طهران تتحدث عن "مباحثات استشرافية".. هل تطبع مصر علاقاتها مع إيران؟

تدور مباحثات استكشافية بين مصر وإيران لبحث تطبيع العلاقات بين البلدين، وإن كانت تجري بوتيرة بطيئة، لكن من الواضح أن هناك جدية في هذا المسار.

قبل أيام، أعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن بلاده تجري "مفاوضات استشرافية" لتحسين العلاقات مع مصر، على نحو يذكر بمسار تطبيع العلاقات بين مصر وتركيا، الذي بدأ بنفس المصطلح "المفاوضات الاستشرافية" التي تعددت جلساتها وصولاً إلى تطبيع كامل للعلاقات، بل وزيارة الرئيس التركي أردوغان إلى مصر.

وأكد عبد اللهيان أن تلك المفاوضات تجرى مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، لتحسين العلاقات بين طهران والقاهرة، واتخاذ خطوات مشتركة، مؤكداً أن هذا الطريق سيتواصل، وهذه التصريحات التي تأتي في ظل مرحلة حساسة في الشرق الأوسط، بل والعالم، والتي ما من شك أنه سيتمخض عنها تحولات كبيرة في خريطة العلاقات والتفاعلات بالمنطقة، لا سيما في ظل حرب غزة.

وقطعت العلاقات بين مصر وإيران عام 1980 بقرار إيراني بعد وصول نظام الخميني أو الولي الفقيه الذي أطاح بالشاه محمد رضا بهلوي، والأخير استقبلته القاهرة ودفن بها، وزعمت "طهران" وقتها أنها قطعت العلاقات مع القاهرة رفضاً لتوقيع الأخيرة اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، ثم تطلق لاحقا اسم الإرهابي خالد الإسلامبولي على أكبر شوارع طهران بعد قيادته عملية اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات.

ليست وليدة اللحظة..

لا يتوفر وصف.

في هذا السياق، يقول الدكتور محمد اليمني الخبير في العلاقات الدولية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن المشاورات الإيرانية المصرية ليست وليدة اللحظة، بل تعود إلى ما قبل ذلك، وقد شهدت تقدماً ملحوظاً في بعض الفترات، وحتى قبل الحرب على قطاع غزة، فنحن نتحدث تقريباً عن نحو عامين والعلاقات بين القاهرة وطهران في وضع جيد للغاية.

وأضاف اليمني أن الأمر يشبه التقارب المصري – التركي، مؤكداً أن من مصلحة دول مثل تركيا وإيران أن تسعى لإقامة علاقات جيدة مع مصر، وأن يكون هناك تطبيع للعلاقات، من أجل الحفاظ على مصالح تلك الدول وتعظيم الاستفادة المشتركة، لا سيما أن طهران تعلم أن القاهرة لها تأثيرها في الإقليم، وتأثيرها كثير من ملفات المنطقة، حتى لو واجهت أزمات في بعض الأوقات لكن مكانتها الإقليمية بقت كما هي.

ويتحدث أستاذ العلوم السياسية عن جانب مما هو خلف التقارب الإيراني المصري، وهو أنه لا عداء دائم ولا صداقة دائمة، وقد شهدنا أكثر من 10 سنوات من القطيعة بين مصر وتركيا، لكن كان للمصالح الكلمة العليا في مسألة التقارب بين القاهرة وأنقرة، لافتاً كذلك إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، وحتى الجامعة العربية استقبلت بشار الأسد، والرياض لعبت دوراً محورياً في ذلك.

وأعرب اليمني، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، عن قناعته بأنه سيكون تطبيع للعلاقات بين مصر وإيران، أو على الأقل خلال المرحلة المقبلة سيكون هناك تبادل للزيارات رفيعة المستوى وستتعدد اللقاءات بين قادة الدولتين، مشيراً إلى أننا خلال الفترة الماضية كان هناك لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الإيراني حسن روحاني، كما تعددت اللقاءات بين وزير الخارجية المصري سامح شكري ونظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

وقبل أيام اجتمع وزير الخارجية الإيراني مع نظيره المصري سامح شکري، على هامش اجتماع منظمة التعاون الإسلامي، وجرى خلال اللقاء بحث آخر تطورات الجهود لتعزيز العلاقات الثنائیة، بالإضافة إلى آخر التطورات في المنطقة، خاصة الأوضاع في غزة، حسب ما أعلن رسمياً.

والعام الماضي صرح عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني فدا حسين ملكي عن مباحثات في العراق للتقريب بين مصر وإيران، قائلاً إنه على طاولة المفاوضات العراقية نبحث مع القاهرة القضايا الثنائية والإقليمية والدولية، مشيراً إلى أن العراق يريد تطبيع العلاقات بين البلدين ويسعى لأجل ذلك، مؤكداً ترحيب الجانب الإيراني بتلك المساعي، علماً أن وزير الخارجية المصري نفى بعدها بأيام مسألة الحديث عن وساطة لبغداد.

يجب تطبيع العلاقات؟

لا يتوفر وصف.

"أنا من أنصار تطبيع العلاقات العربية مع تركيا وإيران"، بتلك العبارة استهل الدكتور مختار غباشي نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية حديثه لوكالة فرات للأنباء (ANF) للتعليق على تصريحات وزير الخارجية الإيراني، قائلاً إن تركيا وإيران دولتين كبيرتين وينبغي أن يكون هناك علاقات طبيعية معهما، وتوظيف تلك العلاقات لخدمة القضايا العربية، على حد قوله.

وأضاف غباشي أن طهران وأنقرة متداخلتان في كل الملفات والقضايا التي تخص العالم العربي، وبالتالي لا بد من فتح نوافذ حوار معهما، وأن يتم الحديث عن كافة المخاوف المتبادلة، نحو إقامة علاقات، قائلاً إنه إذا كنا كبلدان عربية أقمنا علاقات دبلوماسية مع إسرائيل العدو الأكبر، فبالتالي من باب أولى إقامة علاقات مع إيران وتركيا، على حد قوله.

وشدد الخبير السياسي المصري على ضرورة تشجيع مسألة تطبيع العلاقات بين مصر وإيران، مستبعداً في الوقت ذاته أن يكون الحديث عن تقارب بينهما مرتبطاً بالتوترات الأخيرة بين القاهرة وإسرائيل، التي أتت في الأساس بسبب الممارسات الإسرائيلية العدوانية في قطاع غزة، لافتاً كذلك إلى أن مسار التقارب المصري الإيراني يعود إلى ما قبل حرب غزة بكثير.

ومنذ انقلاب الخميني في إيران اتبعت طهران سياسة المكايدة الدائمة مع القاهرة والتي بدأت بإطلاق اسم الإرهابي خالد الإسلامبولي على أكبر شوارع العاصمة طهران، ليس هذا فحسب، ففي عام 2001 وضعت جدارية ضخمة في طهران يظهر فيها الإسلامبولي خلف القضبان حاملاً المصحف وكتب أعلاها "أنا قتلت فرعون مصر".

ولا تزال العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين قاصرة على مستوى مكتب رعاية المصالح منذ عام 1991، في وقت كانت القاهرة ترفض دائما وتدين التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية، لكن مصادر عدة تؤكد أنه رغم المستوى المتدني للعلاقات الدبلوماسية، إلا أنه كانت هناك اتصالات متقطعة بينهما من وقت لآخر، كما كان هناك دائماً حفاظ بين البلدين على التمثيل الدبلوماسي، لكن التوتر كان يشتد كلما اشتدت الخلافات الإيرانية الخليجية.