتوى "الشرعية" لدخول الإحتلال التركي إلى ليبيا للتحريض بالفتاوى التكفيرية ضد الشعب المصري من خلال قوله أن استيراد البضائع المصرية "حرام شرعا" وهي فتوى تنسحب على بقية الدول الداعمة للجيش الوطني الليبي حسبما زعم "الصادق الغرياني" صبي "قره داغي" في ليبيا، بل والأهم أنها كانت مجرد عنوانا مخادعا للتحريض أيضا ضد المصريين في ليبيا فبعد أيام من اصدارها نفذت الميليشيات الرسالة والأوامر "الشرعية" من الغرياني باستهداف المصريين، قبل أن تتمكن القاهرة من استعادة مواطنيها المستهدفين، ليخرج من جديد يوم الأربعاء للتحريض ضد القيادة المصرية والدفاع عن معاقل الإرهابيين، حيث نشرت صفحته الرسمية فيديو قديم له من التحريض ضد الجيش المصري الذي أضطر قبل سنوات إلى توجيه ضربات دقيقة لمعسكرات الدواعش في درنة بعد تورطهم في تنفيذ عمليات "ذبح وتفجير" إرهابية ضد المصريين الأقباط في ليبيا ومصر، وهو ما كان نتاج لخطاب الغرياني نفسه الذي يرفض سماح الدولة الليبية بوجود دور عبادة لغير المسلمين في البلاد التي يقول الغرياني أنها "للمسلمين فقط".
وفي مقابل فتاوى استهداف الاقتصاد المصري، تناقلت وسائل الاعلام التركية باللغات العربية والانجليزية والتركية والكردية وغيرها آواخر الشهر الماضي، قول "الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ الدكتور علي محيى الدين القره داغي" إن "تركيا تتعرض اليوم لحرب اقتصادية واضحة المعالم"، داعيا لـ"تشكيل اقتصاديات بين عدد من الدول لمواجهة الغرب وضغوطاته"، لتوضح باقي التصريحات دعوته إلى دعم الاقتصاد التركي بتمويل عاجل من المصرفين المركزيين القطري والليبي، في اشارة إلى مدى الاعباء التي تتحملها الخزانة القطرية مؤخرا في دعم المشروع العثماني الجديد، وحاجته إلى مزيد من "الغنائم" من "قوت الليبيين" وموردهم الوحيد وهو النفط.
وقال الباحث في شؤون الاسلام السياسي أحمد بان تعليقا على قيام رئيس الاتحاد العالمي وهو كردي الأصل من إقليم كردستان العراق بدعم احتلال الجيش التركي، في مواجهة تحريضه ضد الجيش الذي اعلن استعداده التام للوقوف بوجه الأطماع التركية: "هؤلاء العملاء تنكروا لقيم دينهم الذى يحثهم على حب اوطانهم والدفاع عنها والولاء لها واستبدلوا هذا بالولاء للتنظيم ومن يستخدم هذا التنظيم لخدمة اهداف استعمارية قديمة عبر عناوين دينية مزورة هؤلاء لايؤمنون بالدولة الوطنية وتسيطر على عقولهم دوجما الخلافة".
تخصص تحريض ضد الجيوش وشرعنة الاحتلال التركي
ومناداة "بالثأر" لزعماء الإرهاب، وتحريضا ضد "خير أجناد الأرض"، كتب القرداغي، قبل أيام: "لم تكن علاقتنا بالرئيس "الشهيد" محمد مرسي علاقةً تنظيمية.. وإنما علاقة تقديرٍ واحترامٍ لرئيسٍ.. والتزم بالدستور والسِلم المجتمعي.. فانقلب عليه من ائتمنه فخانه خيانةً عظمى.. ثم اغتالته يد الغدر والخيانة العسكرية "وما الله بغافل عما يعمل الظالمون"، في سطور قليلة لا تخلو كلمة منها من المغالطة والإنكار والتحريض والتدخل فيما لا يعنيه، فقد كان أول صدام بين "مرسيه" و"الجميع" الذي حاولت "الجماعة" ان تفرقه بالتحريض والتصنيف منذ تغوّل جماعته في المشهد المصري بعد 2011.. هو الانقلاب على الدستور الذي وضعته الجماعة بنفسها، ما جعل كل القوى الفاعلة في المجتمع المصري الذي كان قد شهد للتو ثورة يناير 2011، تتوحد ضد مشروع الاخوان الارهابية التي تمثل المطية الرئيسية للاحتلال التركي ورأس الجسر في جنوب المتوسط وحلم الوطن الأزرق الذي تسعى به تركيا إلى اعادة "أمجاد" القراصنة التاريخيين لإمبراطوريتهم الزائلة.
واستغلالا لسياق مواجهة القاهرة ودول عربية أخرى للتدخلات التركية في المنطقة، وخاصة في ليبيا، وتزامن ذلك مع ذكرى وفاة القيادي الإخواني المحكوم محمد مرسي، حرض مجددا على ما وصفه بـ"الثأر لمرسي"، قائلا "مرسي و(الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي) السيسي قصة بدأت ولم تنتهِ، فالنهاية لم تحن بعد.. فليس بعد الظلم إلا الثورة والحرية".
ورغم دعمه لحروب المرتزقة المدعومين من تركيا في كل بلدان المنطقة، قال القرداغي في تغريدة اليوم الأربعاء "الحروب بالوكالة وتدمير الأوطان وتشريد الناس وخلق فرص للمتطرفين وسيادة العنف وتهجير الناس، كل ذلك مرده إلى الظلم وغياب القيم الناظمة للعدل والرحمة، لن تنهض أمتنا مالم تحاكم نفسها حكاماً ومحكومين وجماعات وأحزاب"، لكن في نفس الوقت كان أول من تحرك لرسم ملامح حروب تحالف "المتطرفين المرتزقة وجنود الاحتلال التركي والكيانات غير الشرعية العميلة"، موجها أنشطة الاتحاد نحو شمال أفريقيا منذ توقيع اتفاق "السراج-أردوغان" الخريف الماضي، من أجل التنازل عن السيادة والموارد الليبية مقابل الدعم العسكري ضد الجيش الوطني الليبي.
وأدان مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، التابع لدار الإفتاء المصرية، يوم الثلاثاء الفتوى التي أصدرها مفتي جماعة الإخوان المعزول في ليبيا -الصادق الغرياني (ممثل القرداغي في ليبيا)- بتكفير أعضاء الجيش الوطني الليبي واستباحة دمائهم وأخذ غنائمهم؛ وأنه يجب معاملة أسرى الجيش الليبي الذين يقعون في أيدي ميلشيات الوفاق معاملة التتار والمغول. وأفاد المرصد أن المفتي المعزول بث فتواه عبر إحدى القنوات من داخل الأراضي التركية، وتأتي هذه الفتوى في ضوء الحرب الإعلامية التي تشنها تركيا ضد الجيش الوطني الليبي من أجل تدعيم المليشيات التابعة لها، بخلاف الدعم المادي من أموال وسلاح ومرتزقة من الأراضي السورية.
ففي مطلع العام الجاري، بعد اسابيع من توقيع اتفاقية الاحتلال والتفريط بين أردوغان والسراج في ليبيا، وتحديدا في يناير كانون الثاني الماضي، طار "القرد اغي" إلى تونس، فبينما يشارك أردوغان في مؤتمر برلين الدولي حول ليبيا لاقتناص هدنة تمكنه من نقل المتطرفين والارهابيين والاسلحة وجيش الاحتلال التركي إلى طرابلس، تحرك مفتي الارهاب "لتأمين" الجار الغربي والاطمئنان من خلال زيارة "المحطة" التونسية، على "مفرخة" التطرف وخنادق "العمالة" للمشروع التركي في الجوار الليبي، حيث ألتقى رموز الإخوان في تونس، من أجل حشد الدعم اللازم للاحتلال التركي وشرعنته.
فتوى "صبي القره داغي" الغرياني بتكفير وقتل أبناء الشعب الليبي من الجيش الوطني لم تكن الأولى من نوعها؛ وأنه قد اعتاد على إصدار مثل هذه الفتوى التي تبيح القتل والتكفير لكل من خالف أطماع جماعة الإخوان الإرهابية التي ينتمي لها منذ عام 2012م، ما جعل الكثير من أبناء الشعب الليبي يطلقون عليه "مفتي الفتنة والدماء".
وبعد أن حددت مصر على لسان رئيسها "الخط الأحمر" بالنسبة لأمنها القومي وهددت بالتدخل عسكريا دفاعا شرعيا عن النفس إذا تجاوزته الميليشيات والمرتزقة المدعومين من تركيا في ليبيا التي ينادي شعبها ومجلس نوابها الشرعي بدعم شقيقتهم الكبرى، كتب القرداغي رسالة تحريض جديدة في محاولة بائسة للفتنة بين المصريين المتوحدين خلف قياداتهم اليوم أكثر من أي وقت مضى منذ آلاف السنين، بالقول: "يحتار العاقل من تصريح (الرئيس المصري عبد الفتاح) السيسي بجهوزية جيش مصر للتدخل في ليبيا ! أليس من الأولى أن يواجه جيشه التهديد الأثيوبي الخطير لحصة مصر في نهر النيل الذي يعتبر شريان الحياة ؟! التخبط والتبعية والانقياد لمصالح دول أخرى وليس مصلحة الشعب المصري هو سمة هذه الحكومة الانقلابية!". رسالة التحريض "القرداغية" لا تشمل فقط مصر وقياداتها وجيشها، بل تعكس أيضا بصورة ضمنية تصورات مشايخ الفتنة في تحريض "المسلمين ضد المسيحيين" بشكل عام، فهو يمارس مغالطة بمحاولة ادعاء الحرص على حصة مصر من النيل وتحريضها ضد إثيوبيا، وكأن مصر بحاجة إلى نصائحه لتوجيه بوصلة تحركاتها لحماية "شريان الحياة" الذي لم يفرق أتباعه من الدواعش في ليبيا في ذبحه عام 2015 حينما قاموا بفظائع متكررة ومصورة ذبحوا خلالها مجموعتين من المسيحيين الأقباط المصريين والإثيوبيين في البلد التي ينقل إليها أردوغان قاطعي الرؤوس يوميا من معاقل الإرهاب تحت السيطرة والاحتلال التركي في سوريا.
وتماشيا مع "لين" الخطاب التركي المزعوم مؤخرا تجاه مصر في مقابل تهديدها الحقيقي على الأرض لأمنها القومي وعمقها الاستراتيجي، وما ظهر على لسان المسؤولين الاتراك من محاولات استراضاء للقاهرة المكشرة أخيرا عن أنيابها بعد سنوات من "الصبر الإستراتيجي"، واستغلالا لذكرى "سنوية" مرسي العياط، تباكى القرداغي على مشروع أردوغان المقبور تحت أقادم الشعب المصري في ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013 والتي تحل ذكراها بعد أيام، ونشر على حسابه على تويتر تغريدة بصورة تجمع "سلطان أسطنبول" و"والي المقطم" المعزول، قائلا: "التنسيق المصري-التركي في عهد الشهيد مرسي كان سيقود الأمة العربية والإسلامية لمرحلة جديدة من العزة والكرامة والرخاء الاقتصادي والاكتفاء الذاتي، ولهذا حاربوا الشهيد ولم يكمل سنة في حكمه خوفاً على مصالح الصهاينة والقوى الاستعمارية التي تسرق ثرواتنا وتذيق غالبية حكامنا الذل والهوان!".
وعبر بيانات وفتاوى "موسمية" جاهزة، كثيرا ما خرج "الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين علي القره داغي"، ليؤكد خيانة شعبه الكردي، وليؤيد "حق تركيا في الدفاع عن حدودها وشعبها بكل الوسائل المشروعة"، في تبرير "من القطري من أصول كردية" لهجوم أردوغان على شمالي سوريا والعراق لإستهداف الكرد. وقال في بيان شهير مذيل بتوقيعه: "أنا مع وحدة الأمة الإسلامية، وضد الأفكار الإلحادية والإرهابية، من أي قوم كانت"، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب التي يعتبرها القرداغي وأسوة بأردوغان "الحاديون وإرهابيون و يجوز إسلاميا قتلهم"، بحسب فتاوى سابقة، لا تحتلف عن فتاويه ضد المسيحيين والهندوس والبوذيين واليهود وغيرهم، لا مجال للخوض فيها أو الإشارة لها.