تحليل: هل انزعج أردوغان من جولة الرئيس المصري في رومانيا وبيلاروسيا؟
فتحت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى كل من بيلاروسيا ورومانيا العديد من التساؤلات حول موقف تركيا من هذه الزيارة.
فتحت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى كل من بيلاروسيا ورومانيا العديد من التساؤلات حول موقف تركيا من هذه الزيارة.
رغم العزلة الإقليمية والدولية التي تعيشها تركيا خلال السنوات الأخيرة نتيجة للسياسة الخارجية التي وصفت دوما "بالمرتبكة" وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وفي العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة، فإن دول البلقان ظلت تحتفظ بعلاقات متنامية مع تركيا التي سعت للتسلل إلى هذه البلدان خلال عهد أردوغان من منطلق الروابط التاريخية والجيوسياسية والإثنية والدينية، وذلك لتحقيق مصفوفة من المصالح وعلى رأسها تأمين جوارها أو ما تطلق عليه "فنائها الخلفي" وتعزيز نفوذها في تلك المنطقة التي تعتبرها تركيا "فريسة سهلة" لإحياء "الأمجاد العثمانية" واستغلال عضوية بعض تلك الدول مثل رومانيا في الاتحاد الأوروبي فضلا عن كونها ممرا هاما لخطوط الغاز التي تسعى أنقرة للسيطرة عليها.
قام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بزيارة غير مسبوقة إلى كل من رومانيا وبيلاروسيا الدولتان الواقعتان في شرق أوروبا، وجاءت الزيارتين بجدول أعمال ضخم استهدف تنشيط كافة مجالات التعاون بداية من المستوى الاستراتيجي والعسكري وخاصة ما يتعلق بالتصنيع العسكري، ووصولاً إلى جذب الاستثمار والسياحة وتعزيز التعاون في المجالات الثقافية والعلمية، وشهدت الزيارات المختلفة التي قام بها الرئيس المصري والوفد المرافق له لعديد من المؤسسات في البلدين حفاوة استقبال ليس فقط على المستوى الرسمي، بل أيضا شملت تلك الحفاوة مبادرة جامعة بوخارست للدراسات الاقتصادية، إحدى أهم المؤسسات التعليمية في رومانيا، التي منحت درجة الدكتوراه الفخرية للرئيس المصري خلال زيارته.
وتعتبر أنقرة أن دول البلقان يجب أن تكون منطقة نفوذ تقليدي لها، وهو ما عكسته تحركات تركيا في السنوات الأخيرة بحثاً عن إحياء ماضيها العثماني من خلال علاقات أردوغان بالأقليات "العثمانية" في دول المنطقة، وذلك من خلال نشاط مكثف لوكالة التنمية الدولية التركية "تيكا" والاستثمارات المباشرة وعمل الهيئات الدينية التي تقوم كل فترة بافتتاح المساجد وربط الجاليات المسلمة والسياسيين المطيعين بهذه الدول بالنظام التركي، تحت ستار التعاون الثقافي والإنساني.
وتقول وزارة الخارجية التركية على موقعها، إن "منطقة البلقان التي تشكل من الناحية الجغرافية امتداداً لتركيا في القارة الأوروبية تكتسب أهمية كبيرة بالنسبة لتركيا بسبب موقعها الخاص في العملية التاريخية لتكوين الأمة التركية، والتكامل الإقليمي، وفي سياق القدرات التي تملكها والتي ستنعكس مستقبلا على الهدف التركي في الانضمام إلى الاتحاد الأوربي والذي تتشاطره تركيا مع كافة دول المنطقة."
وفي مقال له بموقع "ميدل إيست أونلاين": قال الدكتور ألون بن مائير في مقال مشترك مع أربانا إكسهارا، أنه "يجب على دول البلقان أن تدرك أن آفاقها في النمو الإقتصادي والإزدهار والحرية والديمقراطية المستدامة تعتمد على الإرتباط الوثيق مع الإتحاد الأوروبي، وليس مع ديكتاتور لا يرحم يدعي أنه المنقذ لمنطقة البلقان".
وتابع: "يجب على دول البلقان، وخاصة ألبانيا، المرشحة بشكل ٍ مباشر للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي، قياس علاقاتها مع تركيا بعناية."
ويعترف رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داوود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي"، على أن تأثير تركيا السياسي في البلقان على المجموعات المسلمة التي خلفتها الدولة العثمانية.
وأضاف "وقد أخطأت السياسات السابقة التي نظرت إلى هذه المجموعات على أنها عبء على السياسة الخارجية، وحاولت تهجير هذه العناصر من منطقة البلقان إلى تركيا".
واستطرد: "يتمثل هدف السياسة الخارجية التركية على المدى القريب والمتوسط في تحقيق أمرين اثنين: الأول هو دعم الاستقرار في البوسنة وألبانيا، والثاني هو تشكيل أرضية قانونية توفر للأقليات الإثنية في المنطقة مظلة أمنية. ويجب على تركيا أن تبدي اهتماما دائما بالحصول على ضمانات تكسبها حق التدخل في المسائل المتعلقة بالأقليات المسلمة في البلقان، ومن الأمثلة اللافتة للنظر في هذا المجال التدخل التركي في قبرص، الذي تمت تغطيته بإطار قانوني".
ويواصل أوغلو الذي يمثل مُنظر السياسة الخارجية لنظام حزب العدالة والتنمية، في كتابه شرح مدى حساسية بلاده من تدخل أي قوى أخرى في منطقة البلقان التي يكاد يعلنها ملكية خاصة لبلاده، وساحة نفوذ تقليدية لأيديولوجية العدالة والتنمية، وقد أكد هذه الحساسية إزاء كل من روسيا واليونان والاتحاد الأوروبي، ولكنها حساسية تشمل كل دولة تحاول التحرك في هذه المنطقة، وقد أكد أردوغان هذا المعنى عندما ألمح إلى وجود دول غير مرتاحة لتطور علاقات بلاده بدول البلقان على الرغم من عدم امتلاكها حدود مشتركة مع تلك المنطقة.
ولا يفوت الرئيس التركي مناسبة للهجوم على نظيره المصري أو على حلفاءه وخاصة في منطقة الخليج وشرق المتوسط، حيث جاءت الزيارات التي اختتمها الرئيس المصري لرومانيا التي تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، وبيلاروسيا التي طورت علاقاتها بتركيا خلال السنوات الاخيرة، لتمثل هاجسا للرئيس التركي الذي واصل هجومه على مصر وقيادتها مستغلا وفاة الرئيس المصري الأسبق المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي، من أجل تشويه صورة مصر، بترويج مزاعم "قتله" رغم أن الرئيس الأسبق قضى خلال محاكمته قضائيا في جلسة معلنة، وتمثل هذه هي المرة الثالثة التي يخرج فيها أردوغان للهجوم على القيادة المصرية خلال أي تحرك من القاهرة لتعزيز علاقاتها بالدول الأوروبية، حيث بات قادة أوروبا يصفون مصر بالشريك الأول لأوروبا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الوقت الذي أجمعوا فيه مؤخرا على توجيه التهديدات لتركيا لقيامها بالتنقيب غير الشرعي عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، وقد سبق أن هاجم أردوغان القادة العرب والأوروبيين خلال اجتماع قمتهم الأولى التي استضافتها مدينة شرم الشيخ المصرية. وقد سيطرت مباحثات التعاون في مجال مكافحة الارهاب ومواجهة الفكر المتطرف على الجولة الرئاسية المصرية التي أهتمت أيضا بتشجيع التعاون الاقتصادي والاستثماري والتصنيع العسكري فضلا عن جذب السياحة، وقد أستأنفت مصر هذا الشهر خط طيران مباشر بينها وبين صربيا بعد توقفه نحوة 13 عام وذلك لاستهداف جذب السياحة من البلقان، وهي سوق تقليدية للسياحة التركية.