"تركيا تلعب دور المقاول".. ليبيا تخشى عودة طرابلس لمربع الصدام المسلح

أجواء العنف والتوتر تلوح مرة أخرى في العاصمة الليبية طرابلس مع تحرك بعض المليشيات إليها، وسط أنباء عن التحضير لاقتحام مؤسسات على نحو قد يفجر الصدام المسلح مجدداً.

تعيش ليبيا الأيام الماضية على وقع أزمة جديدة أخذت بعداً سياسياً، بعد أن أقال رئيس المجلس الرئاسي عبد الحميد الدبيبة، المسحوب منه الثقة، الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي وتعيين محمد الشكري بدلاً منه، ليواجه معارضة من مجلس النواب المنعقد شرق البلاد والمجلس الأعلى للدولة، إذ اجتمعا الخصمان على أن إقالة أو تعيين المحافظ يجب أن يكون بتوافق من قبلهما.

ويبدو أن المليشيات، التي تنخر في جسد الدولة الليبية منذ 2011، جاهزة دائماً لأي توتر سياسي لتطل برأسها على الفور، إذ تحركت الجمعة، مجموعات مسلحة من مدينتي الزاوية ومصراتة وأيضاً جبل نفوسة نحو طرابلس، فيما جرى تداول أنباء عن نية تلك المجموعات اقتحام مطار وسجن معيتيقة الذي يقبع تحت سيطرة مليشيات الردع لتعلن الأخيرة ما يمكن تسميته بحالة الاستنفار.

تحركات تعيد الأذهان إلى مجموعة من التساؤلات الجديدة القديمة تتمحور حول ما إذا كانت البلاد في طريقها للعودة مرة أخرى إلى مربع الصدام المسلح؟ وما إذا كانت تشكل عودة للخلف في مسار الحل السياسي المتعثر من الأساس؟ وكذلك ما تعنيه من تساؤلات حول غياب الإرادة الوطنية الليبية والخضوع لأجندات ومصالح خارجية.

هنا تكمن الأزمة الحقيقة

يقول المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، "إنه للأسف الشديد، فإن ما يحدث اليوم هو استكمال للمنحي الصعب الذي تعيشه البلاد منذ عام 2011 ووضعها تحت الهيمنة الأنجلوساكسونية، وبالتالي فإن واشنطن ولندن هما من تديران هذا الوضع الصعب في ليبيا ويعملان على خلط الأوراق في الغرب الليبي من أجل مصالحهما".

ويرى عقيل أن الأزمة أكبر من مجرد تغيير محافظ مصرف ليبيا المركزي، وأنه حتى لو لم يكن يعرف ماذا إذا كان الصديق الكبير قد قاد المصرف بشكل جيد، ورغم أنه مصرفي قدير لكنه نتيجة الوضع الحالي خضع لضعوط داخلية وخارجية كإيداع أموال لدى تركيا أنقذتها من أزمتها الاقتصادية، وكذلك إعطاء قروض لبعض البلاد بضغوط أمريكية وبريطانية، معرباً عن اعتقاده بأن الأزمة ليست في استبدال أشخاص بقدر ما هي مرتبطة بالتحركات الأمريكية والبريطانية لبناء مؤسسات عسكرية لهم على الأرض في ليبيا قبل أن تكون هناك دولة ليبية.

وقال المحلل السياسي الليبي إن أمريكا وبريطانيا يقومان ببناء مؤسسات وقواعد عسكرية في معيتيقة والوطية وسيدي بلال، معتبراً أن الأتراك الذين يُقال إنهم على الأرض في الغرب الليبي لا يلعبون إلى دور المقاول لصالح واشنطن فدورهم وظيفي بشبه "السمسار"، خاصة وأن الإدارة الأمريكية منزعجة من التواجد الروسي في شرق البلاد.

وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، يقول عز الدين عقيل، إن بريطانيا وأمريكا ستواصلان لعب هذا الدور وإثارة العنف في البلاد حتى يتم الانتهاء من المؤسسات والقواعد العسكرية لهما في ليبيا، ولن تكون هناك حكومة موحدة أو دولة إلا بعد إتمام تلك المصالح، حتى تأتي الحكومة الجديدة وتجد القواعد العسكرية الأمريكية والبريطانية أمامها أمراً واقعاً.

ومنذ الإطاحة بنظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي إثر الاضطرابات التي عُرفت بـ"الربيع العربي"، تعيش ليبيا أزمة معقدة للغاية، حيث يسود الانقسام بين شرق البلاد وغربها، ولكل منطقة حكومتها الخاصة وبرلمانها وقواتها المسلحة، وقد وصل الأمر إلى الصدام المسلح في كثير من الأوقات سواء بين الشرق والغرب أو داخل المعسكر الغربي نفسه الذي يعج بمليشيات معروف حجم الدعم التركي المقدم لها.

وأعربت الأمم المتحدة، يوم الثلاثاء الماضي، عن قلقها إزاء التدهور السريع للوضع الاقتصادي والأمني في ليبيا، منددة بالتصرفات "الأحادية" لبعض الجهات الفاعلة والتي تؤدي إلى زيادة التوترات وزادت من عمق الانقسامات المؤسسية والسياسية، كما عقدت الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي من طريق التفاوض.

عودة للخلف؟

وعلى مدار قرابة أكثر من عقد يدور الحديث عن جهود دولية سواءً من أطراف إقليمية أو دولية لحل الأزمة الليبية والاتجاه نحو مرحلة انتقالية تمهد لإقامة مؤسسات دائمة عبر انتخابات، ولكن كما لو كانت الأزمة أمام سيناريو يتكرر، فبينما تسود التصريحات الإيجابية ويشعر متابعوها بقرب انفراج الأزمة يحدث شيء يشبه ما يجري في طرابلس هذه الأيام ليعود الليبيون مرة أخرى إلى الوراء.

"نحن لم نتحرك للأمام حتى نقول عودة للخلف"، بتلك العبارة علق الأكاديمي الليبي الدكتور حسين الشارف على ما يجري في طرابلس من توترات سياسية وعسكرية، موضحاً أنه طالما المليشيات في الغرب الليبي قائمة وهي سلطة الأمر، وهناك قوى إقليمية ودولية مثل تركيا تغذي استمرار هذا الوضع، فإن ليبيا لن تتحرك قدماً وسيبقى الليبيون يدورون في نفس الدائرة.


وأضاف الشارف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن عبد الحميد الدبيبة يحتمي ببعض القوى الخارجية، ومن ثم فإن استمراره يعبر عن مصالح تلك القوى، فهو منتهي الولاية ومسحوب منه الثقة من قِبل مجلس النواب الشرعي في البلاد، وبدلاً من الخضوع لقرارات السلطات الشرعية تجاوزها، ليتحول إلى جزء من المشكلة الليبية عكس ما أتى من أجله وهو أن يقود الأزمة نحو الحل ونحو إقامة الدولة الحقيقية.

واعتبر الأكاديمي الليبي أنه كان هناك مشروع لمحاربة الإرهاب والقضاء على المليشيات يقوده المشير خليفة حفتر، إلا أن هذا المشروع تعرض لكل محاولات الإجهاض سواء عبر تركيا التي تعمل لصالح آخرين أو غيرها، لأن هؤلاء يستفيدون من دفع ليبيا نحو مزيد من التقسيم لتحقيق مصالحهم، مشدداً على أنه لا مخرج للبلاد إلا بإنهاء سيطرة حكومات المليشيات في غرب البلاد والحكومات التي تعمل لخدمة الأجندات الخارجية.

وأمام هذا التوتر، صرح محمد الشكري المكلف بمنصب محافظ مصرف ليبيا المركزي بضرورة الابتعاد عن العنف وعدم جر البلاد إليه والعمل على احترام بنود الاتفاق السياسي، كما لفت إلى أنه لم يباشر مهام منصبه إلا إذا تم التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة (ذي صفة استشارية) وكذلك المجلس الرئاسي بشأن القرار الذي اتخذه الأخير، وهي التصريحات التي لاقت ترحيباً لدى كثير من القوى السياسية الليبية بما في ذلك قوى متخاصمة فيما بينها.