وأكد اللواء هاني غنيم، رئيس المركز المصري للدراسات والأبحاث الاستراتيجية، أن اعلان تباطؤ الانسحاب الأمريكي يعني تراجع عن فكرة الانسحاب.. مشددا في حواره لوكالة فرات للأنباء ANF، على أن المشروع التركي في سوريا يهدف للقضاء على الكرد، لافتا إلى ان مصر والسعودية والامارات ودول عربية أخرى تتحرك حاليا لمواجهة حالة الفوضى ودعم الاستقرار في سوريا والتصدي للأطماع التركية.. فإلى نص الحوار:
- ما تقييمكم للمشهد الاقليمي في الوقت الراهن وخاصة مع ما يتعلق بإعلان "الانسحاب الامريكي" من سوريا؟
دعنا نتكلم في البداية عن ما سمي بالانسحاب الأمريكي من سوريا، وحقيقة الشراكة الأمريكية مع الكرد في شمال سوريا، كان هدفه الاساسي هو القضاء على ما سمي تنظيم الدولة أو داعش الارهابي، وكانت هذه هي نقطة الالتقاء أو الذريعة، والكرد كانوا بحاجة لشريك قوي لمحاربة داعش، وخلال السنوات الاربعة الماضية، كانت هذه الشراكة موجودة، ولكن ما كان يثير استفهامنا هو وجود أكثر من 2000 جندي أمريكي بشكل ثابت في شمال سوريا، ومستقبل هذا الوجود، فهذا الوجود كان على الاقل يتسبب خلل لتنظيم داعش الارهابي، ولكن وجود التوازن بين كل القوى المتصارعة في سوريا أو عدم وجود توازن، كان في كل الاحوال يعتمد على الوجود الأمريكي والروسي، والشراكة الأمريكية مع الكرد كانت جزء من التوازنات الأمريكية في سوريا، ولا اعتقد أن الأمريكيين كانوا حلفاء حقيقيين للكرد، بل كانت شراكة، ولا أعتقد ان الأمريكان حلفاء لأحد سوى أنفسهم، فهي تستخدم صلاحيات غير متوازنة في علاقاتها مع اي حليف ولذا لا اعتقد انه كان تحالف بالمعني الحقيقي، فهو كان شراكة من اجل اهداف محددة.
والتواجد الروسي الذي تراجع في الشرق الاوسط منذ التدخل الأمريكي في العراق، فكان الحضور الروسي حاليا في الأزمة السورية محاولة للتواجد بشكل "مقبول" من جانب المنطقة كحليف في مكافحة الارهاب، واعتقد ان هذا تطابق الى حد ما مع رؤية مصر التي كانت دائما تحذر من عواقب الصراع الداخلي في سوريا، ومصر كانت دائما تساند الشعب السوري والوطن السوري، وكانت على الحياد من قرارات النظام السوري تماما، لصالح الشعب السوري.
سوريا دائما على رأس قائمة أية مباحثات بين مصر وأي دولة سواء روسيا او الولايات المتحدة، كما رأينا ذلك خلال الاتصال الاخير بين الرئيسين السيسي وترامب، وهذا كان معلن دائما.
- هل تعتقد ان الانسحاب الأمريكي كان مفاجئا؟ وهل بالفعل القرار اتخذ بعد مفاوضات مع الاتراك ام مع من؟
الانسحاب الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي بشكل مفاجئ.. لم يكن انسحابا مفاجئا، فهو سبق أن أعلن نيته، ولم يعلن قراره إلا بعدما وصل لطاولة مفاوضات حقيقية مع روسيا، فأنتفى سبب حضوره في سوريا، وعندما وجد ان نتائج المفاوضات لم تتم بالصورة الايجابية من وجهة نظره، لم يعلن تراجعه ولكن أعلن التباطؤ في هذا الانسحاب، وهذا التباطؤ اعتقد انه تراجع حقيقي عن فكرة الانسحاب، أو كان اظهار للعالم أن التلويح بفكرة الانسحاب، هي قرار في يده ويقدر عليها ويمكن استخدامها في اي وقت لإحداث خلل في المنطقة، فالانسحاب هو ورقة ضغط، وورقة الضغط الأخرى هي داعش، واليوم سوريا في مأزق حقيقي لأنه اذا تابعنا المشهد في الشهور الماضية، كان هناك مفاوضات جادة واتفاق لكل الاطراف نحو استقرار سوريا، ولكن بدأت أوراق الضغط الأمريكية تظهر، لأنها لا تريد تسوية الأوضاع بهذه الصورة النهائية.
لا ارى ان الانسحاب الأمريكي سيحدث وهو لم يكن سوى "فرقعة إعلامية"، وكان به محاولة لتهديد كافة الاطراف بأنه بانسحاب الولايات المتحدة لن يكون هناك استقرار في المنطقة. واعتقد ان السرعة في اعلان التباطؤ يكشف ان القرار فعلا كان مناورة، واصبح ظاهرا بلاد أي غموض.
أما فكرة التفاوض الأمريكي التركي فهي محاولة أخرى للضغط على منطقة الشرق الأوسط، وتؤدي لعدم الاستقرار، ومصالح الولايات المتحدة في هذا، واذا تحدثنا عن فكرة ان سوريا في مرحلة التسوية، فهذا بالتأكيد صحيح وحقيقي، وتم التوصل لأهداف متقدمة في المفاوضات، وأهمها الاتفاق على عدم تفكيك سوريا، وتحقيق أهداف تركيا بالقضاء على الكرد، فما فعلته أنقرة من دعم الفصائل أو ما كانت تسميه دعما لثورة الشعب السوري، لم يكن سوى محاولة للقضاء على الكرد، وتشتيت سوريا، فالحرب التي تزعمتها تركيا للقضاء على الكرد وأي وحدة أو قوى سياسية تقف أمام أطماعها، كان واضحا تماما، وتركيا استخدمت الشعب السوري للأسف والتنظيميات السياسية وداعش في تحقيق هدفها، واصبح واضح تماما التوجه التركي في محاولة فرض إرادته وقوته على سوريا.
- ما هي آفاق الاستقرار في سوريا في ظل الأوضاع الراهنة ومواجهة تهديدات أردوغان؟
بشائر الاستقرار السوري ظهرت منذ شهور، وليس منذ قرار الانسحاب، مع الوصول لصيغ للتفاهم مع الحكومة السورية والادارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، ولا اقول مع الوصول لحكم ذاتي للكرد فقط، ولكن مع وجود مؤشرات على الاتجاه لإيجاد شراكة حقيقية في حكم سوريا والتفاهم مع الكرد، واعلان دمشق حق الكرد في ادارة شؤونهم وشؤون البلاد وتواجدهم في مشهد الدولة السورية وحكم الدولة السورية، هذا تم اعلانه قبل قرار الانسحاب، وحدثت مفاوضات ووفود إلى دمشق وهكذا، وهذا يشير للجانب المشرق مما يجري، وقرار الانسحاب لم يؤثر على الوضع في سوريا سواء بالإيجاب او السلب، بل ربما له تأثير ايجابي من زاوية التحرك لمواجهة التهديدات التركية.
- هل يخصم الانسحاب ثم التراجع من مصداقية الدور الامريكي؟
من وجهة نظر القيادة الأمريكية وتحديد قيادة ترامب للولايات المتحدة، هو حقق اهدافه، فهو ينفذ ما سبق ان تحدث عنه، هكذا هو يرى الأمور منذ ان اعلن برنامجه الانتخابي وكان العالم يستهزأ به، ولكن بعد نجاحه في تحسين الوضع الاقتصادي الامريكي بات له مصداقية في الشارع الامريكي، لأن كل ما تحدث عنه نفذه. فليس مهم ان نتحدث ان امريكا حليف ام لا، لأنها ليست حليف سوى للولايات المتحدة ذاتها، وعلينا الاعتراف بذلك والعمل على معطياته، فلا مشكلة لدي في التعامل مع حليف يخدم مصالحه.
- كيف ترى آفاق الوقوف العربي بوجه التهديدات التركية في ظل الانفتاح المتنامي على الحالة السورية في الوقت الراهن؟
ما يحدث الأن يجب أن يكون ناقوس خطر وإنذار لتركيا، فالدول العربية حاليا اعلنت خطوات واضحة تجاه سوريا، ومن بينها قرارات اعادة فتح السفارات واستعادة الحضور العربي في المشهد السوري، وما قادته مصر والامارات والسعودية، هذا المثلث، في محاولة لم الشمل العربي واستجماع القوة العربية، ووجود قوة حقيقية في المنطقة لصد محاولات اختراق المنطقة العربية من جانب القوى الاقليمية، وهذه التحركات دائما ما كانت شغل تركيا الشاغل في المنطقة، وتعتبره تهديدا لأطماعها، ويعرقل محاولاتها للعبث في الاطراف العربية، واعتقد ان بقية الاطراف العربية قرأت المشهد، بطريقة سليمة، واصبحت طاولة المباحثات مفتوحة بينهم، لمزيد من التضامن من اجل مواجهة التهديدات الاقليمية وتعزيز الوحدة التي أدى غيابها لما نحن فيه.
- كيف ترجمت تلك التفاهمات العربية؟
اعتقد ان اعادة فتح السفارة الاماراتية في دمشق وغيرها من التحركات المنسقة في هذا الصدد، هي مجرد إشارة لتحركات أكثر تأثيرا، وهذا يعتبر عودة لأصل العلاقات بين تلك الدول، ومصر والامارات والسعودية يتحركون في استعادة جوهر التضامن العربي المفقود، والان الامارات استعادت سفارتها، ومصر تدرس ذلك وهناك عدد اخر من الدول العربية في طريقها لذلك، وهذا نتاج اتحاد في المصالح المشتركة وفهم حقيقي للتهديدات القائمة، وان المنطقة العربية كلها جزء لا يتجزأ من بعضه البعض، وهذا اعتراف بضرورة استقرار سوريا لدعم استقرار المنطقة، لأن الصراع الأكبر من المنطقة يدور في سوريا.