نتيجةً موقعها الأثري والاستراتيجي الهام.. مقاطعة منبج تُعتبر متحف طبيعي
تحتل منبج، المدينة القديمة في سوريا، موقعاً إستراتيجياً هاماً في المنطقة الفاصلة بين شرقي نهر الفرات وغربه.
تحتل منبج، المدينة القديمة في سوريا، موقعاً إستراتيجياً هاماً في المنطقة الفاصلة بين شرقي نهر الفرات وغربه.
اشتهرت مقاطعة منبج بتاريخها في مقارعة الروم خلال القرون الإسلامية الأولى، وبكونها موطناً من الشعراء والأدباء والمثقفين العرب الكبار، كما كان لها دوراً كبيراً في أحداث الثورة في سوريا.
موقعها
تقع مقاطعة منبج شمال شرقي ريف مدينة حلب (شمالي سوريا) التي تبعد عنها نحو 80 كم، وهي على أرض فسيحة ترتفع نحو 398 متراً عن سطح البحر، ولا تبعد سوى 30 كم، من النقطة الحدودية الفاصلة بين سوريا وتركيا.
تاريخها
تمتعت منبج بمكانة تاريخية كبيرة بفضل موقعها الاستراتيجي الهام، فهي تعد المنطقة الفاصلة بين شرقي نهر الفرات وغربه، وقريبة من نهر الفرات والحدود السورية التركية ومدينة حلب، وعقدة الطرق المؤدية إلى مختلف مناطق الريف الشرقي والشمالي لحلب، وبسبب ذلك اشتهرت بتاريخها في مقارعة الروم خلال القرون الإسلامية الأولى. وإضافةً إلى ذلك ظلت دائماً مركزاً للحراك الثقافي والاجتماعي الحي، فغالبية سكان منبج من العرب السُنة يتبعون "المذهب الشافعي أو الحنفي"، بالإضافة إلى أقلية الكردية والشركسية والتركمانية.
المعالم
تُعد مقاطعة منبج من المدن السورية التاريخية وفيها مواقع أثرية عديدة منها، لعل أبرزها قلعة أم السرج، واشتهرت بإنجابها عدداً من الشعراء والأدباء الأقدمين مثل، دوقلة المنبجي، البحتري، الذي تنسب إليه فيقال لها "مدينة البحتري"، كما ولد بها الشاعر المعاصر الشهير عمر أبو ريشة.
اندلاع الثورة السورية ومشاركة مقاطعة منبج بالاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام السوري
وحين اندلاع الثورة في سوريا شاركت منبج بفعاليات في أنشطتها واحتجاجاتها المطالبة بإسقاط النظام السوري، وبحلول تموز 2012 قام ما يسمى بالجيش الحر التابع للمعارضة السورية بالسيطرة على تلك المنطقة، فطرد منها أجهزة الأمن الموالية للنظام السوري، وأنشأ وحدات أمنية بديلة عنها وجهازاً قضائياً جديداً لبسط سلطة دولة القانون.
أحداث سيطرة الظلام على مقاطعة منبج
وفي يوم 23 كانون الثاني 2014 سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مقاطعة منبج بعد معارك شرسة مع ما يسمى بالجيش الحر، وتمكنت من إدارة شؤونها، وأصبحت تمثل لها قاعدة استراتيجية لأنها تقع على الطريق الممتد من الشمال إلى الجنوب بين جرابلس التي يسيطر عليها التنظيم أيضاً، على الحدود مع تركيا، وكانت مدينة الرقة، هي "عاصمة" لتنظيم داعش الإرهابي في سوريا آنذاك.
وفي 31 أيار 2016 بدأت قوات سوريا الديمقراطية عملية عسكرية شاملة على مقاطعة منبج لاستعادتها من أيدي تنظيم داعش الإرهابي الذي ارهب الأهالي بثقافتهم وهويتهم وتراثهم، لكن أهالي منبج لم يلتزموا الصمت بل رفعوا أصواتهم مناديين برفع الظلم والاضطهاد عنهم، فجاء رد قوات سوريا الديمقراطية لخلاصهم من هذا الظلم، وعندما قامت القوات بتحرير تلك المدينة من رجس تنظيم داعش الإرهابي، أعادوا لهم الحياة والحرية والديمقراطية، والثقافة والإرث الحضاري، كما الآن هي مقاطعة منبج تزدهر بأمنها وأمانها واستقرارها.
وحول هذا الموضوع، أجرت وكالة فرات للأنباء لقاءً مع رئاسة قسم الدراسات الأثرية في مديرية الآثار، في مقاطعة منبج، عبد الوهاب عبد الوحيد الشيخو، وفي بداية حديثه عن أهمية تاريخ منبج، قال: "تعتبر مقاطعة منبج عبر التاريخ بمثابة متحف طبيعي نتيجةً لموقعها الاستراتيجي الهام ومناخها المعتدل، فهي تعد نقطة عبور ومرور من الحضارات القديمة من وإلى بلاد الشام وبلاد ميزوبوتاميا، فقلعة نجم تعتبر بوابة الدخول والعبور والمرور إلى بلاد الشام، وكذلك مقاطعة منبج مروراً بمدينتي حلب ودمشق هي تعتبر من أقدم المواقع الاستيطان البشري في الشرق الأوسط وفي سوريا وشمال وشرق سوريا، فلها أهمية دينية وعسكرية وسياسية وأدبية وثقافية كونها ولادة بالشعراء والأدباء".
وأضاف: "نتيجة الغزو الفارسي في القرن السادس ق.م تم تهجير العقول والخبرات والخامات والقامات من مقاطعة منبج واجبروا بالذهاب إلى الشاطئ السوري، وأسسوا مدن في اليونان والساحل السوري، حتى أن التسميات مصدرها يعتبر من مقاطعة منبج والشرق الأوسط كما ذكر الكثير من علماء التاريخ والذي ذكرها "لوسيانوس السميساطي" عن مقاطعة منبج الذي ولد في عام 125 وتوفي في عام 190، سلط الضوء على هذه المدينة الفاضلة وعلى معابدها معبد هيرا، ومعبد أتاركاتيس، والطقوس والذبح، كما ذكر أن من بناها هو دونيسيوس أبن سيميلا وزيوس، فتوجد حالياً لوحات فسيفساء في القسم الشمالي من مقاطعة منبج تؤكد هذه الرواية".
وأوضح عبد الوهاب خلال حديثه أن نتيجةً لعمل وأبحاث البعثات الأثرية العاملة في سوريا في شاطئ الفرات ونهر الساجور ومصب الساجور في الهوشرية، كشفوا اللثام عن هذه المدينة الفاضلة كالجرف الأحمر 9500 ق.م، موقع تل حالولة، وتل جعدة المطارم، وتل حديدي، كما هناك أكثر من 70 موقع أثري يعتبر بمثابة متحف طبيعي لتسلل العصور الزمنية والتاريخية عبر التاريخ تم من خلالها تسليط الضوء".
منبج كان لها عدة تسميات وألفاظ كثيرة
كما أفصح عبد الوهاب في حديثه، عن عدة مسميات لمقاطعة منبج وهي يارا بوليس، مابوغ، (Mabog) وذلك عندما سيطر الآشوريون على منبج، كانت تُسمى آنذاك نامبيجي (Nampige) أي النبع، بينما دعاها الآراميون نابيجو (Nappigu)، وتابع في قوله "قد حُرف هذا الاسم مع الزمن فأصبح مابوغ (Mabug) أي النبع أيضاً، ودعاها اليونانيون باسم بامبيكة أو بامبيسي (Bambyce)، وفي العصر الروماني عُرفت باسم هيرابوليس (Hierapolis) أي المدينة المقدسة، و(أبروقيش أو أبروقليس) تُعني مدينة الكهنة، (ليتا آشور Lita-Ashur)، و(أديسه Edessa)، و(العواصم)، و(منبه)، و(سرياس)، ومن هذه التسميات العظيمة وهي مشهورة عند علماء الاركلوجيا في كل أنحاء العالم نتيجةً لباعها الطويل في التاريخ والإرث والتراث الإنساني".
وقال: "مقاطعة منبج كما ذكرنا سابقاً نتيجةً للحملات الانقاذية في عام 70 عند إقامة سد تشرين تم الكشف عن الكثير من المواقع الأثرية القلاع والحصون منها موقع الجرف الأحمر، تل حالولة، تدجين أول حبة قمح، قلعة أم السرج التي تعتبر بمثابة أثنيا الاكربول ومجمع المعابد والأبنية الدينية والمدنية وقلعة نجم الأثرية".
هناك أكثر من 70 موقعاً أثري في منبج
وبيّن الخبير في المجال الأثري، أن هناك أكثر من 70 موقع أثري تم تصنيفهم وعمل الدراسات والمسوحات الأثرية على هذه المواقع منها ما عملت به البعثات الأثرية العاملة، كموقع تل حديدي عام 74، حيث عملت به البعثة الهولندية الأمريكية، وموقع جبل خالد عملت به البعثة الأسترالية من جامعة مالبورن، وموقع الهوشرية والعديد من المواقع الأثرية".
ولفت الانتباه حول الأماكن الأثرية، قائلاً: "في عام 2009 عملت به البعثة السورية الفرنسية المشتركة في محيط الملعب البلدي وفي محيط الكنيسة السريانية، لكن من خلال تسليط الضوء على الفن المدفني هناك قسم وجناح خاص في متحف حلب وهو خاص لمقاطعة منبج وأشهر ما يميز منبج كمدينة داخل السور القديمة في الفترة اليونانية والرومانية والبيزنطية حيث كانت منبج عاصمة سوريا الفراتية".
وتابع بالقول: "في الفترة الإسلامية أطلق عليها هارون الرشيد أسم "مدينة العواصم"، طبعاً العديد من الأماكن، وحالياً نحن نسعى لتصنيف المواقع الأثرية المنسية منها القرى الأثرية لتجميع وعمل خارطة أثرية لمقاطعة منبج".
كما أوضح أن هناك مواقع أثرية داخل المدينة القديمة منها الاكربول وهي "التبة"، المعروفة حالياً، ومعبد هيرا التي هي سيدة الزواج والرباط والمقدس، ومعبد "اتارجاتيس"، والمدن المدفنية تم تنصيف هذه، ومنها ما تم التعدي عليها ما بعد عام 2011، ومديرية الآثار منذ تأسيسها في عام 2017 لحماية المواقع الأثرية".
وفي ختام حديثه، قال رئيس قسم الدراسات الأثرية في مديرية الآثار، في مقاطعة منبج، عبد الوهاب عبد الوحيد الشيخو: "يعد أكثر المواقع الأثرية على الطرف الشمالي على ضفة نهر الساجور هي تل عرب حسن وتل عون الدادات، وموقع الهوشرية التي عملت به البعثة الدانماركية، وفي الطرف الشمالي الغربي الصيادة والعوسجلي، وتل فاطمة والعديد من المواقع الأثرية ضمن الحدود الإدارية أكثر من 70 موقع أثري تم تصنيفه، وحالياً هناك حراس ومراقبين لهذه المواقع الأثرية من أجل حمايتها".
دور الثقافة والإرث الحضاري في منبج ما قبل الثورة وما بعدها
ومن جانبه قال الرئيس المشترك لاتحاد المثقفين في مقاطعة منبج، أحمد اليوسف، عن مقاطعة منبج التي هي ولادة الشعراء والأدباء والمثقفين: "مقاطعة منبج منذ القدم عُرفت بأنها مدينة الشعراء، تلك المدينة التي ولدت فحول الشعراء بدءاً من دوقلة المنبجي إلى البحتري وإلى عمر أبو ريشة، وإلى أبي فراس الحمداني وإلى محمد ملا غزيل، وإلى الكثير من الشعراء المعاصرين الذين تركوا بصماتهم في مسيرة الأدب وما زالوا يتصدرونها حتى وقتنا الراهن".
وأضاف: "منبج مدينة عريقة بتاريخها وثقافتها وبكتابها وأدباءها، وعريقة بشعبها الذي يعشق الثقافة، فمنذ القدم كان المركز الثقافي ممتلئاً بأهالي منبج ومحبين للقراءة والثقافة وللأدب، فهذا الأمر كان جيداً للغاية، فمقاطعة منبج الآن عُرفت أكثر بالبحتري الشاعر العباسي الذي كان من أشهر أبناء العصر، وكان البحتري، أبو تمام، المُتنبي، أشهر ثلاثة في ذلك العصر، وقال عنه أبو علاء المعري أبو تمام والمُتنبي حكيمان والشاعر البحتري، لأنه كان متفوقاً وحين زارَ أبو تمام مدينة حمص وعرض عليه سعره قال له أنت صاحب الشعر من بعدي، فهو تلميذ أبو تمام ولكنه تفوق في الكثير من الأمور فأبو تمام كان يعتمد على الفلسفة لكن البحتري كان شاعراً سلس العبارة وعذب ويطرب، وكان شاعراً لدى بلاد المتوكل والكثير من الخلفاء العباسيين".
استمرار الإرث الحضاري والثقافي
وتابع اليوسف حديثه عن مرحلة طمس الثقافة والإرث الحضاري في منبج، قائلاً: "إذاً هذه المسيرة الغنية لابد أن تثمر وتستمر وتكتمل وتبقى، لكن في الفترات السابقة بعد الأحداث التي حصلت وتعرضت لها منبج والتيارات التي مرت عليها أثرت بشكل كبير على الحركة الثقافية في المدينة، ولا سيما مرحلة تنظيم داعش في منبج التي طمست الثقافة بكل جوانبها، وغزت الثقافة والعقول وكان عدو كبير للمثقفين، لأن المثقفين هم أصحاب التنوير والفكر الذي يعيد الناس دائماً أو يطلب منهم أن يبقوا في الطريق الصحيح المعتدل".
تنظيم داعش كان عدواً للثقافة والشعراء
كما لفت الانتباه إلى طمس الثقافة في مرحلة تنظيم داعش، وقال: "تنظيم داعش كان عدو للثقافة والمثقفين والكُتاب والشعراء، فحاول بشتى الطرق أن تطمس هذه الثقافة والإرث الثقافي الموجود لدى أهالي منبج، فبعد تحرير مقاطعة منبج من رجس تنظيم داعش الإرهابي على يد قوات سوريا الديمقراطية، فكان لا بد من إعادة لم شمل المثقفين، وإعادة الحركة الثقافية إلى مسيرتها الأولى، فالإدارة الذاتية لم تتوانى بتقديم الدعم لهذا المشروع، مشروع الثقافي والحركة الثقافية فكان هناك دعم وتشجيع من الإدارة الذاتية وقدموا كل ما يلزم من أجل إعادة وتبني المؤسسات الثقافية من جديد، والآن تلعب هيئة الثقافة في مقاطعة منبج دوراً كبيراً في هذا الصدد، وتقدم الخدمات اللازمة للمثقفين والحركة الثقافية".
المكتبة المليئة بالكتب هي أساس الحضارة والإرث الثقافي
وقال أحمد اليوسف: "تعتبر مكتبة محمد ملا غزيل التي عملت على تطويرها الإدارة الذاتية وتشرف عليها هيئة الثقافة في منبج ذو دور هام في الحفاظ على الإرث الثقافي، والتي تحتوي على 17،000 عنوان، وبعد مرحلة تنظيم داعش كانت تلك المكتبة مشتتة، ولكن تم إعادة جمعها وإنشاء هذه المكتبة بدعم من قبل الإدارة الذاتية، والآن هناك فعاليات ثقافية مستمرة وأنشطة على كل المستويات ودعم للشباب المثقفين، وأيضاً يتم تحضير لملتقى ثقافي لمدة 3 أيام على مستوى شمال وشرق سوريا يجمع كافة أدباء وكتاب مناطق شمال وشرق سوريا، وهناك أيضاً محاولات جادة لطباعة الكتب، وأيضاً مساهمات كبيرة من كتاب ومثقفين من أبناء مقاطعة منبج في كتابة المجلات الثقافية التي تصدر في شمال وشرق سوريا، كما لاتحاد المثقفين الذي يعتبر رديف لهيئة الثقافة وهو من تنظيمات المجتمع الديمقراطي الذي يمثل كافة المجتمع المدني والمثقفين على اختلاف آرائهم وانتماءاتهم السياسية والفكرية، دور للحفاظ على إرث وثقافة مقاطعة منبج".
وأضاف: إن الحركة الثقافية في مقاطعة منبج ليست وليدة اللحظة، ولكنها تعرضت لتراكمات كثيرة ونكسة في مرحلة سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، والآن تعود أيضاً إلى الواجهة، حيث أثبت مثقفو منبج جدارتهم على مستوى شمال وشرق سوريا في المسابقات الأدبية ومشاركاتهم في كافة ميادين الثقافة وإبراز بصمتهم الجميلة".
لا يمكن أن تتقدم أمةٌ دون أن تقرأ...
كما أكد بدوره كعامل في الحقل الثقافي، على السعي للأفضل، وقال: "نحن بدورنا كعاملين في الحقل الثقافي وخدمة المثقفين دائماً نسعى للأفضل لنكون على قدر اسم هذه المدينة المقترن بالأدب، فمنبج معروفة بأنها مدينة الشعراء والأدباء والثقافة، لذلك يجب أن نكون على قدر هذا الاسم، وأدعو من هذا المكان كل الشبيبة المثقفين في مقاطعة منبج الاتجاه إلى هذه المكتبة الغنية والتي تُعادل تراث العالم كله، والعودة إلى الحضارة، لأن الحضارة والبناء يبدأ من هنا".
وفي ختام حديثه، قال الرئاسة المشتركة لاتحاد المثقفين في مقاطعة منبج، أحمد اليوسف: "لا يمكن أن تتقدم أمة بدون أن تقرأ، فيجب أن تقرأ، أقرأ لكي تتطور وتتقدم، يجب ألا نستمر ونبقى سجناء هذا العصر السريع والانترنت والوسائل التواصل الاجتماعي التي أبعدت الناس عن الواقع، فيجب أن نعود إلى تلك الرفوف ورائحة الكتب، والتراث الموجود بين الكتب، لنبني مجتمعاً سليماً وقادراً على أن يتخلص من كل مشاكله التي لا تعرض لها ولايزال".
دور تهميش الأهالي والعشائر في منبج في زمن حكومة دمشق والفصائل المعارضة وتنظيم داعش
وبدوره لفت الدكتور والرئيس المشترك لمجلس الشعوب في مقاطعة منبج، فاتح المشهد الانتباه إلى التهميش الذي تعرض لها مقاطعة منبج من خلال سيطرة حكومة دمشق، ومن ثم ما يسمى بالجيش الحر، ومن بعده سيطرة تنظيم داعش على المنطقة، وتطرق إلى بعض الأمور والمشكلات والمعاناة التي واجهها الأهالي والعشائر، وقال: "اليوم سنتحدث ونوضح ونكشف عن التهميش الذي أصاب المجتمع والمكون العربي والكردي والمكونات الأخرى في السنوات الماضية زمن حكومة دمشق أو ما قبل الأزمة السورية، كان هناك عدة نقاط سنتطرق لها؛ النقطة الأولى؛ تهميش دور العشائر ومثقفين أبناء مقاطعة منبج في اتخاذ القرارات الضرورية اللازمة التي تساعد على تنمية قدرات المجتمع، الفكرية، الأدبية، التعليمية، ثانيا؛ تهميش دور أبناء العشائر ونحن كمجتمعات ريفية عانينا من هذا التهميش، فلم يستطيع أحد أن يشارك في القرارات ذات الصلة في المجال التعليمي أو الاقتصادي، فكانت الأوامر تصدر مركزية، ونحن كشعب علينا تطبيق هذه القرارات أن كانت في رسم سياسات التعليم أو الاقتصاد أو الثقافة أو حتى الأمن، فلم يستطع أبناء مقاطعة منبج في اتخاذ القرارات هذه وكانت لها أثار سيئة لأنها كانت مركزية".
عدة سنوات أهالي وعشائر منبج يُعانون من تهميش وعدم إبداء الرأي
كما بين فاتح المشهد في حديثه عن المعاناة والتهميش والضغوطات التي تعرضوا لها، وقال: "عدة سنوات ونحن نعاني من تهميش في مجال التربوي والاقتصادي، نحن بصفتنا شعب معتمد على الزراعة والثروة الحيوانية، فكان لنا دور ضعيف جداً في إيجاد خطط زراعية وتنموية تساعد على الرقي والانتعاش من الناحية الاقتصادية، أما من الناحية التعليمية كان هناك يوجد مدارس، ولكن هذه المدارس تُدرس مناهج تعليمية ذات صفة مركزية".
كما تطرق إلى دور العشائر قديماً التي كانت تُحل النزاعات بين بعضها البعض، ولكن جاءت حكومة دمشق لطمس تلك العادات، مضيفاً "لم يكن لعشائرنا هذا الدور أبداً، فكانت قديماً أي شيخ عشيرة يحل أكبر وأكثر المشكلات، ولكن في الفترة الأخيرة المشكلات كانت تُحل عن طريق المخافر والفرع الحزبية والجهات الأمنية، وتقوم بالتدخل حتى بشؤون العشائر وتُحل المشكلات عن طريقها، فكان علينا ضغط بإبداء الرأي، فالرأي كان محجوب كانت الديمقراطية في ذلك الزمن ضعيفة جداً ونحن كنا نسعى دائماً إلى إيجاد نوع من أنواع إبداء الرأي أو الديمقراطية في إبداء الرأي، ولكن جوبت هذه بالضغط وبالتكتم على آرائنا، حتى لم نستطع إيصال صوتنا إلى الجهات العليا".
لماذا كان المجتمع السوري لم يستطيع إبداء رأيه...؟
وأوضح فاتح المشهد، خلال حديثه، عن ضعف إبداء الرأي في المجتمع، وقال: "كان دور المجتمع السوري الريفي بشكل عام في جميع المحافظات ضعيف جداً في اتخاذ القرارات، مما أدى إلى إحداث فوضى التي أصابت بلادنا من جميع النواحي، سوريا كانت من أوائل الدول في الاقتصاد والزراعة والتربية والتعليم ولكن كانت هذه الأمور محصورة ومسيسة ولم نستطيع أخذ نصيبنا من هذه الثروات وهذا الإرث الثقافي الكبير الذي ورثوه لنا أجدادنا وأباءنا وتاريخنا".
وفي ختام حديثه قال الدكتور والرئيس المشترك لمجلس الشعوب في مقاطعة منبج، فاتح المشهد: "تعتبر سوريا أولى الحضارات في العالم من الناحية الفكرية والثقافية والاجتماعية، فمن الناحية الاجتماعية هي فسيفساء من جميع المكونات، خاصةً مقاطعة منبج لأن لها تاريخ عريق من جميع النواحي، كانت هي المدينة السباقة من رجال فكر وأدب مشهورين على مستوى العالم العربي ومنطقة الشرق الأوسط أيضاً، وخريجين من جميع الاختصاصات إذ اضطروا بالخروج إلى دول الخليج وأوروبا لأنهم لم يستطيعوا تحقيق أمالهم في هذه المنطقة وإبداء آرائهم، لأن كان الأمر مركزي بحت من قبل حكومة دمشق".