بعد انتهاء الاجتماع الثلاثي بالقاهرة.. هل تهدأ التوترات بين مصر وإسرائيل؟
عُقد اجتماع مصري - إٍسرائيلي - أمريكي في العاصمة المصرية القاهرة، يبدو أنه أتى برغبة من واشنطن، لرأب الصدع الواضح في العلاقات المصرية الإسرائيلية بسبب ما يجري في رفح.
عُقد اجتماع مصري - إٍسرائيلي - أمريكي في العاصمة المصرية القاهرة، يبدو أنه أتى برغبة من واشنطن، لرأب الصدع الواضح في العلاقات المصرية الإسرائيلية بسبب ما يجري في رفح.
وأتى الاجتماع الثلاثي في القاهرة بمشاركة وفد أمني مصري وآخر إسرائيلي إلى جانب وفد أمريكي في وقت بالغ الحساسية سواء على صعيد ما يجري في قطاع غزة، أو على صعيد العلاقات المصرية – الإسرائيلية التي تشهد حالة غير مسبوقة من التوتر بين الجانبين، فاقمها سيطرة تل أبيب على محور فيلادلفيا بين غزة وسيناء على نحو يخالف اتفاقية السلام بين البلدين، وصولاً إلى مصرع جندي مصري برصاص إسرائيلي جراء تبادل لإطلاق النار عند المعبر.
أمام هذا الوضع، ذكر موقع "أكسيوس" الأمريكي قبل أيام أن اجتماعاً ثلاثياً سيعقد في القاهرة، وهو ما قد كان، وقد أكد، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن الحفاظ على الهدوء والسلام بين القاهرة وتل أبيب أولوية قصوى لدى الرئيس الأمريكي جو بايدن، ولهذا فإن الاجتماع كان بهدف التفاهم حول الوضع في معبر رفح، والأهم تهدئة التوترات بين الجانبين الإسرائيلي والمصري.
أبرز ما دار في الاجتماع
والأمور التي تثير غضب مصر كانت واضحة من خلال ما كشف عنه مصدر مصري رفيع المستوى، الأحد، بشأن مخرجات هذا الاجتماع، إذ أكدت القاهرة تمسكها بموقفها الثابت نحو ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الجانب الفلسطيني لمعبر رفح، حتى يتم استئناف تشغيله مرة أخرى، كما أكد الوفد الأمني المصري على مسؤولية إسرائيل الكاملة عن عدم دخول مواد الإغاثة والمساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
وحسب نفس المصدر، فقد تمسك الوفد الأمني المصري بضرورة العمل الفوري لإدخال ما لا يقل عن 350 شاحنة مساعدات للقطاع يومياً تشمل كافة المواد اللازمة سواء غذائية أو طبية أو وقود، وبالتالي فإنه في ضوء تصريحات هذا المصدر فإن القاهرة تجدد مواقفها الرافضة لأيّ تواجد إسرائيلي في هذه المنطقة الواقعة على حدود مصر.
ماذا وراء الاجتماع؟
يقول السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الاجتماع مهم للغاية، كونه يناقش وضع معبر رفح، وكما نعلم فهو أهم المعابر ومنذ بداية الحرب كان البوابة الوحيدة لدخول المساعدات بكميات معقولة.
وأوضح أنه قبل احتلال إسرائيل للجانب الفلسطيني من المعبر ومحور صلاح الدين أو فيلادلفيا، كان التعامل بين السلطات المصرية والفلسطينيين في قطاع غزة وكانت المساعدات تسلم إلى وكالة الأونروا والمنظمات الدولية، ولكن بعد احتلال تل أبيب للمحور تمسكت الأخيرة بأن تستقبل هي المساعدات.
ويرى السفير رخا أحمد حسن أن هنا تأتي الإشكالية، إذ أنه من غير المقبول لا إنسانياً ولا دولياً أن تستقبل السلطات الاسرائيلية المساعدات الموجهة إلى الشعب الفلسطيني، فليست هناك ثقة في إمكانية وصول المساعدات إلى الفلسطينيين من الأساس أو أن تصل إليهم كاملة، فيمكن أن تستولي إسرائيل على حصة منها ويستخدمها جيشها، خصوصاً وأنهم نهبوا المنازل التي تركها أهلها في غزة، ولهذا فإن مصر ترفض هذا الأمر.
يلفت مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق إلى أن القاهرة ترفض أيضاً الوجود الإسرائيلي في منطقة المعبر ومحور صلاح الدين، لأن هذا الوضع يخالف اتفاقية السلام المبرمة بين البلدين في 26 مارس/آذار من عام 1979 فيما يخص المنطقة (د)، فإن كان هناك تواجد يكون بقوات شرطية إسرائيلية وليس جنوداً، وبالتالي فإن مصر تتمسك بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من محور صلاح الدين.
ويشير إلى أن مصر لديها تحفظ يتعلق بأن إسرائيل تخالف اتفاقية إدارة المعابر، إذ أن المعبر كان يدار بين مصر والفلسطينيين في السابق بإشراف من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن إسرائيل لا تريد أن يكون الفلسطينيون هم الطرف الثاني في إدارة المعبر فسيكون التفاوض حول إمكانية أن يكون هناك إشراف من الاتحاد الأوروبي عليه أو الأمم المتحدة أو إدارة أمريكية كما تريد تل أبيب.
وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء، أكد السفير رخا أحمد حسن رفضه كافة المزاعم الإسرائيلية بشأن وجود أنفاق في هذه المنطقة يتم من خلالها تهريب السلاح من سيناء إلى الداخل الفلسطيني، لافتاً إلى أن مصر أغلقت جميع هذه الأنفاق خلال فترة حربها على الإرهاب، وبالتالي فإن المفاوضات حالياً تتمحور حول فتح المعبر وطبيعة الإشراف عليه والانسحاب الإسرائيلي من محور فيلادلفيا بالكامل.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية تحدثت، الأسبوع الماضي، عن إرسال تل أبيب مقترحاً بشأن إدارة معبر رفح يقوم إدارته من قبل أفراد أمن تابعين للسلطة الفلسطينية مع إشراف ومراقبة إسرائيلية وتواجد قوات إسرائيلية فيه، وهو المقترح الذي رفضته مصر، وإن كانت مصادر أكدت لوكالة فرات للأنباء أن القاهرة لا تمانع في وجود مراقبين من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي ليس لإدارة المعبر وإنما للإشراف والمتابعة فقط للجهات الفلسطينية التي تديره.
وقد يلقي الخلاف المصري - الإسرائيلي بظلاله على الخطة التي طرحها الرئيس الأمريكي بايدن لإنهاء الحرب في غزة، مساء الجمعة، إذ أن خطته تتضمن إدخال 600 شاحنة مساعدات إلى غزة، وبالتأكيد فإن غالبيتها لن تدخل إلا من خلال الجانب المصري للمعبر، وإذا كانت القاهرة ترفض تشغيل المعبر في وجود قوات إسرائيلية فإنه بالتالي لن تمضي خارطة بايدن قدماً إلا إذا تراجعت تل أبيب وانسحبت.
سيناريوهات لتجاوز الخلاف
يقول محمد فوزي الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء، إن عدم الخروج بمخرجات واضحة أو اتفاقات واضحة بين الأطراف الثلاثة من الاجتماع يعكس غلبة الطابع التشاوري عليه، وأنه كان أقرب لعملية طرح للمواقف على أن يتم بحثها لاحقاً، ولكن المؤكد أن مصر أكدت موقفها الثابت برفض أيّ تنسيق في هذا الملف حتى انسحاب القوات الإسرائيلية من الجانب الفلسطيني لمعبر رفح.
وفيما يتعلق بقدرة مصر وإسرائيل على تجاوز تلك الخلافات، يقول فوزي إن الأمر يتوقف على بعض المحددات والسيناريوهات الرئيسية وأولها مدى المرونة لدى السلطات الإسرائيلية فيما يتعلق بالانسحاب من الجانب الفلسطيني من معبر رفح، مشيراً إلى أن الأمر يرتبط كذلك بمسار العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل غزة، باعتبار أن الخلافات لا تقتصر على وضع المعبر وإنما بمجمل سلوكيات إسرائيل في القطاع منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
ولفت الباحث السياسي المصري إلى أن الأمر سيتوقف كذلك على مدى الضغوط التي يمكن أن تمارسها إدارة بايدن على إسرائيل من أجل التخلي عن الجانب الفلسطيني من المعبر، فضلاً عن مدى المرونة والاستجابة الإسرائيلية للمبادرة الأمريكية المطروحة حالياً لوقف إطلاق النار، التي رغم الترحيب بها من قبل تل أبيب إلا أن هذا لا يؤكد التزام إسرائيلي واضح بوقف إطلاق النار.
وأكد فوزي، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء، أن الولايات المتحدة معنية بشكل كبير بالتوصل إلى انفراج في ملف دخول المساعدات الإنسانية إلى معبر رفح في ضوء عدة اعتبارات تشي أن واشنطن سوف تمارس ضغوطاً أكبر على إسرائيل خلال الأيام المقبلة، وقد تجسد ذلك من خلال مبادرة وقف إطلاق النار التي أعلن عنها جو بايدن، مشيراً إلى أن واشنطن تواجه انتقادات دولية وداخلية بشكل متنام في ضوء تحميل بعض الدوائر للولايات المتحدة مسؤولية الكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة، من خلال عدم الضغط على تل أبيب من أجل حلحلة هذا الملف.
وتوترت العلاقات بين إسرائيل ومصر منذ بداية الحرب العام الماضي، لكن الخلاف تصاعد أكثر مع السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح ثم محور فيلادلفيا، في وقت قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن هذه التوترات قد تنعكس بشكل سلبي على العمل باتفاقية السلام المبرمة بين الجانبين، وقد تنهي عقوداً من الدفء في العلاقات التي كانت طابعاً واضحاً على المستوى الرسمي.