"التحقيق في إبادة الإيزيديين".. هل تحاسب الأمم المتحدة تركيا والبارزانيين أم يفلتون بـ"شماعة داعش"؟

"محققون أمميون يسابقون الزمن لتوثيق إبادة داعش للإيزيديين في العراق" عنوان تصدر كثيراً في وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية، ليعيد إلى الأذهان جرحاً لم يندمل شقه البارزانيين والأتراك بأداة "داعش".

فقد ذكر تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية نشر مؤخراً أن الفريق الأممي المسؤول عن توثيق عمليات الإبادة الجماعية التي طالت الإيزيديين في العراق يسابق الزمن من أجل استخراج رفات الضحايا من المقابر الجماعية التي لم تخضع للفحص حتى الآن بعد قرار الحكومة العراقية القاضي بضرورة مغادرة الفريق منتصف الشهر الجاري.

الصحيفة تشير إلى إشكالية كبيرة من وراء هذا القرار الصادر عن حكومة بغداد هو أن هناك عشرات الضحايا في مقابر جماعية لن يتيح الوقت مجالاً لاستخراجهم، ومن ثم فقدان جانب من الأدلة التي تورط عناصر من تنظيم داعش الإرهابي في تلك الجرائم، وبالتالي ستكون هناك صعوبات في التحركات الجنائية ضد هؤلاء، هذا في وقت تسعى الحكومة كذلك إلى غلق المخيمات التي تأوي الإيزيديين الفارين من الإبادة الداعشية.

ويشير أيضاً تقرير الصحيفة إلى أن هناك نحو 2700 مفقود إيزيدي، وبالتالي قرار كهذا يأتي مفجعاً لأسر الضحايا، والذي يعني أيضاً طي صفحة هؤلاء، فمن بين نحو 93 مقبرة جماعية لا تزال هناك 32 لم تفتح بعد وتتركز في منطقتي شنكال والبعاج.

أين البارزانيين والأتراك؟

وكالة فرات للأنباء (ANF) اطلعت على تقرير صحيفة نيويورك تايمز كاملاً، لكن المفارقة أنه لم يتضمن أي إشارة إلى تواطؤ العائلة البارزانية وكذلك تركيا في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت بحق الإيزيديين، وبالتالي هناك علامات استفهام حول إمكانية محاسبتهم أو على الأقل التحقيق في الرواية التي يذكرها ويؤكدها الكثير من أبناء الإيزيديين، كما أن الوضع يثير كذلك تساؤلات حول دوافع الحكومة العراقية من التعجل بإغلاق هذا الملف شديد الأهمية بما يحمل من أبعاد إنسانية تزامناً مع مرور 10 سنوات على تلك الجريمة النكراء.

تقول الناشطة السياسية الإيزيدية سعاد حسو عضوة اتحاد إيزيديات سوريا إن 10 أعوام مضت على المجزرة التي تعرض لها المجتمع الإيزيدي في شنكال وتحديداً في 3 أغسطس/آب 2014، والتي راحت ضحيتها عشرات آلاف من الايزيديين بين قتل وخطف وسبي واغتصاب ناهيك عن العنف وتدمير البنية التحتية لشنكال.

وتصف سعاد حسو، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، ما جرى بـ "الإبادة العرقية" بحق أقدم مجتمع وأقدم ثقافة تاريخية وأقدم أولى الديانات على وجه الأرض، معتبرة أن هذا كان مخططاً لا سيما مع فرار الجيش العراقي وسحب 12 ألف مقاتل من البيشمركة من شنكال والتضحية بحق الإيزيديين في وجودهم التاريخي والثقافة الوطنية والقيم الإنسانية والأخلاقية على يد تنظيم دعم بأسلحة وذخائر حربية وأمام أنظار العالم أجمع انتهك شرف وكرامة الإنسانية.

وقالت سعاد بمنتهى الحزم إن دولة الاحتلال التركي وبالاتفاق مع حكومة إقليم كردستان التي يقودها البارزانيون والحكومة العراقية تركت مناطق الموصل وشنكال لتسهيل عملية الاقتحام لإرهابي داعش ولم يسمح لأي جهة بإطلاق رصاصة واحدة عليهم امتثالاً للتعليمات والاتفاقيات المبرمة بينهم الذي نص على إقامة دولة إسلامية يقودها السنة ومناطق للشيعة ودولة كردية للبارزاني.

واعتبرت الناشطة السياسية الإيزيدية سعاد حسو عضوة اتحاد إيزيديات سوريا أن هذا المخطط يبرر فرار جيش العراق من الموصل والبيشمركة من شنكال، مشيرة إلى أن هذا كان نفس مخطط كوباني وعفرين، مشددة على ضرورة محاكمة هؤلاء الإرهابين وداعميهم خاصة تركيا الفاشية، مدللة بخطابات حكومة العدالة والتنمية التي وصفتها بـ "المخيفة جداً والداعمة والحامية للإسلام المتطرف في المنطقة"، كما أعربت عن قناعتها أن المحاكمة هي التي ستضع حداً لهذا الخطاب الداعم للإرهاب الذي يرعاه النظام التركي.

موقف الحكومة العراقية

وبعد فترة وجيزة من تحرير شنكال عام 2017 من قبضة الدواعش وبطلب من الحكومة العراقية التي كان يقودها وقت ذاك حيدر العبادي أنشأت الأمم المتحدة فريقاً من المحققين لتوثيق وجمع الأدلة المتعلقة بتلك الجرائم حتى تتمكن المحاكم حول العالم من محاكمة المتورطين، لكن في سبتمبر/أيلول 2023 أبلغت السلطات العراقية محققي الأمم المتحدة أن أمامهم عاماً واحداً فقط لإنهاء المهمة.

كما سبق وتمت الإشارة فإن موقف الحكومة العراقية والتعجيل في إغلاق هذا الملف تزامناً مع تقارب إلى تركيا ترجم في شكل اتفاق تعاون أمني أمر يثير كثيراً من علامات الاستفهام، وسط إشارات من بعض السياسيين الإيزيديين على وجود ضغوط من بعض الدول الخارجية.

في هذا السياق، يقول السياسي العراقي الكردي الدكتور حكيم عبد الكريم إنه بصفة عامة إغلاق أي ملف يتعلق بالجرائم التي ارتكبت بحق الإيزيديين ليس إلا مساومات بين بعض الدول الإقليمية والعراق، خاصة في ظل اتفاقية التفاهم الأمني مع الدولة التركية والحكومة العراقية، مؤكداً أن أي تكتكم على هذه الجرائم والمقابر الجماعية يعود إلى هذه "الاتفاقية المشؤومة"، بحسب وصفه لها، منوهاً إلى التعاون بين النظام التركي والدواعش لإبادة الإيزيديين.

ولفت عبد الكريم، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إلى أن تركيا هي إحدى مكونات حلف شمال الأطلسي "الناتو" والأخير محكوم بالقرارات الأمريكية، وواشنطن هي التي تتحكم في مختلف القرارات الدولية بما تقدمه من تمويل لكثير من المنظمات منها الأمم المتحدة وبالتالي لا يمكن أن تسير في أي اتجاه يتعارض مع المصالح الأمريكية.

وأعرب السياسي الكردي عن أسفه من أن كل ما يحدث في منطقتنا يقوم على المساومات والمفاوضات على حساب الشعوب، مشيراً في هذا السياق إلى أوضاع السوريين الذين ضحوا من أجل التحرر من ديكتاتورية بشار الأسد، لكن الثورة السورية تحولت إلى مجرد ورقة بقبضة الدولة التركية للتفاوض مع دمشق من أجل محاربة القضية الكردية وكذلك الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، كما أكد أن جرائم الدواعش ومن ورائهم من الدول سواء في أوروبا أو أمريكا أو الدولة التركية لن تنساها البشرية.

وفي أغسطس/آب من عام 2014 اجتاحت عناصر داعش منطقة شنكال الجبلية في شمال غرب العراق، حيث يقطن هناك خليط من الكرد والعرب وكذلك الإيزيديون، وقد قتل التنظيم أعداداً كبيرة من الإيزيديين وأسر النساء والفتيات كسبايا، وسط اتهامات للحزب الديمقراطي الكردستاني بالتواطؤ مع التنظيم ليرتكب واحدة من أعنف الجرائم.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش ذكرت أن 80% من البنية التحتية و70% من بلدة شنكال أكبر مدينة في هذه المنطقة دمرت خلال الصراع مع تنظيم داعش في الفترة من 2014 وحتى 2017، فيما تقول المنظمة الدولية للهجرة إنه لا يزال هناك حوالي 183 ألف شخص من شنكال نازحين بما يشمل 85% من السكان الإيزيديين.

ورغم تحرير شنكال من تنظيم داعش، إلا أن عديداً من التقارير تؤكد أن هذه المنطقة لا تزال غير آمنة كما أنها تفتقر لكثير من الخدمات، ومن ثم فإن العائدين إليها مرة أخرى يواجهون خطراً كبيراً، في وقت تشير إحصاءات إلى أن هناك أكثر من 22 مخيم في إقليم كردستان بها 157 ألف شخص غالبيتهم من الإيزيديي.