وكان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان صرح قبل أيام بأنه سيتم افتتاح قنصلية لبلاده في مدينة "بنغازي" شرق ليبيا قريباً، وهي المدينة التي تعد عاصمة لمناطق نفوذ ما يعرف بـ"الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده خليفة حفتر، والذي خاض حرباَ ضروساً ضد التنظيمات الموالية للنظام التركي والتي كان من بينها جماعات متطرفة.
كما ظهر بشكل واضح خلال زيارة الرئيس التركي "أردوغان" إلى مصر عبارات عدة تكشف عن تقارب في الموافق بين "أنقرة والقاهرة" بشأن الوضع في ليبيا ودفع مسار الحل السياسي، وهو أمر يفرض تساؤلات عدة بشأن مسار العلاقة بين النظام التركي وشرق ليبيا، وما إذا كان فتح القنصلية يعني انتهاء الخلافات بين الطرفين.
خطوات لا تعني التفاهم التام
في هذا السياق، يقول مالك الشريف الكاتب الصحفي الليبي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه من المتوقع إعادة افتتاح القنصلية التركية في شرق ليبيا وفي "بنغازي" تحديداً قريباً خصوصاً، وإعادة افتتاحها مرتبط بحالة الاستقرار الأمني الذي تشهده المنطقة الممتدة من "سرت" حتى "إمساعد" أي مع الحدودية المصرية، وكذلك المناطق الجنوبية.
ولفت إلى أن هذه الحالة من الاستقرار مرتبطة بتواجد القوات المسلحة العربية الليبية بقيادة خليفة حفتر وقوات الأمن وعمل قنصليات عربية وأجنبية كجمهورية مصر العربية واليونان وإيطاليا ومالطا والمغرب وقريباً تونس وروسيا، معرباً عن اعتقاده بأن السلطات التركية تسعى بشكلٍ جدي لإعادة فتح قنصليتها في بنغازي خصوصاً وان لديها مكتب رسمي معتمد لإصدار التأشيرات في "بنغازي".
ويرى "الشريف" أن الأمر له جوانب سياسية في مقدمتها التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة وعلى رأسها التصالح التركي المصري والقطري المصري، مؤكداً أن ليبيا بدورها ليست بمعزل عن هذه التقاربات، كما أن الحكومة في شرق ليبيا تسعى لإقامة علاقات اقتصادية وسياسية في حدود الاحترام المتبادل.
وحول ما إذا كان الحديث حول فتح القنصلية التركية في "بنغازي" يعني انتهاء الخلافات بين النظام التركي والشرق الليبي، يقول الكاتب الصحفي الليبي إن هذا لا يعني أنه يوجد تفاهم كامل أو تصالح كامل مع الجانب التركي، خصوصاً مع استمرار تواجد قواتهم في غرب البلاد، إلا أنه يرى أن التبادل التجاري وحرية السفر والتنقل بين الدول أمر متعارف عليه ويحدث حتى في دول لديها حروب قائمة فعلياً.
وأعرب "الشريف" عن اعتقاده أن الجانب التركي أدرك بشكل واضح ضرورة التعامل بشكلٍ سياسي وليس عسكري مع الحكومة في شرق ليبيا والقوات المسلحة العربية الليبية خصوصاً وأنها تتمتع بشعبية ودعم كبير كذلك اعتمادها من البرلمان الليبي الذي يجري رئيسه المستشار عقيلة صالح زيارات لدولة تركيا وقطر والإمارات ومصر وهي الدول المهتمة بالشأن الليبي.
وتأتي هذه التطورات وسط حديث عما يسمى بـ"استدارة تركية" أي تراجع النظام التركي عن جانب كبير من توجهاته السياسية خلال الفترة الماضية والتي أحدثت له خلافات كبيرة مع دول الجوار، وصلت إلى حد القطيعة الدبلوماسية على سبيل المثال مع مصر التي استمرت لسنوات طويلة قبل أن تعود بعض مفاوضات ولقاءات مضنية.
أبعاد سياسية واقتصادية
بدوره، يقول أحمد عامر مدير تحرير الأهرام العربي والكاتب المتخصص في الشأن الليبي إن عزم تركيا فتح قنصلية لها في مدينة بنغازي أمر له عديد من الدلالات بعضها سياسية وأخرى اقتصادية، موضحاً، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن الفترة الماضية شهدت لقاءات سياسية واجتماعات بين تركيا والبرلمان الليبي ورأينا زيارة السفير التركي إلى الشرق الليبي وكذلك زيارة رئيس مجلس النواب الليبي المستشار عقيلة صالح إلى تركيا ولقائه مع "أردوغان".
وأوضح "عامر" أن هذا الأمر لا ينفصل كذلك عن زيارة الرئيس التركي إلى مصر، والتي كان الملف التركي بالتأكيد ضمن أولويات أجندتها، وقد جاءت تصريحات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس تركيا معبرة بشكل كبير عن تقارب في وجهات النظر بشأن حلحلة الأزمة الليبية ودعم مسار الحل السياسي، والدفع نحو حكومة وحدة وطنية حقيقية لم يتحدد بعد ما إذا كانت في شكل تعديلات على حكومة عبدالحميد الدبيبة الحالية أم بقدوم حكومة جديدة تماماً.
وعن الأبعاد الاقتصادية لوجهة "أنقرة" نحو فتح قنصلية لها في بنغازي، يقول الكاتب الصحفي المصري إن تركيا من المعروف أنها الشريك التجاري الأكبر والأهم لليبيا وقد ظهر ذلك بوضوح في عامي 2021 و2022، والشرق الليبي كذلك تصله تجارة تركيا، ومن ثم فإن فتح قنصلية في "بنغازي" يسهل متابعة الأمور الاقتصادية لدى "أنقرة" في الشرق الليبي.
وأشار "عامر"، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إلى أن هذا البعد الاقتصادي يقترن به بعد سياسي يتمثل في أن فتح قنصلية في "بنغازي" يعني نوعاً من التقارب السياسي بين تركيا وسلطات الشرق الليبي لا سيما أن "أنقرة" لديها سيطرتها العسكرية والسياسية على الغرب الليبي، لافتاً إلى أن تركيا لديها وجود عسكري عبر 3 قواعد غرب البلاد.