أعرب الأديب والناقد والرئيس المشترك لاتحاد المثقفين في عفرين، أسامة أحمد، في حوار مع وكالة فرات للأنباء ANF عن استغرابه حول الجهود الدولية، التي لم تعقد مؤتمرات دولية تناقش المسائل الفكرية والثقافية وخطر انتشار الثقافات المتطرفة في العالم حتى الآن، مشيراً إلى أن المجتمعات أغلبها مخترقة وبالتالي داعش سيستمر وسيبقى وبأنه يجب تكثيف الجهود لدراسة آليات يستطيعون من خلالها توعية المجتمعات لتحصينها لمواجهة هذا الفكر، فإلى نص الحوار:
-كيف تقيم الواقع الثقافي كمثقف في المناطق التي كان داعش يسيطر عليها؟
بطبيعة الحال نحن نتحدث عن مناطق كانت تخضع ليس فقط لسلطة قوة ما أو للديكتاتورية كما نشهدها في الأحوال الطبيعية، نحن نتحدث عن مناطق كانت تخضع لفكر أكثر من رجعي والسبب وجود داعش فيها، نستطيع القول إنه تم القضاء تماماً على الحياة الثقافية فيها، والتركيز على فكر واحد ادعى امتلاكه الحقيقة الكاملة المطلقة، بجانب ادعائهم أنهم وكلاء السماء على الأرض، هذه الادعاءات كلها هي ذريعة لهم لفعل ما يشاؤون، كل شيء لا يوافق أفكارهم لا يوافق أهوائهم، وبكل بساطة يستطيعون تحريمها بفتوى، وكل ما يتوافق مع أهوائهم حلال.
وبالتالي فما كانت تشهده المناطق التي تخضع لداعش هو موت كامل للحياة الثقافية، فداعش يرفض حتى الإرث الاجتماعي، القيم المجتمعية، بل ويرفض كل شيء، ربما في بعض المناطق وبحكم بعض السلطات يتم تغييب أو محاربة بعض مظاهر المجتمع بعض الدلالات التي تدل على تاريخ هذا الشعب أو تدل على ميراثه الاجتماعي أو التاريخي، ولكن لا تصل لدرجة محو صورة المجتمع.
ما كان يفعله داعش هو محو تام لصورة المجتمع، لتاريخه، لأصالته، لميراثه، لثقافته، وهذا إضافة إلى أن هذا الفكر المتطرف هو فكر يرفض كل شيء يخالفه وفي حال رفضت كل شيء يخالفك يعني أنه لا ثقافة، فالثقافة بطبيعة الأحوال هي تنوع وهي عملية معرفية تراكمية بطبيعة الأحوال هي فسيفساء تأتي من العلم من المجتمع من العرف من التقاليد من تجربة الفرد وتجربة الجماعة في هذا المجتمع.
-نلاحظ أن داعش يعادي ويحارب الثقافة باستمرار برأيك هل الثقافة تشكل خطراً على وجوده؟
داعش قام باستغلال الكثير من القواعد التي تخص الشرع الإسلامي مثل مسائل القياس والاجتهاد وإلى آخر ما هنالك، الشيء الذي لا يجدونه في نص قرآني أو في نص من السنة يستطيعون بحجة القياس أو الاجتهاد ابتداعه، وبالتالي هناك ثغرات وهذه الثغرات يتم استغلالها، نحن عندما نتحدث عن داعش لا نتحدث عن الإسلام علينا هنا الفصل والانتباه إلى هذا الموضوع بشكل دقيق وجدي، الإسلام حاكى الثقافات الأخرى أخذ وأعطى، ربما كل مرحلة ربما كل تاريخ له سلبياته وله إيجابياته وللتاريخ الإسلامي سلبياته وإيجابياته ككل الحضارات الأخرى، أما هذه المنظمة المتطرفة فهي لا تمد للإسلام بصلة وهي رافضة لأي تنوع ورافضة لأي شيء آخر يمكن أن يواجهها وبالتالي تقيمنا للمناطق التي كانت داعش تسيطر عليها ثقافياً هو موت كامل للثقافة، ويجب أن لا ننسى أن الحقل التعليمي حتى في المناطق التي كانت تخضع لداعش لا نسستطيع القول بأنها معدومة وإنما الحقل التعليمي يخضع لقالب من خلاله يستطيعون أن ينشئوا جيلاً يتبع لأفكارهم وبالتالي هذا الحقل التعليمي الذي خضع لهذه الأفكار السوداء أنتج جيلاً ربما سيكون الخطر الأكبر في المرحلة القادمة.
بطبيعة الحال نحن قلنا داعش يرفض الثقافة، لكن لو لم تشكل خطراً عليه لما رفضها، في الحالة الطبيعية لا نستطيع بحال من الأحوال أن نفرض ثقافة على مجتمع ما وأن نصب قالب ثقافي على مجتمع آخر ذو ثقافة مختلفة حتى في النظم السياسية نحن لا نستطيع أن نستورد نظام سياسي معين ونطبقه على مجتمع غير المجتمع الأصلي لهذا النظام، بالتالي كما أن القوالب السياسية أو القوالب الحاكمة لا نستطيع تطبيقها في كل جغرافيات العالم، لأن كل مجتمع له خصوصية وهذه الخصوصيات تفرض آليات معينة تفرض مناحي معينة تفرض جذب معين باتجاه معين، فإذا كان الحال هذا بالنسبة لنظام حكومي أو نظام سياسي فما بالك بالأنظمة الثقافية، أنت لا تستطيع أن تمسح حقيقة مجتمع ما وتصب مكانه ثقافة أخرى، في حال وجود ثقافات أخرى يعني هناك نشاط أدبي يعني هناك نشاط فكري يعني هناك محاكاة للآخر، يعني هناك جدل فلسفي قائم في هذا المجتمع وهناك تطور حاصل في الفكر هذا المجتمع وفي حال استطعت أن تحاجج التاريخ والمسيولوجيا إذا استطعت أن تدرس وتتدارس القيم المجتمعية والعلم والمعرفة الموجودة في هذا المجتمع والموجودة في مجتمع آخر وتقيسها على مجتمعك في حال كان هذا النشاط الثقافي موجوداً وفي طبيعة الأحوال لن يكون هناك مكان لفكر متطرف مثل داعش وبالتالي القول إن وجود حراك ثقافي في منطقة ما يشكل خطراً، فهذا شيء طبيعي أما القول إن ثقافات أخرى تشكل الخطر على داعش؟ فأنا أجزم بأن كل ثقافات الإنسانية تحارب هذا الفكر لا تقبله، في مجتمع ما يمكنك أن ترى عدة مستويات للثقافة وعدة جوانب ومناحي لها، بالتالي المجتمع الواحد يحتوي الكثير من التنوع الثقافي فما بالك العالم بأسره.
فعندما يأتي داعش هو لا يأتي ليتعايش مع هذه الثقافات، وإنما يأتي لتقصي كل الثقافات في حال نحن اجتهدنا فلسفياً اجتهدنا دينياً اجتهدنا أدبياً واجتهدنا في مجال البحث وفي مجال الدراسة إذا كان هذا النشاط الثقافي موجود فبطبيعة الحال سياسة الإقصاء وسياسة إمحاء وجه المجتمع وثقافته لن يكون لها مكان وبالتالي هذا الشئ طبيعي.
-انتهت حملة عاصفة الجزيرة، وانتهى داعش عسكرياً، برأيك هل نستطيع القول بأن داعش انتهي من الوجود؟
بالتأكيد داعش لم ينتهي ليس فقط من الوجود داعش لم ينتهي حتى في سوريا، هو ماةزال يسرح ويمرح في الجغرافية السورية هنا نستطيع القول إن هناك جانبان للإجابة على هذا السؤال جانب يتعلق في الوضع السياسي القائم وجانب يتعلق فيما أنتجه داعش خلال هذه السنوات، أولاً الانتصار الذي حقق عسكرياً على دعاة الظلام، الدواعش الذين كانوا موجودين في جغرافية معينة شرق البلاد، القضاء عليهم عسكرياً كان انتصاراً تاريخياً حقيقياً لا يمكننا توصيفه غير بهذا الوصف، أما القول بانتهائه فهذا الكلام منافي للعقل والمنطق وحتى منافي للطبيعة الموجودة، سياسياً ما زالت هناك مناطق جغرافية في سوريا من إدلب إلى جرابلس مروراً بعفرين وأعزاز والباب هذه المناطق ما زالت حاضنة جيدة ومريحة لداعش فكرياً وسياسياً وعسكرياً.
ووجود تنظيمات متشابهة بأسماء مختلفة مثل تنظيمات تسمي نفسها حركة أحرار الشام وتحرير الشام وجبهة النصرة وأحفاد الرسول والعديد منهم، وجود فصائل من هذا النوع هذه الفصائل في الجوهر مطابقة لداعش تماماً حتى أفعالهم وسلوكهم هو سلوك مطابق لداعش.
أيضاً فإن هذه المناطق بحكم هذا التقارب الفكري بين هذه الفصائل وبين التنظيم الإرهابي يُسهل عملية التفاعل بينهم، وبالتالي عناصر داعش الفارين قادرين أن يلتجؤا إلى هذه الفصائل الأخرى وقادرين على أن يحتموا بهم ايضاً، ليس هذا فحسب بل إن هناك دول في المنطقة تستفيد من داعش وأعتقد أن هناك تقارير باتت موجودة بيد الجهات المختصة بهذا المجال، تقارير تثبت العلاقة بين حكومة العدالة والتنمية وهذه الفصائل المتطرفة من داعش إلى النصرة، وهذه الدول المستفيدة من داعش ومستفيدة من وجوده على الأرض تمدهم وتغذيهم وتحاول منحهم أكبر وقت من اللازم لإعادة تشكيل أنفسهم بطريقة أو بأخرى، فتح الممرات والحدود لهم وتأمين المخابئ والطرق لهم، وهناك أخطر من ذلك أن داعش قادر على طباعة الكتب في هذه الدول، ما يعني قدرته على نشر أفكاره عبر كراسات وكتييبات تطبع في تركيا وقد أشرنا إلى ذلك عبر لقاءات سابقة فهناك كتب لداعش مطبوعة في إسطنبول وهذا موضوع هام جداً وخطير جداً في نفس الوقت.
الآن الوضع السياسي القائم تركيا خسرت كافة رهاناتها في المنطقة ما كانت تريده تركيا فعلاً هو أن تلعب على الوتر الديني وتتلاعب بعواطف السوريين الذين ينتمون إلى الإسلام السني، الاستفادة منهم في تحقيق تمدد لدولة التركية ضمن خطة تشتمل إعادة بناء هيكلية الإمبراطورية العثمانية، ضمن هذا المخطط حاولت تركيا أن تتلاعب بطريقة أو بأخرى بسياستها مع روسيا تارة وأمريكا تارة ومع استغلال ما يسمى بالمعارضة السورية أيضاً تم استغلالهم عبر سنوت الحرب الثمانية وما زالت هذه المحاولات التركية حتى اللحظة وبالتالي هذه الدول التي ترعى داعش تمدها بالقوة أو حتى أنها تساعدها على عدم الاستسلام أو على عدم الانتهاء من الوجود، هذا أمر أما الأمر الآخر فإن داعش أثناء فترة وجوده في سوريا تمتع بزمن طويل وجغرافية شاسعة ووضع يده على نقاط حساسة ذات وارد اقتصادي عالي كآبار النفط، بالتالي خلال هذه المدة الزمنية استطاع التنظيم أن يبني له اقتصاداً واستطاع أن يتمدد ويفتح مدارس تعلم جيل كامل وتشبعه بهذا الفكر، كيف سينتهي هذا التنظيم إذا كان هناك جيل عبر سنوات تدرب وتعلم وحمل كل الأحقاد التي يحملها البغدادي واتباعه، هذا الجيل تنفس بأنفاس داعش وهذا هو الخطر الحقيقي لا نستطيع القول بانتهاء داعش، المعركة العسكرية يجب أن تستمر حتى تنظيف آخر شبر من سوريا من أي وجود محتمل لهذه الفصائل المتطرفة وإضافة إلى ذلك والمهمة الأصعب يجب أن يكون هناك عمل مشترك بين دول المنطقة دول الشرق ودول الغرب ليكون هناك برنامج وأليات ولقاءات يجب أن تحصل بين مثقفي هذه البلدان ومثقفي العالم لدراسة آليات سد الطريق على هذا الفكر لإنقاذ المجتمعات من هذا الفكر وإنقاذ هذه الأجيال التي نشأت على يد داعش وإنقاذهم من هذا الفكر الأسود، هذا الموضوع بحاجة إلى لقاءات كثيرة وموسعة وطويلة ونقاشات بين مثقفي العالم بشكل عام، أنتم تتحدثون عن الفكر إذا قلنا فكر فنحن غير قادرين على رسم الحدود بين دولتين أو بقوات عسكرية موجودة في جغرافية معينة أن تسيطر، عملية الضبط عملية تكاد تكون مستحيلة في هذه الحالة نحن يمكن أن نضبط الأمن يمكن نضمن عدم استخدام الحدود ربما، ولكن أن نضمن عدم انتشار هذا الفكر فهذا أمر غير معقول وبالتالي هذا بحاجة إلى بحث معمق وجاد حتى الآن تكاد هذه الجهود الثقافية تكون معدومة، يعني حتى الآن نحن نكتفي بتصريحات السياسيين وربما نكتفي بالإشارة والتنويه لخطر هذا الفكر الذي استفاد من حرب العراق وحرب سوريا وانتشر، ولكن حتى هذه اللحظة ليس هناك أي مؤتمرات جادة حتى نتحدث عن إنهاء داعش نحن بحاجة إلى عقد الكثير من المؤتمرات الدولية التي لا تبحث بالشؤون السياسية وإنما تبحث بالشؤون الثقافية.
-إذاً أنت ترى أن هناك احتمالية لانتشار فكر داعش المتشدد في بعض المجتمعات بعد انتهائه عسكرياً؟
نحن تحدثنا الآن وقلنا إننا تحدثنا عن الفكر نحن لا نتحدث عن جيش أنت تستطيع القضاء على جيش من خلال الحرب، ممكن أن تتكثف الجهود الدولية بالقضاء على داعش كقوة عسكرية موجودة إن كانت في افغانستان أو اليمن أو موجودة في إفريقيا أو في سوريا أو العراق، يمكن القضاء عليها من خلال التكاتف أو التحالف الدولي عسكرياً، ولكن بالمقابل فإنه شخص واحد يحمل الفكرة ويتسرب إلى أي بلد قادر على تشكيل حلقة ينقل بها هذا الفكر من شخص إلى آخر لتتشكل الخلية تعمل وتنشر، نشر الفكر لا يحتاج إلى أسلحة وترسانات عسكرية وآبار نفط وإلى آخره، تحدثنا الآن وقلنا لا يمكن ضبط هذا الموضوع وبالتالي احتمال انتشار هذا الفكر مابعد القضاء على داعش عسكرياً هو احتمال مئة بالمئة هناك الكثيرين من أبناء المنطقة ربما في سوريا ودول المجاورة وهناك الكثيرين من البلدان الأخرى من شرق اسيا وأواسط آسيا وأوروبا وأمريكا، هناك أشخاص موجودين في صفوف داعش من كل العالم هؤلاء الأشخاص، كل شخص منهم هو أخطر من قنبلة نووية على العالم، شخص قادر على نشر الفكر، وبالتالي كيف تستطيع أن تضبط هذا الموضوع؟ أنت لا تستطيع، وبالتالي فلا بد من أن هذا الفكر سيستمر بالانتشار ولهذا نحن ننوه على خطورة هذا الموضوع ونستغرب من أن الجهود الدولية حتى الآن لم تعقد مؤتمرات دولية تناقش المسائل الفكرية والثقافية وخطر انتشار الثقافات المتطرفة في العالم.
نحن غير مستعدون لهذه المسألة، المجتمعات كلها مخترقة وبالتالي داعش سيستمر وسيبقى علينا من الآن تكثيف الجهود لدراسة آليات نستطيع من خلالها توعية المجتمعات نستطيع من خلالها عبر الأدب والثقافة والمحاضرات عبر ندوات عبر لقاءات وعبر تنمية المجتمعات إلى آخر ما هنالك نحاول عبر آليات مختلفة أن نحصن المجتمعات من انتشار هذا الفكر.
-وما لمطلوب لتحصين المجتمعات من هذا الفكر فعلياً؟
داعش تستفيد من عدة أمور؛ أولاً: النزاعات.. فكل منطقة نزاعات في العالم ربما الآن هي اسمها داعش، لكن هناك القاعدة، هناك حركة طالبان وهناك حركات أخرى في دارفور، وبلدان أخرى وحتى ربما في أمريكا الجنوبية، ربما في مناطق أخرى من آسيا، هناك حركات كثيرة ربما تختلف الأسماء وتختلف التركيبة بطريقة أو بأخرى، لكن الفكر واحد، وبالتالي هم موجودون وموجودون بكثرة وبالكثير من البلدان داعش تستفيد من هذه النزاعات القائمة حول العالم، هناك نزاع سلطة في مكان ما تستفيد من هذا الخلل الأمني تخترق، النقطة الثانية هي أن داعش يستفيد من البلدان المتخلفة، التي تعاني نسب من الأمية والتخلف فينتشر فيها بسهولة.
والحقيقة أن غياب الوعي في المجتمعات يعني تقبل هذه المجتمعات بأي شئ وبأي سلعة تأتي من الخارج، وبالتالي علينا أيضاً أن نقوم بدراسة برامج لتوعية المجتمعات التي تعاني الجهل الأمية التخلف في العالم.
النقطة الثالثة تكمن في المشكلة الاقتصادية أيضاً، فداعش يستفيد من الفقر، والبلدان التي تعاني من فقر شديد أو تصنف تحت خط الفقر يمكن فيها شراء الأفراد وتصنيع الدواعش بدولارين فقط، يعني بكل بساطة عائلة تملك خمس أفراد يمكنها التبرع بفرد لداعش من أجل أن تعيش، وبالتالي الإغراء المادي أيضاً هو باب يستفيد منه داعش في الانتشار.
ليس هذا فحسب بل إن الخلافات الدولية أيضاً يستفيد منها خلافات أمن الحدود بين الدول الخلافات الاقتصادية والسياسية بين أقطاب العالم، هذه الأمور تنتج خروقات استخباراتية من دولة من قبل دولة أخرى وإلى آخر ما هنالك.
وعبر هذه الخروقات بنفس الألية وبنفس الطريقة ينتشر داعش، ربما الموضوع لا نستطيع أن نربطه بالثقافة وحدها فنحن قلنا إننا يجب علينا أن نناقش هذا الموضوع ثقافياً كيف يمكننا عبر والأدب والمحاضرات والندوات كيف يمكننا أن نضع حداً من الاتنشار، ولكن اعتقد أنه غير كافي، فالأزمة الاقتصادية أزمة الجهل والأمية النزاعات الدائرة في البلدان حول العالم فهذا كله مناخ جيد لداعش ولفكر داعش للانتشار، وبالتالي ربما تكون هناك أيضاً تفاصيل أخرى وأعمق من ذلك ربما تكون هناك أليات فهذا يحتاج إلى ملتقيات ومؤتمرات دولية.
طبعاً أريد أن أركز على هذه النقطة وهذه المؤتمرات إذا لم تشارك بها النخب الثقافية من مختلف الدول لن نصل إلى نتائج يعني المؤتمرات السياسية لن تستطيع أن تنقذ المجتمعات من انتشار هذا الفكر المتطرف.
-لاحظنا من خلال نشرات الأخبار واللقاءات مع زوجات ونساء الدواعش بأنهم لا تزلن تؤمن بانتصار التنظيم وأنه باق وأنهم سيربون جيلاً آخراً من الدواعش كيف تنظر إلى مثل هذه الأفكار؟
أولاً: ما ينتهجه داعش هو مبدأين، هناك مبدأ ترغيبي وآخر ترهيبي في نشر هذا الفكر، فالتنظيم يعتمد أولاً على وصف مغريات الجنة بأسلوب خيالي للجذب ووصف العقاب أيضا بأسلوب خيالي وإيصال الله إلى مرحلة سادية حتى مسألة التعذيب تصل إلى مرحلة تشعر بالسادية بالموضوع، هذا يجعل من الإنسان الذي يتلقى دروس على يد داعش هو فكر يتحول إلى مرض لدرجة أن ترى أن هناك حالات كثيرة من المقاتلين في صفوف داعش يسعون إلى الموت يعني هو يحارب لكن ليس من أجل البقاء وإعمار الأرض وبناء حياة حرة ونظيفة وديمقراطية للإنسان لا لبناء حياة مكرمة، بل يقاتل لأجل أن يموت، فالموت بالنسبة له هو خلاص من عذاب الدنيا والالتحاق بنعيم الجنة المقيم، بالتالي هذا الفكر يشتري عقول الناس ويتحول إلى مرض نفسي، اعتقد أن هذه النساء لسن بحاجة إلى سجن أو إلى محاكمة، هن بحاجة إلى علاج نفسي، يفضل التعامل مع هذه الحالات بطريقة تصنيفها ضمن الحالات المرضية والتعامل معها على هذا الأساس.
الآن نحن نتحدث عن امرأة هي أم، هذه الأم بطبيعة الحال تصرح وتقول سأربي جيلاً، نعم هي أم وإذا بقيت مستمرة بالتمسك بهذه الأفكار صحيح ستربي وإن لم يكن جيلاً على الأقل لكن ستربي على الأقل بعض الأطفال في أسرتها أو مايتصل بهم، وهذا الأمر أخطر من مقاتل داعش فالمرأة في داعش أخطر من الرجل في داعش المقاتل قتل أو أُسر أو حُكم، ربما تصل بنتيجة مع هذا الشخص أما الأم هذا موضوع صعب جداً بما أنهن أمهات علينا أن نصنف هذه الحالات ضمن الحالات المرضية ومحاولة معالجتهن وتخليصهن من هذا الفيروس، الذي دخل في عقولهن، حقيقة هذا التصريح يعتبر تهديد للأمن والسلام العالمي، لا يجب علينا النظر إليه بأنه تصريح عادي، تبني الأمهات لفكر خطير مثل هذا يعني مستقبل مشوه ويعني إنه هناك المزيد من الأخطار في انتظارنا، فعلى جميع الهيئات والمنظمات الدولية المعنية والمختصة أن تنظر إلى مسالة النساء في داعش بخصوصية ودقة فائقة.
-هل نستطيع القول بأن الثقافة بشكل عام قادرة على الحد من انتشار الأفكار المتطرفة التي يتبناها داعش ؟
لا نستطيع أن نقول إنها كافية، الحقل الثقافي هو نشاط هام وفعال وله الدورالأهم والبارز في تنمية المجتمعات والنهضة في المجتمعات، ولكنه لن ينتج وحده حلاً، فالثقافة جزء هام من الحل، تحدثنا قبل قليل وقلنا ما هي الجوانب التي يستفيد منها داعش للانتشار، وعندما تشخص تعرف أن الثقافة وحدها غير كافية هو حقل هام جداً لكنه غير كافي.
فالثقافة هي غير قادرة على حل النزاعات السياسية فرضاً، غير قادرة على حل الأزمات الاقتصادية، كما غير قادرة بأن تفرض نفسها على الساحة السياسية، وبالتالي علينا أن نولي الثقافة من أدب وفكر وفلسفة وغيرها، علينا أن نوليها اهتماماً عالياً جداً ولكن إلى جانب ذلك أن نبحث آليات أخرى أيضاً للحد من انتشار هذا الفكر.