واحدة من الدلائل على ذلك، أتت في إطار تحضيرات جيش الاحتلال التركي للهجوم على الشعب الكردي وقوات حريته، إذ عقد قائد ما يسمى الجيش الثاني التركي، الفريق متين توكل، اجتماعاً على الخط الحدودي داخل إقليم كردستان مع ضابط تابع للحزب الديمقراطي الكردستاني وهو بهزاد لقمان ملا مصطفى ومع دلير فرزنده ابن شقيق هوشيار زيباري، في اجتماع قيل إنه "مع حرس الحدود العراقيين" لتفادي الانتقادات.
ليس هذا فحسب، فقد استضافت مدينة أنطاليا التركية، مؤخراً اجتماعاً شارك فيه بعض قيادات الحزب الديمقراطي الكردستاني بحضور، وهو لقاء وصف بأنه مخابراتي وبالتنسيق مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وما رشح عنه من تسريبات يشير إلى تفاهمات بين أنقرة وحزب البارزاني بشأن الهجمات التركية البربرية على الشمال العراقي، والتي كان أحدثها استشهاد 2 من مواطني جنوب كردستان في شيلادزه.
هذه أفكار البارزاني
في هذا السياق، يقول نيازي حامد الخبير في شؤون الشرق الأوسط، لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن حزب البارزاني يوافق على هجمات تركيا لأنه حزب كلاسيكي قبلي يؤمن من الأساس بفكرة تقسيم كردستان، وهو نفس ما تؤمن به بقية الدول المحتلة لكردستان، مشدداً على أنه لا يؤمن بالوحدة، على العكس تماماً من حزب العمال الكردستاني.
وأوضح أن أوجلان عندما بدأ حركته الثورية بدأ حديثه بكلمتين وهما "كردستان مستعمرة"، لأن كردستان مستعمرة دولياً بالفعل، ولهذا فإن حزب البارزاني مدعوم من تركيا لأن منهجه يتوافق مع الاحتلال، أي معارضة الوحدة، كما أن لديهم تفاهماً على مدار 50 سنة أن يبقوا في السلطة ويوفر لهم الأتراك الحماية، مقابل نهب ثروات إقليم كردستان.
وقال "حامد" أن كل ما يشغلهم البقاء في السلطة، ولهذا يتم نهب ثروات الإقليم، معتبراً أن الحاكم الفعلي في مناطق سيطرة البارزانيين هي المخابرات التركية، مشيراً كذلك إلى أن "العائلة البارزانية" لديهم مخاوف من تمدد وتوسع حزب العمال الكردستاني بين الكرد، ولهذا فإن لديها هدفاً مشتركاً مع النظام التركي، كما أنهم يعلمون أنهم على المدى الوسيط والبعيد سيخسرون نفوذهم، ولهذا فإنهم يلتقون مع الأتراك لمحاربة الكرد.
ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط أن هذه العائلة كل ما تقوم به تنسبه إلى حكومة إقليم كردستان رغم أن كل المؤسسات تقريباً معطلة، ويحاولون الآن تأجيل الانتخابات بغرض تهيئة الأرض لقوات الاحتلال التركي التي تخطط لمهاجمة منطقة آمديه خلال الشهر المقبل، كما يتم التصريح في كثير من وسائل الإعلام الموالية للرئيس التركي أردوغان، وأنهم يخططون لاحتلال تلك المناطق.
وقد وصل الأمر إلى أن بعض التسريبات أشارت إلى أن مسعود البارزاني سبق له وحث الكرد في بعض مناطق جنوب شرق تركيا على التصويت لصالح الرئيس التركي أردوغان خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في مايو/أيار من العام المنصرم، وحشد القبائل الكردية القريبة منه من أجل دعم أردوغان رغم كل ما يقترفه بحق الكرد سواء داخل تركيا أو خارجها.
تركيا تعادي الشعب الكردي
بدوره، يقول حسين عمر الكاتب والمحلل السياسي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن تركيا تعادي وجود الشعب الكردي، وتعادي كينونته، فلا تريد له أن يعيش، وتحاول وبالقوة دمجه ومحو كيانه لكن الأتراك لم ينجحوا، لافتاً إلى أن الجمهورية التركية تشكلت على أسس قوموية عنصرية، ومنذ انعقاد الاجتماع الأول للمجلس الذي كونه أتاتورك، ألغى وجود جميع المكونات والقوميات الأخرى.
وأضاف أن هذا المجلس بدأ كذلك يفرض بالقوة اللغة التركية وفكرة القومية التركية، ومنذ ذاك الحين تعادي الأنظمة المتعاقبة وحتى هذه اللحظة الأقوام غير التركية التي ضمت أجزاء من أراضيها إلى الجمهورية التركية، مضيفاً أنه قضى على الروم واستطاع تتريك أكثر من 5 ملايين وكذلك الأرمن الذين نجوا من المجزرة، وهو حال الكرد، ولأن الكرد كانوا أكثرية تسكن في مناطق جبلية وعرة استطاع قسم كبير منهم الحفاظ على ذاته القومية.
ويقول حسين عمر أنه أمام ذلك، تحاول الحكومات التركية المتعاقبة، القضاء على تلك الفئة التي رفضت وقاومت النزعة العنصرية الفاشية التركية، مشدداً على أن أنقرة ستستمر في محاولاتها تلك دون أن تحقق النتائج التي ترتكب الجرائم من أجلها، وستستمر في مهاجمة الكرد أينما كانوا.
دوافع البارزاني للتحالف مع تركيا
وواصل الكاتب والمحلل السياسي حديثه لوكالة فرات للأنباء قائلاً إن هناك خصوصية علينا تذكيرها تتحكم بتصرفات وقرارات البارزاني وتدفعه إلى التحالف مع أي كان في سبيل إضعاف من يجدهم بدلائل له، وهو يرفض رفضاً قاطعاً وجود قيادة بين الكرد غير قيادته، كما أنه يرى منذ تأسيس حزب العمال الكردستاني أنه يشكل خطراً كبيراً وجدياً على قيادته، لهذا فهو يحاول بكل الوسائل إنهاء ذلك الخطر، وجرب بطرق عسكرية عدة مرات.
ويضيف أنه من جهة أخرى، وبسبب بنيته الفكرية الدينية والعشائرية التي تتحكم بأسلوبه وسلوكه، فهو لا يرى في النظام التركي الحالي خطراً على الكرد، على الرغم من المرات العديدة التي تلقى الإهانات والشتائم وتقليل المكانة من رأس النظام التركي نفسه، لكنه على ما يبدو يجد في معاداة ومحاربة ذلك النظام لحزب العمال وبقية الكرد لصالحه، ويحقق له بعض من أهدافه وهو استمرارية في التحكم بالإقليم وإضعاف منافسيه وخاصة حزب العمال، لهذا لا يعارض الهجمات بل يساعد في حصولها.
ولا يتوقف الأمر على التحالف مع تركيا فقط، فلا تزال الاتهامات تحاصر حزب البارزاني حول المجازر التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي لا سيما بحق الإيزيديين، فقد أخلت القوات التابعة للحزب عدة مناطق أمام التنظيم، رغم وعوداً قدموها للأهالي بأنهم سيوفرون لهم الحماية.