زلزال المغرب.. لماذا رفضت "الرباط" مساعدات الجزائر الإنسانية؟

لا تزال أصداء زلزل المغرب تتواصل، ومع وقع المأساة التي خلفتها الكارثة ليس للشعب المغربي فقط بل للعالم كله أثير جدل واسع بشأن أنباء تقول إن "الرباط" رفضت مساعدات كانت تعتزم الجارة الجزائر إرسالها.

وقالت وسائل الإعلام الجزائرية إن الجزائر خصصت 3 طائرات تابعة للنقل الجوي كانت ستقل فريقاً للتدخل والإنقاذ ومساعدات إنسانية تشمل خيماً وأفرشةً وأدويةً ومواداً إغاثية، وقد أبلغت وزارة الشؤون الخارجية الجزائرية نظيرتها المغربية بذلك، لكن ما أثير أنه قد تم إبلاغ القنصل الجزائري بالدار البيضاء أن الرباط ليست بحاجة إلى المساعدات المعروضة.

هذا سبب الرفض المغربي

في هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي المغربي عزيز بيلبودالي، لوكالة فرات للأنباء (ANF) إن التجارب السابقة في مواجهة الكوارث الطبيعية جعلت المغرب متريثاً في جدولة المساعدات الأجنبية، فمباشرة بعد وقوع الزالزل، انهالت على المغرب عديد من عروض تقديم المساعدة وصلت حسب معطيات مؤكدة إلى 60 عرض من مختلف دول العالم.

وأوضح أن المغرب لم يتسرع في قبول كل تلك العروض، في الوقت الذي وافق فيه على تلقي المساعدة من قبل أربع دول فقط وهي إسبانيا وبريطانيا وقطر والإمارات، وحسب ما أعلن عنه رسميا، فالسلطات المغربية لم تعلن أبدا رفضها عروض الدول الأخرى، حيث أوضحت أنها تدرس وضع جدولة لبرنامج التدخل والإغاثة في المناطق المنكوبة.

ويرى "بيلبودالي" أن هذا القرار يأتي إدراكاً من الحكومة المغربية أن فتح أبواب المساعدات الأجنبية سيربك عمليات الإغاثة، لكون الأمر يتطلب تنسيقاً وترتيبات لا مجال فيها لحضور كثيف سيفقد عملية التدخل تنظيماً مرتباً وإيجابياً ومفيداً، لافتاً إلى أن المغرب يجر خلفه تجربة كبيرة في مواجهة آثار الكوارث الطبيعية، ويعي جيداً من ذلك المنطلق أن جهود الإنقاذ تتطلب حضور الخبراء بقلتهم أفضل من الكثافة في حضور فرق إغاثة سيكون من الصعب تنسيق جهودها وعملها.

ويدلل الكاتب الصحفي المغربي، في سياق حديثه لوكالة فرات للأنباء (ANF)، على وجهة نظره بزلزال إقليم الحسيمة سنة 2004، حيث سمحت السلطات حينها باستقبال عروض الدول التي عبرت عن رغبتها في المساهمة في عمليات الإنقاذ، إذ تحول الأمر إلى شبه فوضى أثرت بشكل سلبي على كل عمليات الإغاثة، وعرقل تزاحم فرق الدول الأجنبية في وصول إمدادات التدخلات وشكلت عرقلة حقيقية لكل العملية.

مضيفا أن السلطات انشغلت في تلك الكارثة بعمليات استقبال الفرق الآتية من الخارج وتوفير ظروف إقامتها وتغذيتها ونقلها، في الوقت الذي كان من المفروض أن تولي كل اهتمامها لموضوع الإنقاذ والتدخل السريع، وقال إن اختيار "الرباط" دول إسبانيا وإنكلتر وقطر والإمارات العربية المتحدة يأتي انطلاقاً من تركيز السلطات المغربية على الأولويات في عمليات الإنقاذ والإغاثة، ولم تغلق الباب أمام العروض الأخرى إلى أن تتأكد من حاجتها لمساعدات أخرى.

وتحدث "بيلبودالي" عن موقف الجزائر وقال إنه حسب المعلومات التي لديه فإنه لم يكن هناك أي عرض للمساعدة، بل إن دولة الجزائر وحكومتها لم تقم كما فعلت كل دول العالم بتوجيه برقية عزاء وتضامن كأقل إجراء ديبلوماسي تقوم به الدول فيما بينها في مثل هذه الكوارث الطبيعية، وقال إن حكومة الجزائر أغلقت كل الأبواب أمام المجتمع المدني والشعب الجزائري الذي عبرت فيه العديد من الجمعيات والهيئات غير الحكومية عن رغبتها في الذهاب إلى المغرب والمساهمة في تقديم العون داخل المناطق المنكوبة بالزلزال.

ويرى مراقبون أن الخلاف بين المغرب والجزائر يعد أطوال نزاع داخل قارة أفريقيا وقد ارتبط في كثير من جوانبه بقضية الصحراء الغربية إذ تصر الرباط بأنها يجب أن تكون تحت السيادة المغربية، فيما تدعم الجزائر انفصالها وترى أحقيتها في دولة، إلا أن المؤكد أن هذا الخلاف مرتبط بحدود خلفتها الحقبة الاستعمارية، كما أن النزاع بين البلدين أخذ طابع التنافس كذلك على الزعامة الإقليمية.

أمر مثير للاندهاش

في المقابل، يؤكد الكاتب الصحفي الجزائري أحمد بوداود، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن بلاده قدمت بالفعل عرضاً للمساعدة إلى المغرب، وأصبحت التساؤلات حول أسباب رفض الرباط للمساعدات أمراً مثار نقاشات وعلامات استفهام كثيرة لا سيما لدى كثير من الإعلاميين والمؤسسات الاجتماعية في البلدين، معرباً عن اعتقاده بأنه في ظل مثل هذه الأزمات كان يجب أن تنحى جميع الحسابات والخلافات السياسية جانباً لأن الأمر هنا يتعلق بكارثة إنسانية.

وأضاف أن الجزائر كغيرها من الدول العربية والمسلمة بادرت إلى تقديم المساعدة وكان يجب تنحية الخلافات السياسية جانباً وهذا هو المنطق وكما تقتضي أخلاق الأمتين العربية والإسلامية، مؤكداً أن هناك حالة من الاستياء ليس في بلاده فقط بل داخل المجتمع المدني المغربي، إذ أن هناك استياء كبير من تصرف السلطات المغربية بهذا الشكل، وهذه المساعدات كانت موجهة من الأساس من الشعب الجزائري للشعب المغربي ولا تعني أي شيء ولا تدخل فيها الحسابات السياسية.

وأعرب الكاتب الصحفي الجزائري عن اندهاشه الشديد من قبول المغرب المساعدات من دولة الاحتلال الصهيوني المغصبة (إسرائيل) – حسب زعمه – قائلا إن هذا الأمر من المستغرب جداً والمعيب أن تقبل تلك المساعدات ولا يتم استقبالها من دولة عربية ومسلمة، علماً أن الرباط كانت تتغنى خلال الفترة الماضية بلغة التقارب مع الجزائر وتدعوها لفتح الحدود، لكن على الجانب العملي التصرفات جاءت بعكس ما يقال وعكس ما تحدث عنه العاهل المغربي محمد السادس في خطاب العرش.

وفي ختام تصريحاته قال "بوداود" أن الحكومة المغربية بهذا التصرف سدت الباب أمام أي اتفاق مستقبلي بين البلدين لتحسين العلاقات، والمساعدات الجزائرية وفتح الجزائر أجوائها بعد كارثة الزلزال ربما كانت ستكون بادرة لتحسين العلاقات لكن السلطات المغربية أغلقت الباب كما قلت، وبالتالي من الطبيعي جداً أن تحجم الجزائر عن الرد على أي خطاب متعلق بفتح الحدود بين البلدين.