في العام 1990 أقدمت القوات التركية على اعتقال الآلاف من أبناء مناطق شمال كردستان، وبعد الاعتقال غيبوا وحتى الآن لا أحد يعرف شيء عن مصيرهم. إلى جانب هذا قتل الكثير منهم وحتى الآن لم تتم محاكمة المذنبين.
يجتمع ذو المغيبين، إلى اليوم، كل يوم سبت في مدينة آمد، إيله وإسطنبول مطالبين بالكشف عن مصير ذويهم ومحاكمة المذنبين. ومن عائلات المغيبين عضو مجلس عائلات المغيبين في منظمة حقوق الإنسان عدنان أورهان، الذي يواصل البحث منذ خمسة وعشرين عاماً عن مصير والده، عمه وابن عمه.
في العام 1994 تم اعتقال محمد سليم أورهان (والد عدنان)، حسن أورهان (عم عدنان) و جزاير أورهان (ابن عم عدنان) من قبل القوات التركية ومنذ ذلك الوقت لم يرد عنهم أي خبر.
وحول مسيرة البحث التي بدأت منذ 25 عاماً يقول عدنان أورهان لوكالة فرات للأنباء:
في العام 1994 أطلقت القوات الخاصة التركية حملة عسكرية واسعة في محيط قرية "زارا" التابعة لـ "باسور". حينها قاموا بإحراق المنازل والقرى وهدمها، فأُجبرنا على الرحيل إلى القرى المجاورة. وبعد مدة قصيرة عدنا إلى قريتنا ونصبنا خيمة إلى جانب منزلنا المهدم. وبتاريخ 24 أيار/مايو 1994، بدأت القوات الخاصة التركية بعملية أخرى في نفس المكان وعند وصولهم إلى القرية اعتقلوا والدي، عمي وابن عمي.
وأضاف "نقلوهم إلى أحد المدارس في المنطقة وتدعى "ليلي" وعذبوهم لمدة سبعة عشر يوماً بشكل متواصلة. وعلمت من خلال أحد الذين كانوا معتقلين مع والدي وتم الإفراج عنه بمكان وجوده".
وأوضح: في نفس الوقت كنت طالباً في نفس المدة التي يتم احتجاز والدي فيها مدرسة "ليلي" لكن وبسبب العمليات العسكرية وحرق القرى حينها لم أكن اذهب إلى المدرسة. حينها حولت القوات العسكرية المدرسة إلى مكان للإقامة ودائماً ما كانوا يقوم باعتقال المدنيين ونقلهم إليها. في المساء كنا نسمع صياح المدنيين أثناء التعذيب. ذلك الشخص الذي كان معتقلاً مع والدي قال: "والدي أخبرني أنهم يتعرضون للتعذيب بشكل مستمر، أحد الأشخاص أخبرهم بأنه سيطلق سراحهم بشرط أن يلبسوا لباس الكريلا، ويتم تصويرهم ثم سيخلون سبيلهم". لكن بعد أن قاموا بإقناعهم بهذه الفكرة وتصويرهم تم قتلهم من قبل القوات التركية.
وتابع أورهان: نقلوا والدي، عمي وابن عمي إلى محيط قرية "باغجلر"، وعند السؤال عنهم أخبرني أحد القرويين أن القوات التركية انتشرت بكثافة في المنطقة وصلت أحد المروحيات إلى المنطقة وجاء الجنود إلى القرية طالبين منهم إخلاء القرية أو عدم الخروج من المنزل إطلاقاً، لأنه هناك إرهابيين في المنطقة وستكون هناك معارك قوية. في البداية كنا نسمع صوت المروحية ذهاباً وإياباً، ثم أصوات اطلاق النار، وفيما بعد سمعنا صيحات الأشخاص. ودام الحال على ما هو عليه حتى المساء وفي صباح اليوم التالي خرج أطفال القرية للرعي، بعد مدة قصيرة عادوا ليخبروننا أنهم عثروا على جثث لأشخاص مقتولين في المكان. نحن أهالي القرية توجهنا إلى المكان وعثرنا على جثة سبعة أشخاص مقتلين بالرصاص في المكان، وقد أحرقت. وبسبب الحريق لم نتمكن من التعرف عليهم.
وأكد: "عائلتي وقبل دفن الجثث ذهبوا إلى المكان لكنهم لم يتمكنوا من التعرف عليهم، لكن أحد القرويين استطاع التعرف على "علبة السجائر المعدنية" كانت بالقرب من مكان حرق الجثث، وقال: "هذه العلبة لـ محمد سليم (والد عدنان) أنا اعرفها جيداً".
ويضيف أورهان "بحثنا عنهم لسنوات طويلة لكن دون نتيجة، وفي العام 2004 تمت الموافقة على فتح أحد المقابر الجماعية للتأكد من هوية المتوفين بطلب من عائلة "قدوسي أدي غوزل".
وأشار إلى أن المقبرة تم فتحها بشكل همجي وتم نقل العظام الموجودة إلى مدينة إسطنبول لتحليلها وتم أخذ عينات الحمض النووي من أفراد العائلة للمقارنة. لكن أخبروهم أن النتيجة غير متطابقة. بعد أن وردني هذا الخبر ذهبت إلى إسطنبول للتأكد من هذا الخبر وتقديم عينة للتحليل وقلت في نفسي "ربما يكون هؤلاء هم أبي وعمي وأبن عمي"، وفي العام 2007 ظهرت نتيجة التحليل لتؤكد أن أحدهم والدي والآخر عمي، لكن ابن عمي ليس بينهم.
بعد أن حصلنا على نتيجة التحليل طالبنا بنقل رفاة المتوفين إلى القرية، لكن رفضوا تسليمنا الرفاة بحجة أنها ضاعت.
وتابع أورهان: "مؤسسة الطب الشرعي لا تعمل وفق القانون، أولاً حفروا المقبرة الجماعية بشكل همجي دون مراعاة الشروط، فيما بعد نقلوا الرفاة إلى إسطنبول، أخيراً اخفوا الرفاة ونتيجة تحليل الحمض النووي (DNA). بحثنا عن الرفاة للعام 2009، ثم رفعنا دعوى قضائية في هذا الصدد، النيابة العامة بعثت إلينا برسالة قالوا فيها رفاة المتوفين أودعت في مقابر المجهولين في العمود (67). ذهبنا إلى المكان وطالبنا بنقل الرفاة، فقدمت الدولة لنا كيس فيه مجموعة من العظام. رفضت استلام الكيس ورفعت شكوى وطالبت بالفصل بين العظام، فرفضت النيابة الموافقة على طلبي".
ويضيف عدنان أورهان: "عندما خطفوا والدي كان عمري عشرة سنوات، ومنذ ذلك الوقت وأنا في رحلة البحث عن العدالة ونطالب بمحاسبة المذنبين. منذ 25 عاماً وحتى الآن لم نتمكن من الحصول على رفاة أهلنا. قدمنا شكوى وطالبنا بتطبيق العدالة بحق المجرمين الذي ارتكبوا هذه الجريمة ولجأنا إلى لجنة حقوق الإنسان لتدعمنا في هذا المطلب كغيرنا من آلاف عائلات المغيبين قسراً. ومن أجل تطبيق العدالة، انضممت للعمل ضمن جمعية حقوق الإنسان وأحاول قدر المستطاع أن أكون صوت عائلات المغيبين، فلكل عائلة قصة مختلفة لكن الجميع يعانون نفس الألم".