العادل بن السلار..الوزير الكردي

يعد الوزير العادل بن السلار، كردي الأصل، أكثر من دافع عن فلسطين واتخذ مدينة عسقلان مقر لعملياته في عصر الخليفة الفاطمي الظافر وقاد محاولة حقيقية لطرد الصليبيين والوحدة الإسلامية قبل ظهور الدولة الأيوبية بسنوات.

تستمر الحرب الأخيرة في غزة وتتناقل وسائل الإعلام أسماء مدن محتلة مثل عسقلان، ولكن قلة من يعرفون أن وزير كردي كان أكثر من دافع عن فلسطين واتخذ من تلك المدينة مقراً لعملياته للدفاع عن فلسطين، وهو الوزير العادل بن السلار في عصر الخليفة الفاطمي الظافر، والذي قاد محاولة حقيقية لطرد الصليبيين والوحدة الإسلامية قبل ظهور الدولة الأيوبية بسنوات.

يعد الوزير العادل بن السلار هو وزير ذو أصول كردية حسبما ذكر الإمام الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" والذي ذكر أنه كان من أمراء الكرد وتربي في القصر الفاطمي في القاهرة، وكان شافعي المذهب، وأنشأ مدرسة لتدريس المذهب السني في الإسكندرية، جعل عليها الحافظ السلفي.

بينما كشف أيمن فؤاد السيد، أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ومدير الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية الأسبق، أن بن السلار كان أحد الصبيان الحجرية وهم جماعة من الشباب كانوا يربون في أيام الفاطميين في حجر بجوار باب النصر، مثل الطباق السلطانية في عصر المماليك، ويتلقون تدريبات عسكرية مثلهم مثل طوائف الداوية والاسبتارية الصليبية في هذا العصر، وهو سني على المذهب الشافعي.

وأكد السيد في كتابه "الدولة الفاطمية في مصر تفسير جديد"، أنه تدرج بن السلار في الوظائف حتى وصل لمنصب والي الإسكندرية، وجاء الانطلاق السياسي للرجل عندما بويع الخليفة الظافر، وفور مبايعته بالخلافة اتخذ الظافر الأمير نجم الدين ابا الفتح سليم سليمان بن محمد ابن مصال الملكي وزيرا وخلع عليه خلع الوزارة بوصية من أبيه ولقبه بالأفضل أمير الجيوش سعد الملك ليث الدولة، وهو بذلك آخر وزير فاطمي يعين بهذه الطريقة، وكان ابن مصال في آخر عهد الحافظ ناظرا للأمور أو المصالح اعتبارا من سنة 439 ه\ 1144 م من غير أن يطلق عليه اسم الوزارة، وكان في الوقت نفسه عالما بأصول الدين، وقد نجح ابن مصال في إعادة النظام بعد محاربته لطائفتي الريحانة والسودان قرب البهنساوية بصعيد مصر.

لم يرضي على بن السلار، أن يلي الوزارة شيخا مثل ابن مصال، فاتفق مع ابن زوجته الأمير عباس الصنهاجي والي الغربية على التوجه إلى القاهرة وإجبار الخليفة أن يوليه الوزارة ، وعندئذ طلب الخليفة ابن مصال أن يتجه إلى الحوف ليجمع العربان لملاقاة بن السلار، إلى أن بن السلار تمكن من دخول القاهرة وإجبار الخليفة على أن يخلع عليه خلع الوزارة ويلقبه بالعادل سيف الدين ناصر الحق، ورغم تمكن ابن مصال من جمع جيش، قوامه من بربر لواتة ومن السودان والعربان، ونجاحه في تحقيق نصر مبدئي واستيلائه على الوجه القبلي، فقد سير إليه بن السلار  جيشا على رأسه الأمير عباس الصنهاجي تمكن من تعقبه، وقتله عند مدينة دلاص قرب البهنسا في 19 شوال سنة  544 ه/ 19 شباط سنة 1150 م وحملت رأسه إلى القاهرة وطيف بها هناك.

وجد الظافر نفسه مجبرا على توليته الوزارة بعد محاصرته للقصر الفاطمي، وقد حاول الظافر لذلك أكثر من مرة التآمر على وزيره الذي احترز من الخليفة وانتدب رجالا لحراسته عرفوا صبيان الزرد.

كان محاربة الصليبيين والدفاع عن فلسطين هي شغل بن السلار الشاغل، حيث عمل بن السلار على تقوية الجيش واهتم بتحصين عسقلان وتجريد الابدال اليها، وكانت العادة أن يجرد خليفة مصر كل ستة شهور الابدال إلى عسقلان حسب تواجد الفرنج في الشام، وكان عددهم يتراوح في القلة بين ثلاثمائة إلى أربعمائة فارس وفي الكثرة من خمسمائة إلى ستمائة.

ويعتبر بن السلار أول من حاول عقد اتفاق مع نور الدين أمير حلب لعمل جبهة موحدة في مواجهة الفرنج الصليبيين، وقد كان ذلك دون شك سابقآ لأوانه، فقد كان نور الدين يتطلع إلى الاستيلاء على دمشق التي كان الفرنج قد حاصروها قبل ذلك بسنوات، ولو كان نور الدين متنبهاً له لتمكنا من تطويق الصليبيين في مدن الشام الساحلية.

أطلق الوزير بن السلار في سنة 546 ه/ 1151م حملة بحرية لإثبات حسن نيته بقيادة قطع من الأسطول المصري إلى يافا تمكنت من أسر عدد من مراكب الفرنج وأحرقت ما عجزت عن أخذه، وقتل جنوده خلفا كثيراً من أهل يافا، ثم توجهوا إلى عكا وصيدا وبيروت وطرابلس حيث أبلوا بلاء حسنا وقتلوا جماعة من حجاج الفرنج، وكانت هذه الحملة في نفس الوقت تمثل ثأراُ من الفرنج الذين اغاروا على الفرما وخربوها في العام السابق.

مؤامرة اغتيال بن السلار

أدى التنافس على الوزارة إلى إشاعة الفوضى في البلاد، كما أن الفساد بلغ القصر الفاطمي نفسه الذي حيكت فيه المؤامرات وكثرت فيه المفاسد الأخلاقية بين سكانه، وتبعا لابن ظافر وابن الأثير فقد لعب أمير شيزر أسامة بن منقذ، الذي قدم إلى مصر في جمادى الآخرة سنة 539 ه/ 1144 م، دوراً كبيراً في حبك هذه المؤامرات واذكاء هذه الفتن، فقد اتصل أسامة بالوزير بن السلار الذي أكرم مقدمه، وتختص بصحبة ابن زوجته الأمير عباس الصنهاجي.

وقد تأكد لـ بن السلار أن الفرنج في طريقهم إلى الاستيلاء على عسقلان في أعقاب محاولته مهاجمة مدن الشام الساحلية في عام 546 ه/ 1151 م، وكانت العادة جارية كل ستة أشهر بتجريد عسكر من مصر لحفظ عسقلان، وجاء الدور في هذه النوبة على عباس الصنهاجي، فخرج ومعه نفر من الأمراء فيهم ملهم وضرغام وأسامة بن منقذ.

نزل عباس ومن معه في بلبيس في انتظار قدوم العساكر فما كان من أسامة الا أن حرض عباسا على العادل بن السلار بعد أن شك له اختياره لهذه المهمة وابعاده عن مصر بطيبها وحسنها ولذة المقام بها وقال له انه لو أراد لكان سلطان مصر وطلب اليه ان يستغل المودة القائمة بين ولده نصر والخليفة الظافر وينقل إليه رغبته في أن يحل محل بن السلار وان الظافر سيجيب إلى طلبه لكرهه لـ بن السلار ومتى أجابوا إلى ذلك قتل عمه وقد نجح نصر في اتمام هذه المهمة بنجاح وقتل الوزير بن السلار في ستة محرم سنة 584 هجريا ثلاثة نيسان سنة 1153 ميلاديا.

لم تمضي مؤامرة مقتل بن السلار دون مقاومة، فقد تجمع أصحابه وغلمانه واعلموا الشغب ضد الظافر وخرجوا إلى ظاهر القاهرة، ورغم محاولات الظافر استمالتهم إلا أنهم خرجوا ليلاً إلى دمشق، ونكل الظاهر بجثة بن السلار وحملت رأسه إلى الخليفة ورفعها للناس ليروها من باب الشهب، ثم وضعت بخزانة الرؤوس في بيت المال.

كانت ردة الفعل المباشر لقتل الوزير بن السلار، هو استيلاء الصليبيين على مدينة عسقلان التي وقعت في أيديهم في 27 جمادى الأولى سنة 548 ه/ 20 آب سنة 1153 م، ولذلك فقد الفاطميين آخر ممتلكاتهم في الشام.

بينما يروى أسامة بن منقذ في كتابه "الاعتبار" بعض الوقائع من عصر بن السلار، ومنها تفاصيل عرض التحالف مع الملك العادل نور الدين لقتال الصليبيين، والذي كان ابن منقذ هو سفير الوزير به، وكانت الخطة التي رسمها بن السلار أن يهاجم نور الدين طبرية ليقوم هو بالهجوم على غزة وكانت في يد الصليبيين، حيث كانوا يتجهون نحو المدينة ليتخذوها موقعاً متقدماً للهجوم على عسقلان، وذلك مقابل 6 ألاف دينار مصري، وعندما اعتذر نور الدين سدد ابن منقذ بهذا المال ديون بعض من جنود نور الدين.