لا يتشابه القائد عبد الله أوجلان مع السلطان صلاح الدين الأيوبي في أن كل منهم ينتمي إلى كردستان، ولكن تتشابك الكثير من المواقف والأفكار والتي أشاد بها مؤرخو عصرهم بأنها سابقة لعصورهم وتختلف عن الأفكار القوموية والدينوية الأحادية والتي يسود في محيط كليهما ليقدموا تجربة إنسانية وتكاملية لشعوب المنطقة، تستحق الوقوف أمامها طويلاً.
يري القائد عبد الله أوجلان أن مقترح الأمة الديمقراطية كنموذج حل مطهر من الدولتية القومية، والتي وصفها بالدين الجديد للحداثة، وهو لا يسري على الكرد فقط، وانما على كل المجموعات الإثنية والكردية، وذلك أن حلول الدولتية القومية حولت التاريخ إلى حمامات دم، ويمكن إطلاق مصطلح شبه الاستقلال الديموقراطي على البعد السياسي لبناء الأمة الديمقراطية، حيث يستحيل تصور الأمة الديمقراطية من دون إدارة ذاتية.
وأكد في كتابه "الأمة الديمقراطية" أن الهيئة التنفيذية يجب أن تعبر عن الهرم الإداري البومي، وتقوم على التنسيق بين وحدات العمل الموزعة بين الشعب، وأنها ملزمة بالتنسيق بين الجهود والأنشطة التنظيمية والميدانية اليومية على درب التحول الديموقراطي، وتختلف عن الأجهزة الحكومية للدول، حيث أنها أقرب إلى النظام الكونفدرالي للمجتمعات المدنية الديمقراطية.
كما أوضح القائد عبد الله أوجلان أن شبه الاستقلال الديموقراطي بمعناه الواسع يعني الأمة الديمقراطية ذات الأبعاد الموزعة على مساحات اوسع، على طريقين الأول هو الوفاق مع الدول القومية، عبر حل الدستور الديموقراطي، واحترام الإرث التاريخي الاجتماعي للشعوب والثقافات، ويعتبره أحد الحقوق الدستورية الأساسية التي لا استفتاء عنها، للتعبير عن نفسها، وتنظيم ذاتها بحرية، والطريق الثاني هو تطبيق مشروع بشكل أحادي، دون الإعتماد على الوفاق مع الدول القومية، وهو يعتمد على الإنتقال إلى وضع الحرب والنفير العام، لحماية وجودهم والعيش بحرية، وتسخير قواهم الذاتية، في تحقيق وتطوير تحولهم إلى أمة ديمقراطية.
وبيّن القائد عبد الله أوجلان أنه ينبغي أن يكون الفرد المواطن كوموناليا، تشاركيا في الأمة الديمقراطية، بقدر ما يكون حراً، فإن فرد الأمة الديمقراطية يجد نفسه وحريته في تشاركية المحتمع، أي في العيش على شكل مجموعات صغيرة أكثر فاعلية، وتعد الكومونات متنوعة إلى أبعد حد، وتسير في مجال الحياة الاجتماعية جمعاء.
كما تطرق القائد أوجلان إلى أن الأمة الديمقراطية يقظة حيال القانون، فالأمة الديمقراطية هي أمة أخلاقية وسياسية، أكثر منها أمة قانون.
ويسلط مشروع الأمة الديمقراطية الضوء على رفع مكانة المرأة وتحررها وأنه يجب التخلي كليا عن مفهومنا التملكي بشأن المرأة، وعلى المرأة أن تكون قائمة بذاتها، ولذاتها فقط، أي مستقلة بذاتها.
حيث يعد أبرز نقاط التشابه بين صلاح الدين الأيوبي وفكر الأمة الديمقراطية على الجانب السياسي هو إشراك كافة المكونات في إدارة الدولة، واحترام الإرث التاريخي الاجتماعي للشعوب والثقافات، حيث يبرز خير الله طلفاح السياسي والمؤرخ العراقي، أن صلاح الدين كان يحترم عقائد الناس، ويوسع لهم في الحرية ما استطاع، ويولي المسيحيين واليهود العرب المناصب التي يستحقونها، ولم يظهر صلاح الدين الأيوبي طوال حربه ضد الدول اللاتينية بمظهر المتعصب الديني، وكان حلمه وشهامته مسار إعجاب معاصربه، و موضوع مدح المؤرخين منذ عصره، لقد تصرف صلاح الدين طوال حروبه، وكان يحاول محاولة واعية أن يجعل نفسه مقبولا عند رعاياه المقبلين، وأن يضع أساس دولة تعيش فيها الديانتان جنبا إلى جنب تحت ظل السلطان، وكان هدف صلاح الدين الأيوبي سحق قوة الصليبيين السياسية، ولم يكن إبادة المسيحيين.
كما اتفق أوجلان وصلاح الدين على دور الهيئة التنفيذية لإدارة شؤون البلاد، حيث أوضح طلفاح في كتابه "صلاح الدين الأيوبي والحروب الصليبية" أن تفكير صلاح الدين لشكل الدولة وإدارتها مختلف عن عصره، وكان يعتبر نفسه وأسرته خزنة المسلمين وحراسا لأموالهم لا اسيادا عليهم، و رغم التعيينات من أسرته، عزل ابنه الظاهر عن ولاية حلب عندما رأى أنه انشغل بابهة الملك وولى مكانه أخيه العادل والذي أراد أن يكتب له كتاب مثل كتاب البيع والشراء فرفض صلاح الدين وقال له: "أظننت أن البلاد تباع، أو ما علمت أن البلاد لأهلها المرابطين بها، ونحن خزنة المسلمين ورعاة الدين وحراس لأموالهم".
ولم يقتصر مفهوم المشاركة في الإدارة على البعد الإثني أو الديني ولكن في الجانب الجغرافي والمساواة الجغرافية، حيث ملئ صلاح الدين الأيوبي مملكته بالكليات والمستشفيات والمدارس المجانية، لم يؤثر فيها إقليما على إقليم، لا يكاد يفتح مدينة حتى يؤسس فيها المعاهد والمرافق، ويبني الجسور ويتعهد الترع، وكان عدد العلماء في مجلسه أكثر من عدد القواد ورؤساء الاجناد، وقيل إن رواتب العلماء في سوريا كانت تتجاوز في عهده مائتي ألف دينار، وكان بجمع أهل العلم والرأي لكل امر، ثم يلتزم مشورتهم ويتقيد بها.
كما اتفق أوجلان وصلاح الدين على الإنتقال إلى وضع الحرب والنفير العام، بهدف حماية الوجود والعيش بحرية، حيث لم يكن صلاح الدين الأيوبي محاربا إلا بالضرورة، فهو ليس فاتحاً بل محرراً، والفرق بينهما كالفرق بين الخير والشر، لأن الفاتح يقاتل بطمعه، وإذا كان من أخلاق الفاتحين أن يصونوا أمجادهم بالحديد والنار، فإن من شمائل المحررين ألا يحملوا الحقد والضغينة حتى لأولئك الذين يضطرون إلى شهر السيف في وجوههم، ويقول صلاح الدين لأن أخطأ في العفو أحب إلى من أن أصيب في العقوبة، بحسب المؤرخ العراقي.
وأشار طلفاح إلى أنه يعد أكبر دليل على نبذ صلاح الدين للعنصرية والتطرف هو قبوله لعرض ريتشارد قلب الأسد، وهو أن يتزوج الملك العادل الأميرة جوانا أخت ريتشارد، وارملة الملك صقلية، وأن يتنازل السلطان لأخيه عن البلاد الساحلية التي يحتلها، كما يتنازل ملك الإنجليز عن المدن التي افتتحها، كصداق لاخته، وأن تكون القدس ملكا للزوجين، في فتح أبوابها المسيحيين والمسلمين على حد سواء، وما أوقف هذا العرض هو رفض الأميرة جوانا نفسها.
وتحدث طلفاح عن جانب آخر من الجوانب المشتركة بين صلاح الدين وفكر الأمة الديمقراطية كأمة أخلاقية في أن سر عظمة صلاح الدين ودعامة مجده، هي الأخلاق امتاز بها في وقت تفسخت فيه الأخلاق وانهارت القيم، وقد استعرض بهذه الأخلاق الكريمة عن العبقرية العسكرية، والدهاء السياسي.
ولم يكن صلاح الدين مغرما يقتل أعداءه أو إذلالهم فكان يسرع إلى العفو والتسامح إذا مدوا يد الود أو طلبوا منه الأمان سواء أكانوا من المسلمين أم من الصليبيين، وقد رأينا أنه لم يقتل أحدا من أمراء الفاطميين، وهو أمر نادر في ذلك الزمان حين كانت تنهض دولة على أنقاض دولة، ولم يبطره الظفر يوما بل كان يزيده مروءة وتسامحا ورحمة بالإنسان، وإن لم يكن من دينه وجنسه، وقد يضيع جنده كرامة الانتصار وعظمته، فيعيشون فسادا وخرابا، وهو يشتد في ردعهم وضبطهم.
وقد أعطي صلاح الدين الغرب، بعدله ورحمته وتسامحه، صورة جديدة للاسلام، فزالت تلك الروح العدائية القديمة التي حملت الصليبيين إلى الشرق سنة ١٠٩٦ حتى غدا ملك الإنجليز يقترح زف شقيقته إلى أحد أمراء المسلمين.
ويلاحظ الأستاذ نقولا زيادة أن الصليبيين كانوا في السنين الأولى من القرن الثاني عشر قد عللوا عظمة عماد الدين بأن جعلوه ابن الكونتيس ابو التي شاركت في الحملة الاولى، وفي زمن الحملة الثانية اعتقدوا أن قلج أرسلان من نسل جيرماني شريف، ولكن بعد أن ذاعت شهرة صلاح الدين ظهرت أسطورة تعلل عظمة توماس بكت أحد مشاهره وجعله ابنا لأمة عربية.
اتفق عبد الله أوجلان وصلاح الدين الأيوبي في تبجيل المرأة ورفع شأنها، حيث كانت أخت صلاح الدين الأيوبي ست الشام بنت أيوب تصنع الأشربة والأدوية والعقاقير كل سنة بآلاف الدنانير وتفرقها على المرضى والجرحى من المدنيين والعسكريين.
بينما كشف عبد العظيم رمضان، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المنوفية سابقاً، وعضو مجلس الشورى، أن سياسة صلاح الدين الأيوبي، بتأمين أهل المدن المفتوحة على أرواحهم وممتلكاتهم، ساعدته على فتح العديد من المدن، مثل قيسارية والناصرة وحيفا وصفورية، وتجلت تلك السياسة في فتح مدينة القدس ، حيث وافق على مغادرة المسيحيين للمدينة، بعشرة دنانير للرجل وخمسة للمرأة وواحد للطفل، وهو يختلف عما فعله الصليبيين حين دخلوا المدينة وجعلوا الدماء فيها للركب، وتجلت أكثر إنسانية في تنفيذ هذه الشروط، حيث أعلن في الطرقات أن كافة العجزة والفقراء هم أحرار، ووهب رئيس أساقفة القدس وأمير الرملة كلا منهم الفين من الأسرى، تم إطلاق سراحهم، وعندما ذهب أرامل الفرسان إلى معسكر صلاح الدين طلب أن من يعرف مكان زوجه أن يخبره لإطلاق سراحه، ومن فقدت زوجها يعوضها من خزينته.
كما روي رمضان في كتابه "الصراع بين العرب وأوروبا" أدلة أخرى تثبت أن جيش صلاح الدين لم يبني على أساس ديني أو عرقي، وأنه بني للدفاع عن أراضي المنطقة الوافد عليه، مدللا على ذلك بأنه عندما طال أمد الحرب بين جيش صلاح الدين والحملة الصليبية الثالثة خلال حصار مدينة عكا، تخفي في الفريقين من الروح الدينية المتعصبة ليفسح الطريق لروح الفروسية، وتعقد بينهم الصلات، والوان التعارف حين يضعون السلاح بين المعارك، فتتحدث الجماعة الصليبية إلى الأخرى من المسلمين، حسبما روى ابن شداد في كتابه سيرة صلاح الدين.
وروي ابن شداد قصة أن طرفي القتال ادخل صبيين من عكا أمام صبيين من الافرنج، فوثب أحد الصبيين إلى صبي من الافرنج، فاختطفه وضرب به الأرض، فاشتراه بعض الإفرنج بدينارين، وقالوا له هو اسيرك حقا.
وأضاف أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المنوفية سابقاً، وعضو مجلس الشورى، نأه كانت أحد مهمات صلاح الدين الأيوبي التي تشترك فيها مع أوجلان هو الدفاع عن البلاد من الاحتلال الأجنبي، والتصدي للأخطار الخارجية، ومحاولة اعدائه التوحد ضده، ومنها محاولة حصار دمياط سنة ١١٦٩، حيث تواطأت على صلاح الدين عناصر الشيعة في مصر من أتباع الفاطميين، والحشاشين في الشام، والصليبيين في بيت المقدس، والأسطول الصقلي، والذي هاجم الإسكندرية بـ٦٠٠ سفينة، بها ٣٠ ألف مقاتل، وقبلها الأسطول البيزنطي، الذي انضمت له قوات صليبية من عكا، حاولت حصار دمياط، وكانت أكبر القوى المهاجمة لصلاح الدين، هي الحملة الصليبية الثالثة، والتي اشترط فيها ثلاث ملوك أوروبيين، وهم الامبراطور فريدريك بارباروسا، وريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا، وفيليب أغسطس ملك فرنسا، والجيش الصليبي الذي تجمع في مدينة صور.
وكشف سيهانوك ديبو عضو رئاسة مجلس سوريا الديمقراطية، إن أبرز نقاط التشابه بين صلاح الدين الأيوبي والقائد عبد الله أوجلان هو التحالف بين العرب والكرد إن أقدم تحالف في تاريخ الشرق الأوسط يرجع إلى الذي جرى ما بين الشعبين العربي والكردي بالضد من أول دولة قومية مركزية هي الدولة البرسيّة.
وأكد ديبو في تصريح خاص لوكالة فرات، جرى بين الكرد والعرب، فقد صيغ على يد الملك العادل صلاح الدين الأيوبي، ويرجع إلى هذا التحالف بأن تحوّلت القدس إلى مدينة للمسيحيين واليهود بإدارة مسلمة. كما أنه إلى هذا التحالف الحقيقي، وإلى عشرات الآلاف من الجنود المصريين المؤمنين برسالة صلاح الدين يعود لشجاعتهم أيضاً أمر تحرير القدس.
وأضاف عضو رئاسة مجلس سوريا الديمقراطية، أن بعض المصادر تتحدث عن 90 ألف جندي مصري قضوا نحبهم في القدس. وينصف كل من يعتقد بأن أفضل من مثّل روحانية الإسلام وقيمَه هم الكرد. كانت المقاربة روحية وليست قومية فئوية محضة بالذي فعله السلاجقة والأتراك وغيرهم من الشعوب المسلمة.
وبيّن ديبو أن هذا التحالف استمر بفضل فكر الأمة الديمقراطية، حيث لا يتوقف الفكر الأوجلاني في داخل تركيا فقط، يتعداها إلى خارج تركيا. إذْ يعلم الجميع بأن أوجلانية وحدات حماية الشعب والمرأة من أحدثت انعطاف كوباني 2015 المتمثل بالخسارة الكبرى لداعش الإرهابي.
وأشار عضو رئاسة مجلس سوريا الديمقراطية، أنه قال دانتي عن صلاح الدين الأيوبي إنه كافر، ويقولون اللحظة بأن أوجلان إرهابي، ولكن حقيقة الأمر أن صلاح الدين نجح في أن ينحسر الكفر في القدس لصالح المسيحية والإسلام واليهودية؛ في الوقت الذي نجح فيه فكر أوجلان بانحسار الإرهاب في الشرق الأوسط لصالح العيش المشترك وأخوة الشعوب ووحدة مصيرها.
ورغم هذه النقاط الإيجابية، ولكن هناك بعض الانتقادات لمسيرة صلاح الدين الأيوبي فهو ورغم جسارته واتسامه ومواقفه النبيلة ولكنه تصرف كقائد يقود دولة ومملكة عربية، دون الالتفاف إلى مجتمعه وشعبه الكردي الذي بات يعاني من الإبادة والقتل والتهجير والعريب على يد بعض السلطات الإسلاموية والقوموية، ويقول بعض من ينتقدونه من أبناء مجتمعه أنه لو كان حاضراَ بمجتمعه ولونه الكردي ضمن المنظومة الإسلامية لكان أفضل وأصدق كثيراَ ولكان أعطى بعداَ أفضل للشعب الكردي. وهذا ما يتواجد في مفهوم الأمة الديمقراطية حيث أن كل شعب ومجتمع ومكون يتواجد ضمن الأمة الديمقراطية بلونه وثقافته وخصوصيته وهذا ما يعطي للأمة الديمقراطية رونقها وقوتها وأفضليتها على مشروع السلطنة لصلاح الدين الأيوبي.