تحدث الباحث في الشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية "كرم سعيد" لوكالة فرات للأنباء (ANF)، عن أسباب تقديم أردوغان لموعد الانتخابات الرئاسية وحظوظ المعارضة في هز عرشه، ورؤيته لترشح "صلاح الدين دميرتاش"،المرشّح الرئاسي عن حزب الشعوب الديمقراطي، رغم تضييق الخناق عليه من قبل النظام التركي.
كما وتطرق سعيد إلى تآكل شعبية أردوغان بسبب الأزمات الاقتصادية التي تعصف بتركيا، شارحاً أسباب تلك الأزمات، إضافة إلى حديثه عن الاحتلال التركي لمدينة عفرين، موضحاً الموقف الروسي والأمريكي منه، إضافة إلي ترتيبات منبج والهدف منها.
وفيما يلي نص الحوار:
تقديم موعد الانتخابات
في البداية أكّد سعيد أن الانتخابات الرئاسية التركية هذه المرة استثنائية ولها خصوصية مميزة بالنظر إلي عدة اعتبارات؛ أولها أنه جرى تقديمها تسعة عشر شهراً، حيث كان من المفترض أن تُجرى في نوفمبر عام 2019، وذلك بسبب تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية وحالة التراجع التي تشهدها تركيا، فداخلياً هناك نوع من الاستقطاب السياسي الذي لا تخطئه عين، وخارجياً ضعفت المناعة لتركيا وهناك حالة من التوتر بينها وبين قطاع واسع من القوى الدولية.
وأضاف سعيد أن "الأمر الثاني الذي يجعل من الانتخابات استثنائية أنها تجرى وسط قانون الطوارئ الذي تم الدفع به منذ الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 وما زال سارياً حتى الآن، أما الخصوصية الثالثة للانتخابات فتتمثل في بلورة تيار معارض أقوى وأكثر وضوحاً عما كان ذي قبل، فلأول مرة تتوحد المعارضة بقائمة موحدة في الانتخابات البرلمانية".
وتابع سعيد: "هذه الانتخابات تأتي أيضا في ظروف إقليمية مختلفة، تتمثل في حالة من القطيعة بين تركيا وقطاع واسع من الدول العربية وصل إلى حد الاتهام المباشر للسعودية والإمارات بالتلاعب في الاقتصاد التركي، إضافة إلي الانخراط العسكري التركي في سوريا والذي لم يسعفها حتى الآن بشكل واضح في تحقيق أهدافها، علاوة على تغيير تركيا لسياستها تجاه الأزمة السورية بإنهاء سياسة الباب المفتوح لاستقبال السوريين، وأقامت الحواجز لمنع تدفق اللاجئين السوريين على أراضيها، وأصبحت أكثر قرباً لمحور إيران وروسيا، كل هذه الظروف تعطي تلك الانتخابات استثنائية خاصة".
المعارضة قادرة على هز عرش أردوغان
ويرى سعيد، أن للمعارضة التركية إستراتيجية قائمة على تشتيت الأصوات في الجولة الأولى لمنع أردوغان من حسم الانتخابات مبكراً، وبالتالي تستطيع أن تكون رقماً قوياً في الانتخابات وربما تستطيع أن تهز عرش أردوغان، إذا تجمعت في الجولة الثانية ووقفت خلف مرشح واحد يستطيع أن يخوض المعركة الثانية مع أردوغان.
وأكد سعيد أنه حتى في حالة خسارة المعارضة؛ ستكون استطاعت أن تحصل على كم من الأصوات لمرشحها في الجولة الثانية، ومنعت أردوغان من الحصول على نسبة الأصوات التي يتوقعها، والمتمثلة في 60% أو أكثر، ليحصل على 50% زائد واحد، مضيفا: "تلك النسبة ستعيد صياغة الأمور في الداخل التركي، وستصبح المعارضة أكثر ثقة في نفسها، وأكثر ثقلاً في الشارع السياسي، وسيفقد حزب العدالة والتنمية ورئيسة أردوغان جزء كبير من رصيده الشعبي والجماهيري، وفي هذه الحالة ستكون خسارة المعارضة بطعم الفوز وفوز لأردوغان بطعم الخسارة ، وكلاهما سيكون أمام تحديات أكبر وعراقيل استثنائية خاصة لدى حزب العدالة والتنمية".
تحقيق قضائي عادل لـ "ديمرتاش"
وأوضح سعيد أن هناك مواقف دولية منددة بالعملية الانتخابية من بينها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، رفضاً لتبكير موعد الانتخابات وإجراءها تحت قانون الطوارئ، ووسط سيطرة أمنية ولحزب العدالة والتنمية على كل مؤسسات ومقدرات الدولة التركية.
وتابع: "هذا إضافة إلي التضييق على صلاح الدين ديمرتاش بمنعه من تقديم أوراقة بشكل أكثر حرية، أو حتى بإحالته إلي القضاء ليتم حسم أمره بشكل طبيعي، وليس بالإصرار على احتجازه وتوجيه تهم بالجملة له، وهي تهم لابد أن تكون محل تحقيق قضائي عادل وهو ما لم يتم حتى الآن".
وأكد أن هذا المشهد أدى إلي زيادة البيئة السلبية للانتخابات، فهو مرشح لم تثبت التهم عليه، حتى الآن، والدليل على ذلك أنه تم قبول أوراق ترشحه.
الصوت الكردي سيحسم الانتخابات
وأكد سعيد أن هناك بعض الأحزاب السياسية في المعارضة التركية لديها مواقف سلبية من قضية الكرد، بما فيهم حزب الخير، حزب أميرال أكشنار، والذي رفض عملية السلام التي خاضها حزب العدالة والتنمية مع حزب العمال الكردستاني في عام 2012 قبل أن تعاد أصوات المدافع إلي صدارة المشهد في عام 2015.
وأوضح أن الأزمة هنا أن الأحزاب التركية بمجملها تتعامل بشكل سلبي مع القضية الكردية، بما فيهم أردوغان نفسه الذي يتلاعب بالقضية الكردية، حيث طرح قبل أيام فكرة تسوية سياسية للأزمة بعد الانتخابات الرئاسية؛ لكن دفع صلاح الدين ديمرتاش بأوراقه الانتخابية، رغم إدراكه بأنه لن يخوضها بشكل طبيعي في ظل قانون الطوارئ وأنه لن تكون لديه حريات لأن يكون منافساً ونداً قوياً للمنافسين، من منطلق الحضور الرمزي والمعنوي للقضية الكردية في قلب المشهد التركي.
وشدَّدَ الباحث المصري على أن الصوت الكردي سيكون عاملاً حاسماً لمن يفوز بالمقعد الرئاسي، فـ 18% من الأصوات الانتخابية بيد الكرد إذا قررت الذهاب لمرشح بعينه ستكون فرصة قوية لإنجاز المهمة الرئاسية .
الاقتصاد يحدد واجهة الناخبين
وأضاف سعيد "تاريخيً يعتبر الاقتصادي المحدد الأهم لذهاب الأتراك إلي صناديق الاقتراع، فالناخب التركي ينظر إلي جيبه، وهو النقطة المفصلية في التصويت لأي من الأحزاب المتنافسة، فجزء كبير من القوى والأحزاب مختلفين سياسيًا وعقائديًا مع أردوغان ولكنه في النهاية يذهب للتصويت لصالح العدالة والتنمية لأن أعينهم على الاقتصاد وليست على الأيدلوجية أو قضايا سياسية حساسة من بينها القضية الكردية".
وتابع: "لكن المشهد مختلف هذه المرة؛ حيث ظهرت في التصويت على التعديلات الدستورية التي جرت في أبريل 2017 والتي حولت البلاد إلي النظام الرئاسي وألغت النظام البرلماني تم انجازها بخمسين ونصف في المائة بالكاد، رغم تصريحات أردوغان وقيادات بحزب العدالة والتنمية أنه سيتم تمرير التعديلات بأكثر من 70% من الأصوات".
وأشار إلى أن ما جرى في التصويت على التعديلات كان بسبب محورين؛ الأول الاقتصاد والذي يشهد نوع من التباطؤ الواضح والذي بدأ منذ فترة. والثاني هو انخراط تركيا بشكل غير إيجابي في مجمل القضايا العربية.
ولفت إلى أن تركيا كان موقفها في الأزمة السورية معادياً من بشار الأسد وطالبت بإسقاطه ثم ما لبثت أن تراجعت وأصبحت أكثر انحيازاً لمحور روسيا إيران، إضافة إلي القطيعة مع القاهرة والتوتر في العلاقات مع الدول الخليجية بعد اصطفاف تركيا مع قطر في الأزمة الخليجية، علاوة على إلغاء الأردن لاتفاقية التجارة الحرة مع تركيا".
وأوضح: "كل ما سبق يمثل نقاط ضعف للرئيس التركي، خاصة الجانب الاقتصادي بعد أن فقدت تركيا السوق العربي، إضافة إلي تعرض الميزانية التركية إلي ضربات موجعة بفعل الانخراط التركي بشكل عسكري في الأزمة السورية وعفرين ومن قبلها عملية درع الفرات في أغسطس 2016 كل هذه العمليات تكلفت مبالغ مالية رهيبة في وقت يعاني فيه الاقتصاد التركي تراجع".
ولفت إلى أن هذا يأتي إضافة إلي توتر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، ومن المعروف أن 60 % من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في تركيا هي استثمارات أوروبية، والنصيب الأكبر منها لهولندا والتي دخلت تركيا معها في مناوشات وصلت لحد القطيعة وسحب السفراء إضافة إلي ألمانيا وتجميد بعض الاستثمارات الأوروبية ردًا على سياسات أردوغان سواء فيما يتعلق بقانون الطوارئ وحقوق الإنسان وإدارته للمشهد السياسي في الداخل وتدخله في الأزمة بسوريا، كل ما سبق أدى إلي تجميد الاستثمارات الأوروبية في تركيا.
وأوضح سعيد، أن ما يُطرح الآن في تركيا عن فكرة مؤامرة تستهدف الاقتصاد التركي وإلقاء اللوم بشكل واضح على بعض الدول العربية وتحديداً الإمارات والسعودية، هو مجرد كلام فارغ ولا أساس له من الصحة وأنما هو محاولة لتصدير فكرة المؤامرة وحشد الناخبين لمصلحة حزب العدالة والتنمية وجذب كتل انتخابية أكبر تعوض التآكل الواضح في رصيد الحزب.
الاحتلال التركي لعفرين
وأكد سعيد، أن الاحتلال التركي لعفرين ما كان ليتم دون تنسيق مع روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، لافتاً إلي تنسيق مماثل في عملية درع الفرات وفي عملية غصن الزيتون حيث سحبت روسيا مستشارين لها في منطقة عفرين .
وشدد على أن الولايات المتحدة الأمريكية أعطت الضوء الأخضر لتركيا، والدليل على ذلك الترتيبات التي تجرى الآن بشأن مدينة منبج والتراجع الواضح في الموقف الأمريكي فيما يخص الانتقادات "إس 400" والحديث عن إمكانية توريد طائرات أف 35 لتركيا من جديد، وتأجيل عقوبات كان من المفترض تمريرها في الكونجرس على بعض البنوك التركية المتهمة بالتحايل وخرق العقوبات على إيران، ثم تأييد ترامب لأردوغان ودعمه بشكل واضح في المنافسة الانتخابية، بإعلانه تمنيه فوز أردوغان.
التغيرات الديموغرافية في عفرين
وأكد سعيد أن مكمن الخطورة الآن يكمن في التغيرات الديموغرافية الجارية في منطقة عفرين، بتهجير سكانها الأصليين من الكرد، العسكرية، فالمسألة باتت أبعد من ذلك، وما يحدث من عملية تغيير ديموغرافي كبير في المناطق الكردية وتحديداً عفرين باستقدام سكان عرب حتى لا تكون الأغلبية للكرد وإنما يصبح هناك طغيان للسكان العرب على الكرد وهي أزمة كبيرة جداً ستعقد الأزمة ولن تحلها وستزيد المشهد السوري لهيباً ولن تطفئه، ففكرة إقصاء السكان الأصليين عن منازلهم وتاريخهم وحياتهم واستبدالهم بسكان آخرين أمر خطير يفاقم الأزمة السورية.
ترتيبات منبج
وأضاف سعيد أن الهدف من ترتيبات منبج ومن قبلها التدخل التركي في سوريا هو منع إقامة كيان كردي مستقل أو كيان كردي فيدرالي داخل سوريا فيدرالية؛ فتركيا تعتبر أن تصاعد الطموحات الكردية في سوريا سينعكس بشكل سلبي عليها فيما يخص الكرد المقيمين شرق تركيا، وبالتالي دخول تركيا عسكرياً في عفرين أو الباب أو المناطق الحدودية بين تركيا وسوريا الهدف منه وأد طموحات الكرد ونفوذهم أياً كان طبيعته سواء دولة أو فيدرالية والهدف الثاني أن يكون لها موطئ قدم في الترتيبات السياسية التي تجرى الآن لتسوية الأزمة السورية.