عزة محمود تروي جذور المؤامرة على أوجلان: اعتقلوه لأنه أجهض مشروع الناتو والهيمنة

كواليس كثيرة ترويها الباحثة المصرية الدكتورة عزة محمود حول المؤامرة الدولية لاعتقال المفكر عبدالله أوجلان تزامنا مع الذكرى 26 للمؤامرة الدولية التي نفذت لاعتقاله، مؤكدة أنه تحول إلى رمز أممي.

وفي التاسع من أكتوبر/تشرين الأول من عام 1998 كانت إرهاصات المؤامرة الدولية لاعتقال المفكر الأممي عبدالله أوجلان حين اُضطر إلى مغادرة سوريا وصولا إلى اعتقاله وتسليمه إلى تركيا بعد انتقاله إلى روسيا ثم إيطاليا ثم اليونان حتى لجوئه إلى السفارة اليونانية في دولة كينيا ليتم استدراجه ويعتقل في مؤامرة تشاركت فيها بصفة رئيسية أمريكا وإسرائيل وتركيا وأطراف أوروبية أخرى.

وفي هذا السياق، أبدت الباحثة المصرية الدكتورة عزة محمود امتعاضا شديدا جراء المؤامرة الدولية التي حيكت من قبل أطراف تتشدق بالحرية وحقوق الإنسان بحق مفكر وقائد كل ما أراده الحرية لشعبه والسلام لشعوب الشرق الأوسط، معتبرة أن هؤلاء المتآمرين ظنوا أنهم باعتقاله سيقضون على مسيرة النضال الكردي لكن ما حدث العكس تماما.

إلى نص الحوار:

*ماذا عن رؤيتك بشأن المؤامرة الدولية لاعتقال عبدالله أوجلان إذا قسناها بما يتشدق بع الغرب عن حماية الحقوق والحريات؟

- يتحدث الغرب كثيرا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وينفون بصورة قاطعة ما يتردد في العالم عن نظرية المؤامرة، ويتشاركون المؤتمرات العالمية للسلام، ويُصرحون بمناصرة الحرية والعدالة، ويسطرُون التصريحات ويُصدرون المقترحات والحلول السلمية، ولكنهم في حقيقة الأمر محكومون بعقائد خفية تجذبهم لدائرة المؤامرة. إن نظرية المؤامرة الدولية حقيقة واقعة مُؤكدة عملًا، وإن تم نفيها قولا، وكأن الغرب يرى من خلال نظريته السادية أن السيطرة والسيادة وقتل رمُوز الحُرية واختلاق أسباب الحروب والمجاعات والموت الجماعي هو الحل البديل لديهم للحياة الأفضل. الواقع يقول إن المؤامرات لم تعد بحاجة إلى الاستقراء، الأن أصبح التصريح بالإيذاء أمرا علنيا، وقد كان نتاجه تجاهل كل المواثيق والقوانين الدولية التي كانت تحكُم العالم وتُجنبه الفوضى. أيضا تتضح المؤامرة المُحاكة ضد الكُرد منذ ما يربو على المائة عام بل وأكثر في شخص القائد الأُممي والمفكر عبد الله أوجلان واعتقاله، ومن يُمعن النظر يتجسد له بجلاء أن القوى التي تحالفت لاعتقاله لم يكن لها أن تُخطط لهذا الأمر بين عشية وضحاها.

*لماذا توحدت هذه قوى مثل إسرائيل وأمريكا وتركيا وتلاقت مصلحتها في اعتقال المُفكر عبد الله أوجلان؟

- إن هذا الأمر يحتاج للمزيد من إِعمال العقل، لشرح الأسباب التي أدت إلى تكالب القوى والأحزاب الدولية والإقليمية بل والمحلية، بهدف اختطاف واِعتقال القائد عبدالله أوجلان، ولأن ما جرى التخطيط له في دوائر الاستخبارات العالمية، وما صدر عن حلف "الناتو" كان كافيا لإظهار خُبث نوايا المتآمرين على شخصية الزعيم عبدالله أوجلان، تلك الشخصية الرائدة المتزعمة لفكرة التشارُكية، والتي حاولت إنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثن قُوى الهيمنة العالمية، التي كانت وما زالت تأمل بالسيطرة على مقدّرات العالم، بل وتسعى للإبقاء على حياة فئة محددة  تتحكم بمصير البشرية. وفي هذا الصدد يُصرح نيكولا باتروشيف أمين مجلس الأمن الروسي فيقول "إن الغرب يتحدث كثيرا عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم في السر من يعملون لتحقيق نظرية (المليار الذهبي)"، وبهذه المقولة يفضح مخططهم الإجرامي والسري الموروث.

*هل ما لاقاه أوجلان من تعنت يرتبط بمقاومته فكرة الدولة القومية المشوهة التي صدرها الأوروبيون للمنطقة في إطار مقاومة قوى الهيمنة هذه؟

- في بداية التسعينيات كان هناك شك وانتقاد لمنظور الدولة القومية، وكانت هناك مطالبة بالبحث عن حل بديل ورؤية مختلفة لهذا المنظور، ولكن تلك الفكرة التي أدركها القائد والمُفكر عبدالله أوجلان وجدت طريقها إلى النور من غياهب السجون. عندما سارع  أوجلان بطرح مشروع الأُمة الديمقراطية في عام 1993م في مجلداته "مانيفستو الحرية"، ليناهض به مشروع "الناتو"، مما أصاب حلف "الناتو" بالجنون، إذ كيف لشخصٍ بمفرده أن يُدمر مُخططهم الإجرامي، فتآمرت الولايات المتحدة مع تركيا على أن أوجلان وتنظيمه الذي يترأسه وهو "حزب العُمال الكُردستاني" (PKK)، ليتم تصنيفه كمنظمة إرهابية على مستوى العالم، وبهذا اختلقت الولايات المتحدة حُجة الانتقام من القائد أوجلان، وبدأت تُؤازر تركيا لاختطافه، والتي حشدت بدورها بمساندة "الناتو" لها أساطيل جيوشها البرية والجوية والبحرية حول سوريا، وقامت باستخدام كافة وسائل الضغط عليها لتسليمها القائد أوجلان أو إخراجه من الأراضي السورية.

*أريد أن نتحدث أكثر حول جذور هذه المؤامرة؟

- إن جميع الشواهد البائنة والقرائن الراهنة تؤكد على امتداد جذور المُؤامرة الدولية منذ ما يقارب القرن ونصف القرن، فكان التخطيط لتقسيم كُردستان ما هو إلا بداية لمد جذور تلك المُؤامرة اللعينة على الشعب الكُردي، حين تعرض الشعب المكلوم لمؤامرة تقسيم  كُردستان" وإخفاء هُويته وملامحه الثقافية؛ بل ومحوها نهائيًا على يد المتآمرين من القوى الإمبيريالية والرأسمالية المتمثلة في الأتراك من جهة، والعناصر الأوروبية من جهةٍ أخرى، وامتدت تلك الأيادي المتآمرة لقتل وتشريد ومحو آثار الشعب الكُردي؛ الذي لم يُطالب إلا بالحق المشروع في الحرية والعدالة، والحصول على حقوقه كباقي الشعوب العربية والشرق أوسطية.

*لكن لماذا أوجلان تحديدا حتى تتحرك كل هذه القوى ضده؟

- عود على بدء؛ ودوما يُخامرنا التساؤل لماذا المفكر عبدالله أوجلان؟، وقد تكمن الإجابة في التساؤل، فهو ليس القائد فحسب، بل هو "المُفكر" حامل لواء القضية الكُردية، الذي تبنى قضية القومية الكُردية منذ بداية ترسيم أيديولوجية حزب العُمال الكُردستاني" كماركسية لينينية" مع مزيج من القومية الكُردية، وهو الممثل للكيان المُناصر للقضية الفلسطينية، والذي نادى بالاشتراكية التحررية ومعاداة الرأسمالية. وكثيرا ما صرح القائد عبدالله أوجلان بموقفه الداعم للقضية الفلسطينية، وأحقية فلسطين في استعادة أرضها ومكانتها بالمنطقة العربية، كما انتهج نهجه العديد من الأعضاء البارزين في حزب العُمال الكُردستاني الذين لم يجدوا ثمة فارق بين المناهضة الُكردية، والمناهضة الفلسطينية، فالمواقف تتشابه وكذلك تتشابه المعاناة.

*إذن هل نحن أمام مؤامرة ذات شقين إقليمي ودولي؟

- نعم، هي بلا شك مؤامرة ذات شقين؛ حيث تذكر كافة المصادر الرسمية وغير الرسمية أن التخطيط للمُؤامرة على المفكر "عبد الله أوجلان" جاء نتاجا لعجز القُوى العالمية وحُلفائها عن تقويض "حزب العُمال الكُردستاني" و"قوات الكريلا" بشكل مباشرٍ ونهائي، ونتيجة لذلك بدأ التخطيط للمُؤامرة في التاسع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1998م، حيث بدأوا بالتركيز على القائد عبدالله أوجلان وكانت المُؤامرة الدولية عليه وكأنها – أي تلك الدول المتآمرة – تبغي احتلال دولة بأسرها وليس فردا بشخصه، وقد أفضت المؤامرة بالنهاية إلى أسره وتسليمه للفاشية التركية، إذن فالمؤامرة ذات شقين دولي وإقليمي.

*إلى أي مدى يكشف ادعاءات هذه القوى المتآمرة بأنها حامية الديمقراطية؟

- من هو ذلك القائد الذي تجمعت وتكتلت الدول الكُبرى للتآمر عليه؟ وكيف لمُؤامرة أن تجمع بين كل هذه الأطراف لمعاداة شخص بمفرده؟ فتتشابك خيوط المُؤامرة تحت قيادة شبكة "غلاديو" الناتو، والولايات المتحدة، وبريطانيا، وإسرائيل، في حين ترفض دول الاتحاد الأوروبي منحه حق اللجوء، فيكون القائد وظروف اعتقاله هي الحادثة التي كشفت زيف ادعاءات الاتحاد الأوروبي بما يروجه حول حقوق الإنسان.

*سجن أوجلان كيف كان تأثيره على مسيرة النضال الكردي وعملهم التحرري؟

- رُبع قرن من الاعتقال المُشدد، تأتي نتائجه بالإيجابية المطلقة، بدلا من الخنوع لأهداف المُؤامرة، فالعزلة المشددة المفروضة على القائد عبدالله أوجلان قد حولته من مجرد سجين في أشد المعتقلات ضراوة إلى قائد أُممي يحمل شعلة الحق ومنارة الفكر الشرقي الحُر من أجل خلاص الشعب الكُردي، وشعوب المنطقة الشرق أوسطية، فأصبحت كتاباته وأفكاره وتصريحاته كصرخة في وجه الظلم بكافة صوره وأشكاله، وتحول سجن إمرالي بتركيا ليصبح بوتقة تنصهر فيها أفكار القائد مع روح الشعب الكُردي والعربي.

*ما الذي تتوقفين عنده في أفكار عبدالله أوجلان؟

- مشروع الأمة الديمقراطية، إن تصريح القائد عبدالله أوجلان بمشروع "الأمة الديمقراطية" الذي يقوم على أساس المساواة والمُواطنة وذوبان الفوارق الدينية والعرقية والطائفية، جاء بمثابة الضربة القاصمة للقُوى الرأسمالية الغربية، وأهدافها المُعلنة وغير المُعلنة، وهي التي تحاول بأقصى ما لديها الحفاظ على تبعية الدول الشرق أوسطية لها بصورةٍ أو بأخرى، بهدف استنزاف مواردها، وتسخير ثرواتها، ويهدف هذا المشروع بدوره إلى تحقيق التعايش السلمي والتشاركية، والتحرُر من التبعية للغرب، وتمكين المرأة في كافة مجالات الحياة، وتحريرها من الاضطهاد والعبودية التي تفرضها عليها الأنظمة الرأسمالية، وقد طرح أوجلان في مشروعه الحلُول الإيجابية لمواجهة أزمات الشرق الأوسط، والحفاظ على ثروات شعوبه، لذلك كانت رغبة المؤامرة الدولية استهداف نضال حركة التحرر الكُردستاني، والشعب الكُردي، متمثلا ذلك في شخص القائد عبدالله أوجلان، الذي طالب بحقوق بلاده المشروعة، بل وحقوق الأمة الشرق أوسطية، مما جعله رمزا للثورة والحُرية، وكذلك رغبت القوى الخارجية القضاء على الثورة النسائية التي قادتها المرأة الكُردية على ضوء نضال أوجلان.

*حسب رؤيتك، كيف سيذكر التاريخ عبدالله أوجلان؟

- إن التاريخ لا ولن ينسى القادة وزُعماء التحرر، فالحُرية لا يسعى إليها إلا الأحرار، ولا يشقى للوصول إليها إلا ذووا المبادئ والقيم، ولا يسعي للتشاركية سوى المُدافع عن الحق والعدل والمُساواة، إن من رسم طريق الحُرية والنجاة من الظُلم والاضطهاد، ومنح الحق للمرأة في أن تُشارك جَنبا إلى جنب مع الرجل في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والعسكرية، بهدف  صياغة حياة تحفظ حُريتها وكرامتها ضمن مشروع الأمة الديمقراطية هو القائد عبدالله أوجلان، فالشعب الذي يسعى ويُناضل من أجل الحُرية لا بُد وأن يسعى لتحرير قائده. فكيف نترك المُناضل يشقى مُعْتقلا؟ وهو الذي خاض المسيرة الثورية من أجل خلق حياة حُرة، ومن أجل بناء مجتمع كُونفيدرالي ديمُقراطي في منطقة الشرق الأوسط، والتي أصبحت في وقتنا الراهن ساحة للصراع المُوجع ما بين القوى الإقليمية والدولية، وبين الشعوب المكلومة التي تدفع الثمن من حُريتها وكرامتها وضنك معيشتها في كافة مناحي الحياة.

*ما المطلوب في إطار دعم حرية المفكر عبدالله أوجلان؟

- إن قضية القائد والمُفكر عبدالله أوجلان قضية دولية، ويجب على جميع الأطياف الإنسانية تصعيد النضال الفكري الحًر بهدف تحرير القائد جسديا، والعمل على  إسقاط الأنظمة القاصمة، التي ساهمت في هذه المُؤامرة الغاشمة، بمساندة جميع الأطراف الداعمة لعملية السلام. وخاصة المرأة، التي أصبحت شعارا للحرية والحياة.

*هل لديك ما تودين إضافته؟

- في النهاية أقول إن الداعي للسلام سيظل رمزا وعلما من أعلام الحرية والعدالة، كأعلام الأوطان الشاهقة في عنان السماء، فمن يضع نُصب عينيه حرية وطنه لن تغيب صورته عن أذهان أجيال الحاضر وشباب المستقبل، فالسلام هو الغنيمة الكبرى للبشرية بأسرها، وسوف تظل أعمال القائد باقية ببقاء الأمة الكردية، إن غرس ثقافة السلام يُغني الأمة الشرق أوسطية، بل ويُغني العالم عن الانقسام والضعف، فلا يأس سيولد في أمة آمنت بفكر قائدها بالعدالة والمساواة وتعزيز حقوق المرأة، بل وحقوق الإنسانية جمعاء، هذا القائد هو رمز السلام وأمل السلام.