من خانقاه صلاح الدين لجامع الشيخ الكردي.. جولة رمضانية في رحاب المزارات الكردية بشارع المعز

تمتزج في شارع المعز لدين الله الأجواء الرمضان المميزة فيه بالآثار الكردية للقادة الكرد العظام والتي أصبحت شاهدة على إنجازاتهم وأعمالهم التي غيرت مسار التاريخ.

لا يمكن أن تشعر بشهر رمضان الفضيل وأجوائه في مكان أكثر من شارع المعز لدين الله في منطقة مصر القديمة في القاهرة حيث تنبع من مساجدها العتيقة نفحات روحية تتنفسها في رمضان خاصة في لياليه على المقاهي والمطاعم على الطراز الإسلامي لتشعر وكأنك عدت قرونا للوراء، ويمتزج هذا الشعور مع الإحساس بأنك انتقلت إلى أحد المتاحف المفتوحة الكردية من كثرة ما يحتويه الشارع من آثار كردية هامة خاصة المرتبط منها بالدولة الأيوبية بداية من مؤسسها صلاح الدين ووصولاً لآخر حكامها نجم الدين أيوب، وانتهاء بالشيخ الكردي الذي يقع جامعه في نهاية الشارع.

كشفت سعاد ماهر، عميدة كلية الآثار السابقة بجامعة القاهرة، أن العمارة الأيوبية تتميز بعدة مميزات منها العمارة العسكرية والتي برزت في قلعة الجبل المسماة بقلعة صلاح الدين كما تميزت بإنشاء الأضرحة، حيث أقاموا أضرحة أهل السنة على غرار ما فعله الفاطميين الشيعة.

وعدت سعاد ماهر في كتابها مساجد مصر وأولياؤها الصالحون، المساجد المنسوبة للكرد في شارع المعز لدين الله الفاطمي وخاصة المنسوبة إلى الدولة الأيوبية، والتي تبدأ بالمدرسة  الفخرية وهي المنسوبة إلى الأمير فخر الدولة أبو الفتح عثمان بن قزل البارومي، استادار الملك الأيوبي الكامل محمد، والتي تقع في شارع درب سعادة المتفرع من شارع المعز لدين الله وجددها بعد ذلك السلطان جقمق.

وأضافت عميدة كلية الآثار السابقة بجامعة القاهرة، أن من الآثار الكردية الهامة هي المدرسة الكاملية والتي بناها أيضا السلطان الكامل محمد، وهي أول مدرسة للحديث في مصر وثاني مدرسة في العالم الإسلامي، وبقي منها الإيوان الشمالي الغربي المقابل لإيوان القبلة وجزء من الإيوان الجنوبي الغربي.

وبينت سعاد ماهر، أن من الآثار الكردية الهامة في الشارع مدرسة وقبة السلطان نجم الدين أيوب والذي يعد آخر سلاطين الدولة الأيوبية في مصر، وتتكون المدرسة من قسمين تقسمها الحارة الصالحية يربط بينهما عقدان يحملان المئذنة، لم يتبقى من الجزء الجنوبي سوى واجهته فقط بينما بقي الإيوانين و يجاورها ضريح نجم الدين أيوب وهو من أجمل ما أبدعه الكرد في شارع المعز.

بينما استكملت المؤرخة المصرية ذات الأصول الكردية درية عوني، الآثار الكردية داخل شارع المعز والشوارع المحيطة به، والتي تأتي على رأسها خانقاه سعيد السعداء والتي أنشأها السلطان صلاح الدين الأيوبي وكانت في الأصل دار سكنية أمر صلاح الدين أن توقف على فقراء الصوفية وجددها ابنه العزيز عثمان، ثم جددت مرة أخرى في عهد الأشرف قايتباي.

وأرخت عوني في كتابها "الكرد في مصر عبر العصور"، للشيخ أحمد الكردي صاحب جامع الكردي الموجود في نهاية شارع المعز بمنطقة الخيامية، والذي ألف عدة كتب منها "تعليق التعليق" و"قراءة الكمال".

 

كشف حسام زيدان، الباحث الأثري ومؤسس مبادرة سراديب، أن شارع المعز يعتبر أكبر متحف أثري مفتوح، ولذلك يكون له أجواء مختلفة في شهر رمضان المبارك، خاصة ليلاً في فترة ما قبل الإفطار بساعة وحتى وقت السحور.

وأكد زيدان في تصريح خاص لوكالة فرات، أن صلاح الدين الأيوبي كان له دور هام في تحويل مسار شارع المعز بعد القضاء على المذهب الفاطمي الشيعي، حيث قام بمحاربة الفكر بالفكر وفتح المدارس التي تدرس المذهب السني والتي نجدها في الشارع مثل المدرسة الكاملية والخانقاوات مثل خانقاه سعيد السعداء التي أنشأها في حي الجمالية، وبذلك نجح في استعادة مصر إلى الدولة العباسية مرة أخرى، وهو لم يجد صعوبة في ذلك لأن الشعب المصري لم يتشيع وظل سنياً رغم حبه لآل البيت.

وأضاف الباحث الأثري ومؤسس مبادرة سراديب، أن صلاح الدين الأيوبي أنشأ الخانقاوات كبديل لمظاهر الاحتفالات الفاطمية ومجالس الشعر الفاطمية لتكون بديلاً عبر احتفالات الصوفية والتي كان لها طابعها الخاص في رمضان وباقي أيام الاحتفالات الدينية.

وأوضح زيدان، أن شارع المعز كان يعد قصبة القاهرة في زمانه وكانت له مراسمه وتقاليده في رمضان في عصر الدولة الأيوبية وما بعدها، بدء بالفوانيس وتعليقها والتي ظهرت في العصر الفاطمي واستمرت بعد ذلك، ومد الأسمطة أو موائد الإفطار سواء في شارع المعز أو في خيمة عظيمة داخل مقر حكم السلطان في القلعة.

وبيّن الباحث الأثري ومؤسس مبادرة سراديب، أن الأمر لم يقتصر منذ العصر الأيوبي على مد الأسمطة ولكن ظهرت فكرة توزيع الأموال أو الجاكمجية التي كان يوزعها السلطان على الأمراء وهم يعطوها لمن هم أدنى منهم حتى تصل لرب الأسرة يعطيها للأولاد والتي منها ظهرت فكرة العيدية.

وأشار زيدان إلى أن بعض المزارات الكردية المرتبطة بشهر رمضان مثل المدرسة الكاملية والتي أنشئت على أنقاض الباب الشرقي للقصر الفاطمي والمسمى بباب والذي كان يوزع منه اللحوم والطعام في الأسمطة وكان يقع على مقربة منه باب العيد والذي كان يخرج منه الخليفة في أيام العيد ليوزع المال على الأمراء.

كما تطرق زيدان لأجواء رمضان الحالية داخل شارع المعز، مبيناً أن الشارع يتميز بأنه يجاور حي شعبي وهو حي الجمالية، ولذلك تجد مختلف الأطعمة بأسعار تناسب الجميع وتجد المقاهي الشعبية منتشرة، ويكفي المسير فقط في الشارع بعد الإفطار لتستشعر بأجواء رمضان والتي لا يمكن أن تعيشها في أماكن أخرى أكثر تكلفة من شارع المعز.