وكشف عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية الذي يمثل أحد مراكز التفكير الأكاديمية والبحثية للدبلوماسية المصرية، في حوار خاص لوكالة فرات للأنباء ANF عن اعتقاده بأن مشروع أردوغان لم ينتهي بعد فيما يتعلق بإحياء العثمانية عبر الاعتماد على "الاخوان الارهابيين"، بل زاد عليه حاليا التمويل القطري السخي بصورة أكبر بكثير مما كانت عليه.
- ما تقييمكم للأوضاع في شمال وشرق سوريا بعد قرار الرئيس ترامب الاخير الذي زعم انه انسحابا من سوريا؟
القرار الأمريكي بالانسحاب هناك عدة ملاحظات عليه الملاحظة الاولي ان ترامب حاول ان يؤكد أو ينفذ برنامجه الانتخابي والذي اكد في محوره انه سيستعيد كل جنوده الموجودين بالخارج سواء في سوريا والعراق او في افغانستان، ويحاول تطبيقه، ولكن بعد ان اتخذ القرار اعترض "البنتاغون" علي اعتبار ان هذا سوف يخل بالمكاسب التي حققتها أمريكا في سوريا وسيسمح بتمدد النفوذ الروسي عبر التنسيق مع الحكومة السورية والحكم السوري، وبالتالي بدأت عملية إعادة صياغة القرار ان ينفذ ولكن علي مراحل طويلة، وان يتم تمركز امريكي في قاعدة "التنف" علي مثلث الحدود السورية الاردنية العراقية، علي اعتبار انه اذا كان الهدف من سياسية امريكا في المنطقة هي مواجهة ايران في ان تواجد القاعدة في المنطقة في محورها، حوالي 55 كيلو في المنطقة ستكون حائلًا بين او قاطعًا للطريق البري بين ايران مرورها بالعراق حتى سوريا والذهاب إلي لبنان، ويصبح يتفق مع الهدف الأمريكي في النهاية، واعتقد انه بدأت أمريكا تركز علي ذلك.
والقرار الأمريكي أيضا كان سيترك الكرد بلا غطاء في مواجهة تركيا، وفيما يتعلق بالكرد يتم حاليا دراسة موقف يسمح بالانسحاب الامريكي ويكفل نوعا من الحماية للكرد بمعني ان تكون هناك منطقة فاصلة ما بين التمدد التركي، وتمركز القوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، التي تعتبرها تركيا تابعة لحزب العمال الكردستاني، ومن الافكار المطروحة في هذا الشأن ان تكون هناك قوات كردية تابعة لبيشمركة العراق تفصل بين الطرفين وتحقق هدف الأمان لتركيا وتحول دون اجتياح تركيا للمنطقة حتي شرق الفرات.
وايضًا الانسحاب الأمريكي بدأ يركز علي وجود في العراق ليكون بديلًا للوجود في سوريا، وبدأت أضافة قواعد جديدة في العراق إلي جانب قاعدتي بلد وقاعدة في الشمال كردستان بالقرب من منطقة اربيل (هولير)، وبدأت اقامة قواعد صغيرة ايضا، تحت دعوي مراقبة إيران ومواجهتها واعتقد هناك تصريحات صحفية علي مدار اليومين السابقين بانه لم يجري تفاوض معهم لمراقبة إيران عبر اراضيهم وانهم لن يسمحوا بذلك، والمؤكد ان سيكون هناك حضورًا عسكريًا أمريكًا أكبر خلال الفترة القادمة في العراق يعوض الوجود في سوريا، ليكون الموقف العسكري كما هو ويكون تم تحقيق القرار بالانسحاب دون ان ينعكس سلبيًا علي الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة هذا فيما يتعلق بالانسحاب، لكن في شمال وشرق سوريا تشهد تطورات اخري وإعادة هيكلة، وهناك التمدد التركي ورغبة تركيا في ان تكون هناك منطقة عازلة وهذه الفكرة طرحتها منذ بداية الصراع في سوريا، وهذه تكون بعرض 20 كيلو متر، من وجهة نظرها هي منطقة تتمركز فيها قواتها العسكرية وتسيطر عليها، والغريب انها لن تكتفي بذلك فقط ولكنها سوف تغير البنية الأساسية السياسية والثقافية والاجتماعية في تلك المنطقة، وفي منطقة عفرين بمحافظة حلب في سوريا، والقري المجاورة لها علي سبيل المثال، بدأت تعطي هوايات تركية وتستخدم اللغة التركية في المدراس وتعيد حلم اردوغان في تابعية تلك المناطق للدولة التركية، وهي التمدد للاستيلاء عليها كما استولت علي "أسكندرون" قبل ذلك.
ويجري التفاوض في سوتشي خلال الفترة الاخيرة بينها وبين روسيا وايران حول المسئولية التي كانت اضطلعت بها تركية للقيام بعملية وقف تدفق القوات في محافظة إدلب والانسحاب 20 كيلو متر من منطقة التماس مع القوات السورية في المحافظات المجاورة، ولكنها لم تنسحب ولكن تمددت أكثر وبدأت تنتقل من إدلب إلي شمال حلب ومنطقة حماة و أصبح متعيناً علي تركيا أن تضطلع بمسئوليتها وهو ما تحدث عنه مسؤولين روس بهذا الخصوص، وتقوم بتوجيه ضربة إلي تنظيم النصرة "القاعدة" المصنف إرهابيًا من الأمم المتحدة وينسحب 20 كيلو، في مقابل ان يكون هناك تفاهمات ما بين تركيا وروسيا في التعامل مع الكرد.
- ما هو مستقبل التحرك العربي لمواجهة التدخلات التركية والايرانية بعد اجتماع وزراء خارجية 6 دول عربية في منطقة البحر الميت بالأردن (مصر والسعودية والامارات والبحرين والكويت والاردن)؟
لا اتعقد ان القضية تهم وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا حيث لم يصدر أي بيان او أي تحرك عربي ضد السياسة التركية، ولم يدعي لاجتماع عاجل من الجامعة العربية للنظر حول استيلاء وتحرك تركيا لاحتلال مناطق في سوريا، سوريا اشبه بوليمة علي مائدة اللئام، ولا تجد من يدافع عنها، والتمدد التركي في سوريا سينعكس علي نفوذ تركي في الشرق الأوسط وهو ما يؤدي بصورة أو بآخري علي تراجع الدور الإقليمي للدول العربية، لا اعتقد ان هناك اهتمامًا عربيًا يرقي لمواجهة احتلال إحدى القوي الإقليمية التي تريد ان تسيطر علي الشرق الأوسط والمنطقة العربية بالكامل.
- كيف ترى المفاوضات الجارية بين الحكومة السورية في دمشق ومجلس سوريا الديمقراطية حاليا لعودة السيادة السورية لتلك المناطق لمواجهة الاطماع التركية فضلا عن الاحتفاظ لسكان تلك المناطق بإدارة شؤونهم؟ -
كان هناك حديث عن ذلك ولم يكن هناك خلاف علي مدي سنوات طويلة منذ عام 2012 حتي السنوات الأخيرة ما بين قوات الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي بالدرجة الأولي و بين الحكومة السورية وكان هناك نوع من التعايش بينهم، وكانت تجري مفاوضات لإقامة حكم ذاتي للكرد، لكن في فترة ما الكرد ذهبوا بعيدًا تحت ضغط أمريكي وبدأوا يتحدثون عن اقليم مستقل ويجرون انتخابات محليات لإقامة ذلك، والتحالف الذي كان بين الأمريكان والكرد في مواجهة تنظيم داعش، انعكس سلبيًا علي العلاقة بين الكرد والنظام السوري، وعندما اعلنوا الامريكان انسحابهم بدأ الكرد يعودون مرة آخري ويطالبون بدخول الجيش السوري في المناطق التي انسحبت منها الجيش الأمريكي، لتكون فاصل بينهم وبين تركيا.
- ما هي محددات وملامح الموقف المصري فيما يجري في سوريا حاليا من مساع للتسوية في مقابل عقبات تضعها القوى الاقليمية التي لا تريد الخروج من المشهد صفر اليدين؟
الموقف المصري محدد وواضح منذ البداية وهو تأييد محاربة التنظيمات الإرهابية في سوريا والحفاظ علي الدولة السوريا وعدم تقسيمها وخروج القوي الاقليمية التي تسعي لتمديد النفوذ هناك، هذا هو الإطار العام للموقف المصري، وهناك رؤية لوضع قوات عربية مشتركة، ليكن هناك حدود عربي سوري، لتكون بديلًا وفاصلًا بين القوات التركية ولا تحتاج إلي دخول القوات السورية، في المنطقة الفاصلة بين الطرفين، ولكن يبقي الطلب المصري بأن يكون هناك تحركًا علي المستوي السياسي فيما يتعلق الدولي، اذا كان الحل العسكري ثبت فشله.
لا يوجد موقف عربي ولا كردي موحد ليتم تحالف مشترك
- هل تعتقد أنه من الضروري التحالف بين العرب والكرد من أجل مواجهة الاطماع التركية والإيرانيّة؟
التحالفات مرتبطة بأن يكون هناك موقفًا كرديًا واضحًا لان حتي في دخول الأتراك إلي عفرين كان هناك قوات كردية وتنظيمات كردية تحالفت مع اردوغان، كما نشاهد الموقف في شمال العراق هناك اختلاف بين الأحزاب الرئيسية فيما يتعلق بالعلاقة مع تركيا والعلاقة مع إيران، فلا اعتقد وجود موقف كردي واضح، فلو كان هناك موقفًا كرديًا واحدًا سنحتاج إلي نوع من الضمانة والتأييد وسوف يحدث حينها اتفاق، ولكن ايضا لا يوجد موقف عربي واضح ومحدد المعالم بما يتعلق بسوريا، فلا اتصور ان يكون هناك تحالف في سوريا.
- كيف تقيمون السياسة الخارجية التركية في المنطقة... هل لا يزال لأردوغان مشروع أم يقوم بتنفيذ ما يطلبه الناتو والقوى الغربية؟
هناك حلم واحد لأردوغان وهو حلم الدولة العثمانية من خلال الاستعانة بتنظيم الاخوان المسلمين الارهابي، والقوي السياسية المؤيدة له سواء في سوريا او المنظمات السياسية الموجودة في العراق، ويستغل التمويل القطري في هذا المجال وفي احتواء كتل وقوي سياسية ليصبح لديه قوي إقليمية عظيمة علي حساب كل الدول الموجودة في الساحة.