السعودية والإمارات وبينهما أبو محمد الجولاني .. هل تتباين الرؤى؟
رغم تشارك السعودية والإمارات على مدار السنوات الماضية في الرؤية تجاه تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، إلا أن مؤشرات عدة توحي بثمة تباين ما حيال حكومة أبو محمد الجولاني في سوريا.
رغم تشارك السعودية والإمارات على مدار السنوات الماضية في الرؤية تجاه تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، إلا أن مؤشرات عدة توحي بثمة تباين ما حيال حكومة أبو محمد الجولاني في سوريا.
تأتي طبيعة التغطيات الإخبارية لوسائل الإعلام السعودية ونظيرتها الإماراتية كأكبر مساحة تعكس هذا التباين بين الدولتين، فالمتابع لهما يكتشف بمنتهى السهولة أن الإعلام الإماراتي أكثر حدة تجاه حكومة أبو محمد الجولاني، أو سيطرة هيئة تحرير الشام على دمشق، خصوصاً المخاوف الواضحة من توجهات عناصر الهيئة، وما تفكر فيه مستقبلاً.
في المقابل، تبدو حالة احتفاء واضحة في الإعلام السعودي؛ حتى أن قناة العربية السعودية كانت أول محطة مملوكة لدولة عربية يظهر عبرها أبو محمد الجولاني، وكان ما يمكن تسميتها بـ "المغازلات" حاضرة في هذا اللقاء، لا سيما حديث الرجل الأول في سوريا عن فترة حياته في المملكة، ورغبته في علاقات ذات طبيعة مختلفة مع الرياض، وتقديره لمكانتها.
وليست الساحة الإعلامية فقط، فالمتابع كذلك لزيارتي وزير خارجية حكومة دمشق أسعد الشيباني إلى السعودية والإمارات، سيلحظ الاحتفاء الكبير به في الرياض مقارنة بأبوظبي، وهنا يبدو التساؤل حول ما إذا كان هناك تبايناً بين موقفي الدولتين من النظام الجديد في سوريا؟، وإلى أي درجة يكون عليها؟، هل حذر فقط من قبل الإماراتيين أم رفض كبير؟، وهل العكس بالنسبة للسعوديين؟
حذر إماراتي وارتياح سعودي
هنا يرى الدكتور أيمن سمير الخبير في العلاقات الدولية أنه لا يوجد خلاف بين السعودية والإمارات في الخطوط العريضة تجاه الأزمة السورية، مثل استقرار سوريا والحفاظ على حدودها وعدم تقسيمها، ومواجهة المشكلات والتحديات الاقتصادية وإعادة الإعمار، ووقوف حكومة "الشرع" على مسافة واحدة من كل المكونات السورية لا سيما العرقية واللغوية، وأن تكون هناك عملية سياسية شاملة للجميع.
أما عن التباين الذي يظهر عبر الإعلام بين الرياض وأبو ظبي، فيرى "سمير"، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الدولتين تتفقان على إعطاء الفرصة لحكومة "الشرع"، ولكن مع رفع راية الحذر، إلا أن هذا الحذر يبدو أعلى لدى الجانب الإماراتي، لا سيما أنهما اتخذا خطوات متشابهة في إرسال المساعدات إلى دمشق واستقبال وزير خارجيتها.
ويرى خبير العلاقات الدولية أن السعودية ربما تبدو الأكثر سعادة، لأن ما جرى خطوة مهمة نحو إبعاد إيران وما يسمى بـ "محور المقاومة"، وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، فإذا نظرنا إلى الأمر من باب المنافسة بين الرياض وطهران، فإن الأولى يمكن اعتبارها منتصرة، وليس معقولاً أن تفرض في هذا الانتصار بسهولة.
ويلفت إلى أن أبو ظبي أكثر حذراً وترقباً؛ لأن لديها تجربة ليست على ما يرام تجاه التيارات الإيديولوجية والمتطرفة، نتيجة عدم قدرة الأخيرة على الانتقال إلى دولة مؤسسات لم تنجح، كما حدث في تونس ومصر ودولة مثل أفغانستان، ولهذا فإن الجانب الإماراتي أكثر حذراً انطلاقاً من هذا الاعتقاد.
ومنذ اشتعال الانتفاضة التي تطورت إلى مسلحة ضد بشار الأسد الراحل عام 2011، تقاسمت السعودية والإمارات نفس الموقف الصارم ضد هذا النظام الذي تحصن بإيران وحزب الله وهذا المعسكر المعادي تقليدياً للرياض وأبو ظبي، إلا أنه مع الوقت ومع قناعة إماراتية بأن بشار لن يسقط عادت العلاقات مع دمشق مبكراً، ولحقت الرياض بتلك الرؤية متأخرة أو ربما مضطرة مع اتساع تلك القناعة لدى الدول العربية.
تجارب تيارات الإسلام السياسي
ويتفق الدكتور محمد صادق إسماعيل مدير المركز العربي للدراسات السياسية، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، مع الدكتور أيمن سمير في قراءته لموقف الإمارات والسعودية، إذ قال إن الدولتين في مرحلة استكشاف فيما يبدو لما سيتجه إليه نظام الحكم الجديد في سوريا.
وأضاف أننا نعلم مواقف الرياض تجاه النظام السوري السابق، والمخاوف السعودية من امتدادات التأثير الإيراني، وبالتالي فإنها حالياً ترحب بالنظام المختلف والمغاير والمضاد لتلك التوجهات، والمضاد للتبعية لطهران.
ويقول إسماعيل إن الإمارات في المقابل تنظر دائماً لتيارات الإسلام السياسي بنوع من الحذر والترقب، لأنها ترى أن تلك التيارات لها تأثيرها السلبي على استقرار الدول، كما أن التجارب السابقة في المنطقة أثبتت عدم قدرة الجماعات ذات المرجعية الإسلامية على إدارة الدولة بشكل جيد، مثل الحالة الليبية، فقد جعلوها دولة دون مؤسسات موحدة ورئيس على مدار 14 سنة تقريباً.
بين الإسلاميين والنفوذ الإيراني
وحين طبع عدد كبير من الدول العربية علاقاته مع بشار الأسد اقترن ذلك بشروط، كان أكثر ما يعني السعودية فيها قيامه بخطوات ملموسة لتقليص النفوذ الإيراني، في المقابل لم تكن أبو ظبي معنية بقدر كبير بمسألة النفوذ الإيراني قدر مخاوفها من وصول تيارت الإسلام السياسي إلى السلطة ذات العداء الواضح لحكام الإمارات.
فضلاً عن ذلك، فإن أبو محمد الجولاني يدين بالولاء إلى النظام التركي بقيادة أردوغان، صاحب السجل الكبير من العداء ضد النظام الإماراتي، حتى لو كانت العلاقات في الوقت الحالي أشبه بهدنة دبلوماسية بين أبو ظبي وأنقرة، إلا أن الأولى لا تأمن الثانية، في ظل البرجماتية الكبيرة التي يتعامل بها أردوغان الراغب في نفوذ واسع ليست دول الخليج بمنأى عنه.
ولا يمكن أن يكون موقف الإمارات بعيداً عن الهجوم واسع النطاق ضد أبو ظبي من تيارات الإسلام السياسي في المنطقة، التي تشعر بانتعاشة منذ سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في سوريا قبل شهر، وبعض من تلك الشخصيات من يحمل الجنسية التركية، أو يوجهون هجومهم عبر منصات إعلامية ورقمية تبث من تركيا.
وتواصلت وكالة فرات للأنباء (ANF) مع بعض السياسيين الإماراتيين والسعوديين لتحليل الموقف من وجهة نظر أصحابه، إلا أنهما فضلا عدم التعليق في الوقت الحالي، لرغبتهما في الانتظار إلى حين وضوح الأمر بشكل أكبر، حسب تعبيرات متشابهة.