معاهدة لوزان التي وُقِعَْت في 24 تموز من العام 1923 في مدينة لوزان السويسرية، أنكرت كامل الحقوق الكردية واُعْتُبِرَتْ العقد الذي تأسست الجمهورية التركية على أساسه.
حتى ذلك اليوم، كان يُنظر إلى الكرد على أنهم "عنصر مؤسس" للجمهورية التركية، ولكن تغيرت الأوضاع بعد توقيع اتفاقية لوزان وتعاملوا مع العنصر الكردي على أساس سياسة "الإنكار والإبادة والصهر".
على مدى 97 عامًا، لم يحظى الكرد بمكانة "العنصر التأسيسي"، ولم يفنى الكرد على الرغم من جميع سياسات الإنكار والإبادة والصهر، وفي كلا الحالتين لم يقبل الشعب الكردي بتلك الاتفاقية.
ويرى المسؤولين في الدولة التركية أن ثورة روج آفا تشكل تهديداً كبيراً عليهم، وفي الفترة الأخيرة وضعوا "الميثاق الملي" في جدول أعمالهم ويشيرون إلى تحديث اتفاقية لوزان.
وكرر الرئيس التركي طيب أردوغان في السنوات الأخيرة قوله " أن أتفاقية لوزان هزيمة"، ويطمح من خلال تطرقه إلى "الميثاق الملي" في احتلال المنطقة الممتدة من حلب وحتى الموصل وكركوك.
يشير المؤرخ والكاتب حسين محمد علي من مدينة كوباني، إلى أن أردوغان يسعى إلى لعب نفس اللعبة التي لعبها مصطفى كمال ضد الكرد، مستشهداً بمقولة المفكر كارل ماركس " التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى هي مأساة وفي المرة الثانية مهزلة".
انتصر مصطفى كمال من خلال اتفاقه مع الكرد
لفت حسين علي خلال حديثه لوكالة فرات للأنباء، النظر إلى معاهدة سيفر التي وقعت بين دول الحلفاء والدولة العثمانية، وقال: معاهدة سيفر كانت هي المسمار الأخير في نعش الدولة العثمانية، وبادر مصطفى كمال على وجه السرعة بعقد اتفاقية مع الكرد وخوض حرب الاستقلال إلى جانب الكرد، لم يكن بالإمكان تحقيق النصر في هذه الحرب ما لم يعقد اتفاقية مع الكرد.
وتابع علي حديثه قائلاً: بعد الانتصار الذي حققة مصطفى كمال في حرب الاستقلال، اشتد عوده في مواجهة دول الحلفاء وعلى هذا الاساس تم إنشاء طاولة لوزان للتفاوض، واستطاع مصطفى كمال أن يلعب أكبر لعبة مخادعة للكرد في تلك الاتفاقية.
وأضاف علي في ذات السياق إلى: أنه بعد اشتداد عود مصطفى كمال أصبح السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لدول الحلفاء هو هل ستقف تركيا إلى جانب الاتحاد السوفيتي أم إلى جانبهم؟ واستطاع كمال اتاتورك الاستفادة من هذا النقطة جيداً حيث عقد اتفاقية لوزان في ذلك الوقت وبدوره كلف مصطفى كمال، عصمت إنونو الكردي الأصل للحضور بالإنابة عنه في تلك الاتفاقية لغرض إيصال رسالة واضحة للدول الغربية والتحضير لخطته.
ونوه حسين علي إلى أن أردوغان يسعى للعب نفس اللعبة بين روسيا والولايات المتحدة،
وتابع علي قوله " خلال محادثات لوزان قام أتاتورك بِحَث نائب ديرسم، حسن خيري بك بإلقاء خطاب في البرلمان بالزي الكردي، مثاله كمثل الكرد الجيدين اليوم بالنسبة للدولة التركية.
وأوضح المؤرخ حسين محمد علي هذه الكلمات: "كان هذا أحد الأسباب، بمعنى آخر استغل مصطفى كمال التناقضات القائمة ما بين الدول الغربية والاتحاد السوفييتي لمصلحته، أما السبب الآخر يكمن في تشتتنا وعدم وحدة صفوفنا، لقد سرق العدو منا بعض الكرد الذين يطلقون عليهم تسمية "الكرد الجيدين"، وكان حسن خيري بك من بينهم، حيث أنه بعد توقيع معاهدة لوزان تم إعدامه بتهمة خرقه للدستور بتحدثه باللغة الكردية والزي الكردي في البرلمان، وعندما سئل عن طلبه الأخير قبل إعدامه، رد قائلاً " احفروا قبري على جانب الطريق حتى يبصق جميع المارة من الكرد على قبري"، وفي هذا المثل عبرة كبيرة للكرد الجيدين بالنسبة للدولة التركية.
وأشارعلي إلى أنه لا مستند قانوني أو حقوقي دال على شرعية الميثاق الملي الذي يطمح إليه، الميثاق الملي حكاية منتهية في معاهدة سيفر واتفاقية لوزان، ومعاهدة سيفر عليها توقيع الدولة العثمانية ولوزان عليها توقيع الجمهورية التركية الناشئة حينها.
وكرر حسين علي مقولة كارل ماركس " التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى مأساة وفي المرة الثانية مهزلة" ولكن التاريخ بالنسبة لنا دائماً كانت مأساة.
تغيرت الظروف
وشبه المؤرخ علي المحادثات التي تجري حالياً في جنيف بتلك التي كانت تجري في لوزان، وقال " اليوم ايضاً لا يتم قبول الكرد في جنيف كما كان في لوزان، ما عدا بعض الكرد الجيدين على شاكلة " ENKS"، ولكن الأوضاع تغيرت ولم يعد الكرد كما كانوا في السابق، ويتم الآن التأسيس لنظام عالمي جديد في الشرق الأوسط، وإذا كان أردوغان يريد إعادة اللعبة التي لعبها أتاتورك قبل 100 عام، ولم يراعي الظروف والمتغيرات، فليعلم الجميع أن الضرر سوف سيكون كبيراً والشعب التركي سوف يكون أكبر المتضررين من هذه السياسات.