في حديث خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، ألقى مستشار الإدارة الذاتية الديمقراطيّة لشمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد الضوء على آخر التطوّرات الميدانيّة والسياسيّة في سوريا بالعموم وشمالها على وجه الخصوص، حيث أبدى استعداد الإدارة لإجراء مفاوضات تهدف إلى حماية الحدود السوريّة من أيّ تهديد خارجي، خاصّة التهديد التركي, منوّهاً إلى دور روسيا في المفاوضات بينهم وبين الحكومة السوريّة.
كما أكّد جيا كرد على رفضهم أن تدير تركيا "المنطقة الآمنة" التي يدور الحديث حول إقامتها في شمال سوريا، معتبراً أنّ هذا الأمر "يمهّد للدولة التركيّة احتلال المنطقة"، واتّهم تركيا بتنفيذ التفجير الذي وقع في مدينة منبج، والذي أسفر عن مقتل عدد من الجنود الأمريكيّين، وذلك سعياً منها لأن تكون "لاعباً احتياطيّاً" في محاربة فلول تنظيم داعش بعد الخروج المحتمل للقوّات الأمريكيّة من سوريا.
- في البداية، هل بإمكانكم أن تعطونا خلفية للمفاوضات منذ بدايتها عندما توجّه وفد من مجلس سوريا الديمقراطي إلى روسيا؟ ماذا جرى في موسكو؟
تمّت دعوة مجلس سورية الديمقراطي (مسد) في بداية الشهر العاشر من العام الماضي من قبل وزارة الخارجية الروسية إثر اللقاءات التي جرت بين "مسد" والقيادة السورية لأول مرة بشكل رسمي، بعد أن شهدت العلاقة بين روسيا والإدارة الذاتية فترة فتور أثناء العدوان التركي على عفرين وبعد احتلال المقاطعة.
بعدها بفترة بدأت العلاقة تعود مع الجانب الروسي، وهو ما أرادته موسكو أيضاً من خلال الزيارة لكي تبقي الأبواب مفتوحة مع الكرد. وبالتأكيد نحن أيضاً نرى بأنه لا يمكن تجاهل الدور الروسي في أيّ حوار مع دمشق وحلّ القضية الكردية، لا سيما وهي التي تتمسك بجميع الخيوط الإستراتيجية العسكرية والسياسية في الملف السوري، وهي ترى بان الملف الكردي (وهي التسمية التي تستخدمها روسيا) بات قضية استراتيجية في الأزمة السورية يمكن الاستفادة منها في قضايا خلافية مهمة مع المنافسين الآخرين من جهة، ومن جهة أخرى بُذِلَت جهود ليست بالقليلة من اجل خلق تقارب بين دمشق والإدارة الذاتية من خلال التركيز على التحديات المشتركة بين الجانبين.
وفي هذا السياق نُظِمت عدّة اجتماعات في حميميم عرفت بمبادرة حميميم لخلق تقارب بينهما في الوقت الذي كانت تنعقد اجتماعات جنيف بمعزل عن شعوب شمال وشرق سورية ولكن كل هذه المحاولات لم تُثمر عن نتائج تذكر نتيجة للعقلية المتحجرة تجاه القضية الكردية وعدم وجود نية للحل السياسي لدى دمشق. وهذا الأمر أثبتتها اللقاءات التي جرت معهم سواء في حميميم أو دمشق أو موسكو. الإدارة الذاتية تدعم ومنذ البداية الحوار والحل السياسي حتى عندما كان النظام السوري في أضعف حالاته كما في مراحل قوته أي أن قرار الحوار لم يكن مرتبطاً بأي عوامل خارجية بل ينبع من صلب مبادئ المشروع السياسي القائم في شمال وشرق سوريا.
- الإدارة الذاتية سلّمت الروس "خريطة طريق" متضمّنة عدّة نقاط للحوار مع دمشق، ما هي أبرز النقاط التي تطرحونها في تلك الخريطة؟
اللقاء الأخير مع الجانب الروسي في الشهر الفائت جرى في إطار مرحلة جديدة من المحادثات بهدف تجاوز الانسداد الذي شهدته اللقاءات الأخرى مع النظام السوري لأن الحل السياسي الآن يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى، حيث الحرب على الإرهاب باتت في مراحلها الأخيرة وكذلك النظام السوري استعاد عافيته وبات يشكل جزء أساسي للحل ولا يمكن تجاهله بعد أن تغيرت الظروف ومطالب الأطراف الإقليمية والدولية التي كانت تشترط رحيل النظام السوري والرئيس الأسد للدخول في أي عملية سياسية.
وفي هذا اللقاء الأخير تمّ طرح خارطة طريق للحل السياسي مع دمشق تضمنت المحاور الأساسية المتعلقة بالجانب الأمني والعسكري والتي بموجبها تم طرح إمكانية أن تصبح قوات سورية الديمقراطية وقوات الأمن الداخلي جزءاً من المنظومة الدفاعية السورية الوطنية والتي يقع على عاتقها مهمة حماية حدود مناطق شمال وشرق سورية وكذلك رسم خطط استراتيجيات عسكرية مشتركة لمحاربة الإرهاب وتحرير المناطق المحتلة من قبل تركيا بدءا من عفرين.
كما وشملت الخارطة الجانب السياسي والإداري على أن يتم تضمين الإدارة الذاتية الديمقراطية دستوريا وتحديد صلاحيات هذه الإدارة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها في إطار نظام إداري لامركزي يتم فيه تضمين الحقوق الثقافية والقومية والسياسية لكل السوريين وفي مقدمتهم الكرد داخل الدستور السوري الجديد وجعل اللغة الكردية لغة رسمية في البلاد الى جانب صون حق التعلم باللغة الأم لكل مكون في سوريا.
وتناولت الخارطة التي طُرحت في موسكو الجانب الاقتصادي على أن يتم اعتبار كل الثروات السطحية والباطنية كثروات وطنية على أن يجري توزيعها بشكل عادل ويستفيد منها كل السوريين. وهذا ما يتطلب أن كتابة دستور جديد للبلاد من خلال تشكيل لجنة لإعداد مسودة الدستور بشكل توافقي من كافة السوريين.
- كيف تقيّمون الموقف الروسي من المفاوضات مع الحكومة السوريّة؟ وهل بإمكان الروس أن يكونوا ضامناً لأي اتفاق بينكم وبين الحكومة السورية ؟
بكلّ تاكيد، روسيا دولة عظمى لها مصالح اقليمية ودولية مع كلّ الدول المعنيّة بالملفّ السوري، وتبقى هي صاحبة القرار في كلّ شاردة وواردة على الساحة السورية. ولها تاثير ونفوذ قوي يمكن أن تلعب دوراً هامّاً في التاثير على دمشق. وكانت في آخر لقاء متحمّسة ومندفعة اكثر في لعب دور وساطة بين الإدارة الذاتية ودمشق، وكانت تعطي أهمّية خاصة أكثر من المرّات السابقة، للعب دورٍ ضامن بيننا. ونحن نعتبر هذه المحاولات من قبل الجانب الروسي كاختبار لهم مع الإدارة الذاتية، بعد أن تعرّضت علاقتها معنا لنكسةٍ نتيجة احتلال عفرين.
- هل هناك "رفض" أمريكي لتقدّم المفاوضات بينكم وبين اللحكومة السورية، في ظلّ تصاريح لجيمس جيفري، مبعوث الرئيس الأمريكي لدى التحالف الدولي، طلب فيها من قوّات سوريا الديمقراطيّة "التريّث" في أجراء مفاوضات مع دمشق؟ وكيف تقرأون مثل هكذا تصريح؟
إنّنا مع الحلّ السياسي، وسنطرق جميع الأبواب من أجل الحلّ. والحوار مع دمشق شان سوري داخلي سنعمل على تطويره ونناشد الإدارة الامريكية أيضاً أن تلعب دوراً في هذا الاتّجاه.
كل جهةٍ تحيطها جملة من المصالح، ونحن كإدارة ذاتية أيضاً ايضاً لنا مصالح وطنية عليا، يتطلب منّا أن نمتثل لها ونحقق طموحات شعبنا. كما إنّنا سنبقى داعمين لجهود الحلّ السياسي من قبل جميع الأطراف من أجل تطوير الحوار السوري – السوري.
- الرئيس الأمريكي قال في "تغريدة" أنّه سيقيم منطقة آمنة في شمال سوريا؟ كيف تنظرون إلى المقترح وهل ناقشت واشنطن هذا الأمر معكم عن شكل المنطقة ومن القوى التي ستساهم فيها؟
ما تمّ نقاشه بين الرئيسين الأمريكي والتركي حول إنشاء منطقة آمنة، ما زال يكتنفه الغموض وتلفّه الضبابية، ولا نعلم التفاصيل كونه لم يُناقش معنا حتى اللحظة. ولكن ما يتمّ تداوله من قبل تركيا، نرفضه جملة وتفصيلاً ونعتبره عمليّة احتلالية، إذا كانت المنطقة تلك تحت الإشراف التركي وهو ضرب لهذه المكتسبات والعيش المشترك وضرب للامن والاستقرار في المنطقة، ومحاولة خبيثة لاحتلال مناطق شمال وشرق سوريا بغطاء آخر بعد أن جاهدت كثيراً في شنّ عمليات عسكرية قشلت فيها مراراً وتكراراً.
نقبل منطقة آمنة في حال كانت مرتبطة بقرار دولي، وحينها يمكن أن تنتشر قوّات دولية تحت إشراف الأمم المتّحدة، وفرض حظر جوّي على المنطقة لحمايتها من هجمات الدولة التركيّة ومرتزقتها.
- استهدف انتحاري من تنظيم "داعش" اليوم مدينة منبج ما أدى إلى سقوط عدد كبير من الضحايا، بينهم أربعة جنود أمريكيين. هذا التفجير العنيف يأتي في وقت يتحدث فيه ترامب عن قرب القضاء على "داعش"؟ هل التنظيم فعلاً على وشك الانتهاء وما دلالات هذا التفجير على الصعيدين السياسي والعسكري؟
التفجير الانتحاري في منبج جاء لخدمة عدّة أهداف. أوّلاً خلق ضغط على الجانب الامريكي للاستعجال في الخروج من سوريا، وثانياً رسالة إلى التحالف الدولي مفادها أنّ داعش لم ينتهي ويتطلّب تسليم مهمة القضاء على فلول التنظيم في هذه المنطقة إلى اللاعب الاحتياطي في المباراة وهو تركيا، التي كانت بعيدة حتّى الأن عن جبهات القتال لمحاربة الإرهاب، وحيث ابدت استعدادها في المراحل الأخيرة.
وهذا التفجير تمهيد لطلبها للدخول إلى المنطقة. لكن حسب قراءة موضوعية للمشهد، ستقلب الآية عكساً، وستخلق وضع جديد في إعادة النظر في الحسابات، حيث ستؤدي إلى ابطاء الانسحاب الأمريكي، لأنهم أعلنوا صراحة بأنهم لن يخرجوا حتى إنهاء داعش. والتفجير جليلٌ بأنّ داعش لم ينتهي وينتعش ثانية بعد إعلان قرار الانسحاب، وأيّ انسحاب فوري بعد هذه العملية ستعتبر هزيمة للتحالف الدولي وهذا لا يمكن أن يتم. والجانب الآخر هو صلة تركيا بهذه العملية، والأمر يحتمل الشك بتركيا، من خلال بعض الفصائل المرتبطة بها وتواجد هذه الفصائل في مناطق الاحتلال التركي ولذلك دعك من دخول المنطقة لمحاربة الارهاب وتنفيذ الخطّة المشتركة من قبل تركيا وأمريكا فيما يتعلق بمنبج، وهي ستدفع ثمن هذه العملية الفريدة والجديدة من نوعها وهذا ما يتمّ مناقشته من قبل التحالف الدولي حول كيفية الرد. أي أنّ هذا الأمر سيؤدي إلى خلق معادلة جديدة واتخاذ منحى جديد عملياتياً.
- قالت وزارة الخارجية السورية في وقت سابق أنها تواصلت مع الإدارة الذاتية للوقوف في وجه العدوان التركي المحتمل. هل قدمت دمشق مقترحات أو خطط معينة لصد الهجوم في حال حدوثه؟
نعم، صرّحت دمشق بعض التصريحات الإيجابية فيما يتعلق بالحوار بينها وبين الإدارة الذاتية، وكذلك بخصوص التهديدات التركية وإنشاء المنطقة الآمنة. لكن عمليّاً لم يتطوّر موقف موازٍ لحجم التهديدات، فقط كان هناك تحرّك محدود في منبج ولا تستطيع القيادة في دمشق اتّخاذ قرار دون وضع السياسة الروسيّة بعين الاعتبار.
- في الآونة الأخيرة، تصدّر ملف مناطق قوات سوريا الديمقراطية والتهديدات التركية لاجتياحها أجندة معظم قادة العالم وخرجت دعوات كثيرة لحماية الكرد ومناطقهم من أي عدوان مستقبلي محتمل. كدبلوماسي كيف تقيمون جدية هذه الدعوات لصد أي عدوان تركي أو لتسخيرها في دفع عجلة المفاوضات مع النظام السوري؟
دون شك، لقد تمّ تدويل القضية الكرديّة ومشروع الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا، واكتسبت تعاطفاً دوليّاً كبيراً. وقد يكون هذا الأمر أحد الأسباب التي عرقلت التدخل التركي العسكري المباشر لهذه المناطق، لكن هذه المواقف السياسية والاعلامية غير كافية لدرء خطر الإرهاب والاحتلال التركي. ومطلوب أن ينعكس هذا التعاطف على مراكز القرار والمؤسسات الدولية لإقرار مشاريع وخطط دولية مشرّعة في مجلس الأمن لتوفر أليّاتٍ الحماية الدولية لهذه المناطق. بالإضافة إلى توفير غطاء سياسي شرعي للإدارة الذاتية وضمّ ممثّلين عنها إلى العملية السياسية المرتقبة.