وقبل نحو 3 أعوام خرجت احتجاجات عارمة في تونس ضد الحكومة التي كانت تدير البلاد وكذلك مجلس نواب الشعب الخاضعين لهيمنة حركة النهضة وحلفائها، فما كان من الرئيس قيس سعيد إلا الاستجابة لهذه النداءات الشعبية وعليه تم حل الحكومة وكذلك البرلمان، وسط مطالبات شعبية وللقوى السياسية بضرورة حل هذه الحركة الإخوانية التي تناقض تصرفاتها الهوية التونسية التاريخية.
وقد اتهمت حركة النهضة خلال فترة حكمها البلاد عقب الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي بدعم الإرهاب في البلاد، وتلقي تمويلات أجنبية مشبوهة من قبل دول ومنظمات تدعم التطرف، فضلا عن إتاحتها المجال لأنشطة تنظيمات تعمل على نقل الشباب التونسي للقتال في مناطق الاضطرابات إلى جانب جماعات متشددة في سوريا وليبيا بالتعاون مع النظام التركي ودول أخرى.
وقبل كل ذلك تشكيل الحركة تنظيم سري نفذ اغتيالات سياسية لم تشهدها البلاد منذ عقود كاغتيال السياسيين اليساريين البارزين شكري بلعيد ومحمد البراهمي المعروفين بمواقفهما شديدة المعارضة للنهضة، وأمام هذا فقد اتخذ الرئيس التونسي عديدا من الخطوات لا سيما إفساح المجال القضائي والقانوني لملاحقة قادة وعناصر الحركة، إلا أن من خرجوا ذات يوم من أجله وضد الجماعة ها هم اليوم يرون أن الخطوات هذه غير كافية.
خطوات غير كافية؟
الناشط السياسي التونسي ثامر بديدة يرى أن الرئيس قيس سعيد لم يتخذ خطوات كافية فيما يتعلق بالموقف من حركة النهضة الإخوانية، موضحا أنه على سبيل المثال لم يقم بحل الحركة، بل وترك لهم الحرية في إقامة بعض التنظيمات أو الجبهات السياسية مثل ما يعرف بـ"جبهة الخلاص الوطني".
وأضاف "بديدة"، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن قيس سعيد لم يقم كذلك باتخاذ خطوات ملموسة فيما يتعلق بحل التنظيم السري الخاص بحركة النهضة الذي سبق له تنفيذ اغتيالات سياسية والتخطيط لها مثل اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي قبل سنوات.
وانتقد الناشط السياسي التونسي ما وصفه بـ"الدور المشبوه" للسيد نوفل سعيد وهو شقيق الرئيس التونسي، إذ قال إنه بمثابة "قنطرة للإخوان" متهما إياه بأنه صاحب علاقات مشبوهة بجماعة الإخوان وله صلات بإيران، على حد قوله، مشيرا إلى أنه عندما خرج من قبل للتظاهر ضد الإخوان ودعم قيس سعيد كان الهدف حل هذه الحركة وإنهاء وجودها تمامًا من المشهد السياسي التونسي من أجل دولة مدنية، لكن هذا "لم يحدث"، وفقا له.
وعلى مدار الفترة الماضية يواجه قيس سعيد سيلا من الانتقادات من قبل حركة النهضة وحلفائها، متهمين إياه بالانقلاب على الديمقراطية، حسب مزاعمهم، لكن الوقائع تثبت يوما تلو الآخر أن الحركة تورطت في أنشطة لا تتسق مع طبيعة العمل السياسي والحزبي المدني على نحو أضر التجربة الديمقراطية الوليدة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
موقف الرئيس سعيد
لكن في المقابل كانت البرلمانية التونسية فاطمة المسدّي أقل حدة في انتقادها لخطوات الرئيس قيس سعيد في مواجهة حركة النهضة وذلك عندما تحدثت إلى وكالة فرات للأنباء (ANF)، إذ قالت إن هناك نوعا من التباطؤ في اتخاذ قرار حل الحركة الإخوانية الذي "نحن بانتظاره منذ فترة".
وأوضحت فاطمة المسدّي أن حركة النهضة تجاوزت كافة القوانين المنظمة للعمل السياسي والحزبي في البلاد، عبر تورطها في تمويلات أجنبية والإرهاب وملف التسفير (نقل الشباب للقتال في سوريا وليبيا وغيرها)، وبعض الملفات الأخرى المرتبطة بالاغتيالات، مشيرة إلى أنه قد جرى محاكمة بعض قيادات الحركة في إطار تلك القضايا.
وبينما تؤكد البرلمانية التونسية أن هناك نوعا من التباطؤ فيما يتعلق بقرار حل حركة النهضة، إلا أنها ترى في الوقت ذاته أن هذا التباطؤ ربما يكون مردّه انتظار السلطات إلى حين صدور أحكام قضائية نهائية في القضايا التي يُحاكم بها قيادات الإخوان، التي وفقا لها شكلت تهديدا كبيرا للديمقراطية في البلاد وأضرت بالنشاط السياسي والحزبي.
وعقب الاضطرابات التي شهدتها المنطقة نهاية عام 2010 وبدايات عام 2011 التي عرفت بـ"الربيع العربي"، تمكنت جماعة الإخوان والتنظيمات الموالية لها من الصعود إلى سدة الحكم أو على الأقل الهيمنة على السلطات، من ذلك مصر وتونس، إلا أنه سرعان ما انقلبت الشعوب على توجهات هذا التنظيم الذي كان يتمتع بحرية شديدة ومساحة عمل وفرتها له المناطق الرمادية التي كان يعيش بها قبل أن يتصدر المشهد السياسي وتكشف أموره.