كثيرا ما بثت وسائل الاعلام الإيرانية وتلك التابعة لحزب الله وجماعة الحوثي العديد من التقارير الإعلامية الزائفة حول تعرض السعودية والإمارات دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن لهجمات مزعومة خلال السنوات الماضية، إلا أن تلك السقطات المهنية التي يمكن تصنيفها في خانة "الحرب النفسية" كثيرا ما دلّت على مسؤولية الجهات التي تقف خلف هذه الوسائل "الإعلامية" وتورطها في عدد لا بأس به من الهجمات التي حاول النظام الإيراني وحلفاءه التنصل منها.
وذكر تقرير لصحيفة "الديلي ميل" البريطانية أن وسائل الإعلام الإيرانية واللبنانية المؤيدة لإيران قد سارعت للحديث عن تفجيرات غامضة، وقال التقرير أنه "(في الوقت الذي) رفض فيه المسؤولون الخليجيون تحديد الجهة التي يشتبه في أنها مسؤول، كان الحادث قد وقع بعد أن أعلنت قناة فضائية مؤيدة لإيران في لبنان ووسائل الإعلام الإيرانية (الحادث)، وقد زعمت زوراً أن ميناء الفجيرة قد تعرض لتفجيرات غامضة".
وأثارت طريقة تناول حادث الفجيرة في الإعلام الإيراني والمؤيد لإيران، العديد من وسائل الإعلام العالمية التي أدهشها اعلان الاعلام الإيراني عن أحداث وتفجيرات في ميناء مدينة الفجيرة الإماراتية الهادئة، لتثور الشكوك حول علم تلك الوسائل الاعلامية ومشغليها بشكل مسبق بما سيقع من أحداث لاحقة. وفي هذا السياق، فندت إذاعة "صوت أميركا" الناطقة بالفارسية نشر وسائل الإعلام الإيرانية صورا ومقاطع مصورة "مفبركة" للإيحاء بوقوع حادث تفجير ضخم في ميناء الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وأوضحت "فويس أو أميركا" أن وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، والإذاعة والتلفزيون "صدا وسيما"، فضائية "الميادين" وغيرها من وسائل الاعلام التابعة لحزب الله اللبناني وجماعة الحوثيين اليمينة، قد نشرت صورا لحادثة حريق تعرضت لها ناقلة نفط عام 2009 في الخليج العربي، زاعمة أن "انفجارات قوية هزت ميناء الفجيرة الإماراتي"، حيث أشارت إلى أن 7 ناقلات نفط تعرضت لهذه الانفجارات.
وسارع المكتب الإعلامي لحكومة الفجيرة إلى نفي صحة "التقارير الإعلامية التي تتحدث عن انفجارات قوية هزت ميناء الفجيرة الإماراتي" فجر يوم الأحد، وأكد أن حركة العمل في الميناء تجري وفق المعتاد، داعيا وسائل الإعلام إلى تحري الدقة والاعتماد على المصادر الرسمية.
ورغم دحض الرواية الإيرانية الجاهزة مسبقا عن الاحداث التي تعرضت لها ناقلتي النفط السعوديتين من عمليات تخريب قبالة ميناء الفجيرة، والذي لم ينف علم هذه المنصات الإعلامية بشكل مسبق بما جرى أو سيجري لاحقا في الميناء، فقد التقطت وسائل اعلام مؤيدة لإيران هذا الخط وزعمت لاحقا وجود روايات متعددة لما جرى ووصف الأنباء عن الحادث بـ"الغامضة" و"المتضاربة" لتنفي عن نفسها التورط في تداول أخبار كاذبة أو الاعتراف الضمني بالمسؤولية عن حادث قبل وقوعه، على الرغم من نشر العديد من الصور والمقاطع التي تظهر تعرض الناقلات السعودية لعملية تخريب متعمدة نتج عنها اضرار جسيمة.
وقال وزير الطاقة السعودية خالد الفالح إن ناقلتي نفط سعوديتين تعرضتا لعمل تخريبي وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي في المياه الاقتصادية لدولة الإمارات قرب إمارة الفجيرة، في وقت كانت إحداهما في طريقها للتحميل بالنفط السعودي من ميناء رأس تنورة.
ونشر مركز "المزماة" تقرير تضمن تحليل مضمون للتناول الإعلامي لحادث الفجيرة، رصد فيه التهديدات السابقة التي صدرت عن مسؤولين إيرانيين سياسيين وعسكريين حول قدرة إيران على استهداف خطوط النقل البحري وتهديد عملية إمداد النفط العالمي في مضيق هرمز وبحر عمان وباب المندب.
وفي هذا الصدد هدد به المرشد الإيراني علي خامنئي الشهر الماضي قائلا أن ما وصفه بـ"عداء وتآمر أميركا في قضية النفط لن تبقى دون رد"، كما هدد وزير الخارجية الإيراني السابق "منوجهر متكي" دولة الإمارات، معتبرا أن ما وصفه بـ"المشاركة في لعبة ترامب الخطيرة، ستؤدي إلى تصفير صادرات الإمارات النفطية"، وكذا تهديد علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني الشهر الماضي بالرد على "سياسات السعودية والإمارات الداعمة للعقوبات الأميركية على النفط الإيراني"، ولفت التقرير إلى عناوين الصحف الإيرانية خلال الشهر الماضي، التي دعت إلى تهديد أمن واستقرار المنطقة إذا منعت الولايات المتحدة تصدير النفط الإيراني. ففي هذا الصدد، نشرت صحيفة "آرمان امروز" في 23 أبريل الماضي ودعت فيه السلطات الإيرانية إلى ضرورة توجيه رد حاسم للإمارات والسعودية بخصوص إعلان مسؤوليتها عن تغطية أي عجز في الصادرات النفطية بعد قرار واشنطن عدم تمديد فترة الإعفاء للدول الثمان المستوردة للنفط من إيران.
لم يتوقف الإعلام الإيراني عند "السبق" بتغطية أحداث الفجيرة، ليكون مجددا أول من يبث مقاطع مصورة للهجوم الذي شنته ميليشيا الحوثيين اليمنية على محطتي ضخ النفط في الدوادمي وعفيف بالعاصمة السعودية الرياض، وبثت وكالة "تسنيم" الإيرانية مقطعا مصور، وأعادت قناة العالم الإيرانية بثه في تقرير تلفزيوني، ليتم لاحقا تداوله على نطاق واسع على صفحات وحسابات مواقع التواصل الاجتماعي المؤيدة لإيران، وذلك في الوقت الذي أعلنت فيه قناة "المسيرة" التابعة لجماعة الحوثي إن الجماعة نفذت هجمات بطائرات مسيرة على منشآت حيوية سعودية.
وقبل اتهامها رسميا، ورغم كونها أول من أعلن عن "الأحداث"، أعلنت طهران يوم الاثنين "تورط دول ثالثة في تفجيرات ميناء الفجيرة لزعزعة الأمن في المنطقة"، وذلك حسبما أعلن رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشوري الإسلامي حشمت الله فلاحت بيشة، وردد المسؤول الإيراني ما استخلصته وسائل الاعلام الإيرانية حول أن الحادث ناتج عن "ضعف أمني"، حيث قال في تصريحاته التي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن "التفجيرات" تثبت هشاشة الوضع الأمني جنوب الخليج العربي. وفور إعلان وسائل الإعلام الإيرانية عن التفجيرات المزعومة، كتب فلاحت بيشة تغريدة، فجر يوم الأحد، وصف فيها "انفجارات ميناء الفجيرة الإماراتي"، على حد قوله، بأنها تثبت ان "أمن جنوب الخليج الفارسي هش كالزجاج"، داعيا إلى كشف ملابسات الحادث، في محاولة لنفي التهمة عن بلاده.
وهكذا، استمر الإعلام الإيراني في الاعتراف بالمسؤولية عن العديد من الأحداث التي حاول النظام التنصل منها، ففي الوقت الذي ثارت فيه ضجة حول منشور للسفارة الأميركية في بغداد الذي قدّر ثروة المرشد الإيراني علي خامنئي بقيمة 200 مليار دولار، مما دفع طهران وبغداد إلى الاحتجاج، في الوقت الذي طالبت فيه وزارة الخارجية العراقية السفارة بحذف المنشور، فإن قناة "الكوثر" المؤيدة لإيران قد اعترفت بتضخم ثروة المرشد، حيث تحدث برنامج حواري استضاف النائب عن حزب الله اللبناني الدكتور عبدو اللقيس، قائلا: "إن ثروة السيد القائد تزيد عن 90 مليار دولار، وتأتي من أموال الخمس وغيرها".
والعام الماضي، وفي تعليق على المظاهرات التي اجتاحت إيران احتجاجا على الأوضاع المعيشية، اعترف الرئيس الإيراني حسن روحاني أن التلفزيون الرسمي لا يمثل المواطنين ولا يعكس الواقع، وما هو إلا أداة بيد مجموعة سياسية، وانتقد الرئيس الإيراني، التلفزيون الرسمي مطالبا بأن يكون مرآة للشعب وليس لمجموعة سياسية محددة.