وقالت صحيفة "العرب" اللندنية، إن أنقرة ستستغل الصراع بين أذربيجان وأرمينيا لصالحها من أجل نقل معاركها مع موسكو من منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً من سوريا، إلى القوقاز ذات الأهمية الاستراتيجية.
وتظهر تصريحات السفير الأرميني لدى روسيا، فاردان تاغانيان بأن المسلحين الذين تم طردهم من سوريا من قبل تركيا يشاركون في الأعمال القتالية في منطقة قره باغ، كيف أن الرئيس رجب طيب أردوغان لا يدخر جهداً حتى يقوم باستفزاز روسيا، في أي منطقة تتواجد فيها.
في المقابل، سعى أردوغان كالعادة إلى تعويم الأزمة في القوقاز وطالب أرمينيا، خصمه التاريخي، بالانسحاب من مناطق سيطرت عليها في أذربيجان. وقال إنها باتت مضطرة إلى حل مشاكلها بنفسها شاءت أم أبت، ولكن تركيا ستواصل الوقوف إلى جانبها بكل الإمكانيات.
وبينما لم يتطرق الرئيس التركي بشكل مباشر لما إذا كانت بلاده تلعب دوراً نشطا في الصراع في الوقت الحالي، كما تقول أرمينيا، بينما تنفي أذربيجان هذه المزاعم، لكن السفير الأرميني لدى موسكو قال إن هناك 4 آلاف مرتزق قدموا من سوريا وتم تدريبهم في معسكرات المتشددين ونقلهم إلى أذربيجان.
وتحت عنوان "ناغورنو كاراباخ: تركيا تلقي بثقلها وراء أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا على المنطقة"، ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي بالعربية، إن رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان، طالب أرمينيا بإنهاء "احتلال" منطقة ناغورنو كاراباخ التي تتنازع عليها مع أذربيجان.
جاء هذا مع احتدام القتال لليوم الثاني على التوالي حيث تجدد الصراع المستمر منذ عقود في منطقة القوقاز في جنوب شرق أوروبا. وقال أردوغان إن إنهاء "احتلال" أرمينيا وانسحابها من المنطقة هو مسار العمل الوحيد الذي من شأنه إرساء السلام.
أعلنت تركيا دعمها لأذربيجان، في حين دعت روسيا - التي لها قواعد عسكرية في أرمينيا لكنها صديقة أيضاً لأذربيجان - إلى وقف فوري لإطلاق النار. واتهمت أرمينيا تركيا بتقديم دعم عسكري مباشر لأذربيجان لمساعدتها في السيطرة على الأراضي، وهو ادعاء نفته الأخيرة.
في مقابلة مع بي بي سي، اتهم وزير الخارجية الأرمني، زهراب مناتساكانيان، أذربيجان بتخريب التوصل إلى تسوية سلمية للصراع وأصرّ على أنّ أرمينيا يجب أن تدافع عن المنطقة. وقال متحدث باسم الإدارة الرئاسية الأذربيجانية لبي بي سي إنّ بلاده تتخذ "إجراءات مضادة" في مواجهة استفزازات أرمينيا.
أنقرة تصب الزيت على النار
أكدت صحيفة "الشرق الأوسط"، أن اندلاع مواجهة بين أرمينيا وأذربيجان الجارين في القوقاز، واللذين كانا ضمن الاتحاد السوفياتي، من شأنه أن يدفع القوتان الإقليميتان روسيا وتركيا للتدخل. ودعت كل من روسيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وأطراف أخرى إلى وقف إطلاق النار.
ووسط توتر متنام مع تركيا، حذّر رئيس الوزراء الأرميني من التدخل التركي في النزاع. وقال: "أصبحنا على وشك حرب واسعة النطاق في جنوب القوقاز، ما يهدد بعواقب غير قابلة للتنبؤ. قد تخرج الحرب عن حدود المنطقة وتمتد إلى نظام أوسع. أدعو المجتمع الدولي إلى استخدام جميع آليات الضغط ومنع أي تدخل تركي في النزاع". وحمّل أذربيجان المسؤولية عن التصعيد الجديد، مشدداً على أن الهجوم سيلقى "رداً مناسباً".
وأشار موقع "اندبندنت عربية" إلى أن أنقرة لعبت دوراً تجاوز دعمها التقليدي لباكو، وصولاً إلى صب الزيت على النار لإشعال فتيل الصراع الحالي المتجدد في منطقة القوقاز التي طالما اعتبرتها تركيا إحدى حدائقها الخلفية، وتحديداً في إحدى أهم دول "العالم التركي" وهي أذربيجان، الحليف التقليدي لأنقرة في مقابل عدوتها اللدودة أرمينيا حليفة روسيا، فيما يرى البعض أن كلاً من أرمينيا وأذربيجان يعملان حالياً كمخلبي قط لكل من روسيا وتركيا في صراع لتصفية حسابات تنتمي لأزمات خارج المنطقة الأوروآسيوية، وصولاً إلى شمال سوريا وشرق المتوسط وليبيا.
وفي وقت أعلنت فيه معظم أطراف المجتمع الدولي دعوة طرفي الصراع إلى ضبط النفس والتهدئة ووقف إطلاق النار بشكل عاجل لمنع مزيد من التصعيد، كان لافتاً انحياز تركيا الواضح لأذربيجان، وهو موقف كان متوقعاً من أنقرة التي تصف علاقاتها مع أذربيجان على أنها علاقة "شعب واحد ودولتين"، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي أكد في يوليو (تموز) الماضي أن "تركيا لن تتردد أبداً في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان"، كتب عبر تويتر بالأمس، "سيدعم الشعب التركي أشقاءنا في أذربيجان بكل الوسائل كما عهدنا"، منتقداً المجتمع الدولي لعدم "رده بما يكفي، وكما يجب" على ما وصفه بـ "العدوان" من جانب أرمينيا.
"تضفي خطوط أنابيب الغاز والمنافسة التجارية القائمة بين شبكات الطرق وسكك الحديد والموانئ وحتى كابلات الألياف الضوئية، بعداً اقتصادياً على الصراع بين روسيا وتركيا في تلك المنطقة الحيوية التي تعمل كحلقة وصل برية بين آسيا وأوروبا، وفي غياب الدور المبادر والقيادي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من أجل تسوية الصراع، تبدو الساحة مثالية لتصفية الحسابات بين موسكو وأنقرة وحلفاء كل منهما"، بحسب الباحث بهاء الدين عياد في تحليل بعنوان "لماذا أعلنت تركيا دعمها المطلق لأذربيجان في صدامها المسلح مع أرمينيا؟".
في تموز/ يوليو الماضي، قصفت أرمينيا منطقة توفوز الأذرية قرب الحدود مع تركيا، وبالرغم من أن تلك المنطقة بعيدة عن الإقليم الجبلي المتنازع عليه، فإن رد فعل تركيا كان أقوى من الدعم اللفظي الذي عبرت عنه في كل مرة يتجدد فيها النزاع الحدودي المزمن بين الجارتين، ليشارك الجيش التركي في إجراء مناورات عسكرية شاملة في أذربيجان، تحت مسمى "النسر التركي الأذربيجاني 2020"، وذلك بعد أيام من اندلاع اشتباكات منطقة "توفوز" الحدودية، تبعتها زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى أذربيجان، وسط تقارير تفيد بسعي تركيا إلى امتلاك وجود عسكري دائم في أذربيجان. ولم تنفصل التحركات التركية عن نهج الخطابة الشعبوية الحادة التي اتبعها الرئيس التركي، الذي أكد وقتذاك أن "تركيا لن تتردد أبداً في التصدي للهجوم على حقوق وأراضي أذربيجان"، وستستمر في أداء واجب الدفاع عنها الذي بدأ به أجداده لعدة قرون في منطقة القوقاز".
وأعتبر عياد أن رد الفعل التركي المتشدد في ذلك الوقت ارتبط بسعي أنقرة إلى ردع أرمينيا عن تطوير هجومها المدفعي في "توفوز"، حيث تتجاوز بذلك مناطق الصراع التقليدي بين البلدين لتشمل مساحة جديدة حيوية بالنسبة للمصالح الاقتصادية لتركيا والقريبة من حدودها، إذ تمر منها خطوط أنابيب نقل النفط والغاز الأذري إلى تركيا، فيما يرى آخرون أن إعادة الصراع إلى ساحته الأصلية بعد شهر من هجوم توفوز يمثل إعادة توجيه لفوهات المدافع الأرمينية بعيداً من المصالح التركية.
واشار عياد إلى التشابه بين ساحة القتال الجبلية في الاقليم المتنازع عليه بين ارمينيا وأذربيجان، وجبال كردستان التي يقوم فيها الجيش التركي بعمليات عسكرية عدوانية منذ عقود، مشيرا إلى دخول المسيرات التركية كنعصر أساسي في الصراع الحالي والمستقبلي حول الإقليم الانفصالي الأذري الواقع تحت سيطرة الأرمن، ما دفع أرمينيا إلى الحذر، فقد أعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأرمينية شوشان ستيبانيان، بعد أيام من الاشتباكات التي وقعت في يوليو الماضي، أن روسيا وأرمينيا بدأتا مناورات عسكرية مشتركة لاختبار فعالية أنظمة الدفاع الجوي، ولتعزيز قدراتهما في مجال الدفاع الجوي الإقليمي والتصدي للطائرات المسيّرة، مضيفًا أنه سيتم تطوير أساليب جديدة لمكافحة الطائرات المسيّرة خلال المناورات.
صفعة شرق المتوسط
وتحت عنوان "الحرب في قره باغ بين التركي المستفز والإيراني القلق"، كتب حسن فحص في إندبندنت عربية، معتبرا إن أنقرة لجأت إلى موقف تصعيدي بإعلانها الوقوف إلى جانب الحكومة الأذربيجانية في معركتها مع قره باغ ويريفان، وأرسلت مجموعات من المقاتلين السوريين إلى هذه المنطقة للقتال إلى جانب القوات الأذربيجانية في إطار الاستراتيجية التي تتبناها قيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالدفاع عن أبناء القومية التركية في كل الدول والمناطق، باعتبارها عمقاً استراتيجياً وديموغرافياً لتركيا، وإرثاً يجب الحفاظ عليه من تراث الإمبراطورية العثمانية التاريخي.
واشار التقرير إلى أنه من غير المُستبعد أن تكون الاندفاعة التركية نحو إعلان الدعم لقرار الحكومة الأذربيجانية منطلقة من عدة اعتبارات تتعلق بالتعقيدات التي تواجهها أنقرة في إدارة الكثير والعديد من الملفات في منطقة الشرق الأوسط. فتركيا وجدت نفسها أمام تحد تقديم التنازلات في الملف الداخلي الليبي بعد الضغوط التي تعرضت لها من المجتمع الدولي بسبب دورها السلبي في استمرار هذه الأزمة وعرقلتها لكل مقترحات الحلول السياسية، وتمسكها بمحورية حكومة طرابلس المدعومة منها لتكريس الاتفاقيات التي عقدتها معها لإعادة ترسيم الحدود البحرية في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
ويضاف إلى ذلك، أنها أجبرت على التراجع والتخفيف من حدة التوتر بينها وبين اليونان في النزاع حول مطالبها بإعادة رسم الحدود البحرية تحت ضغط أميركي وأوروبي والتلويح بإمكانية إدخال المنطقة في حرب عسكرية في وقت لم تستطع فرض نفسها لاعباً على الساحة اللبنانية التي عادت لتدخل في دائرة الاهتمام المباشر للادارة الفرنسية كمحطة مهمة في معركة استعادة باريس لدورها وموقعها في أحداث وتطورات الحوض الشرقي للبحر المتوسط.
في المقابل، لم تجد أنقرة حليفاً حقيقياً لها في كل هذه المعارك والملفات المفتوحة على احتمالات التفجير، خصوصاً من قبل الصديقين الروسي والإيراني على الرغم من أهمية كل طرف من هذه الأطراف الثلاثة بالنسبة إلى الآخر في سياق الدفاع عن المصالح المشتركة الاقتصادية ومعركة امدادات الطاقة، خصوصاً أنابيب الغاز باتجاه أوروبا. فالإيراني لم يدخل في لعبة النزاع والميل لأي من الأطراف في الأزمة الليبية، في حين أن الجانب الروسي ذهب إلى مقاربة لا تتفق مع الطموحات التركية بترجيح العلاقة مع قيادة المشير خليفة حفتر والاقتراب من الرؤية المصرية في التعامل مع هذه الأزمة.