اعتقالات ومطاردات ورقابة.. هكذا يحول أردوغان تركيا إلى أكبر سجن للصحفيين
"وما تركيا إلا سجن كبير"، رأي يجمع عليه كثير من المراقبين بشأن تعاطي نظام أردوغان مع حرية الصحافة، والذي يتحرك كما لو كان لديه ثأر شخصي مع الصحفيين داخلياً وخارجياً.
"وما تركيا إلا سجن كبير"، رأي يجمع عليه كثير من المراقبين بشأن تعاطي نظام أردوغان مع حرية الصحافة، والذي يتحرك كما لو كان لديه ثأر شخصي مع الصحفيين داخلياً وخارجياً.
وصل وضع حرية الصحافة في تركيا إلى حالة حرجة لدرجة أن منظمة مثل "مراسلون بلا حدود" تحذر في تقرير قبل أسابيع من "انقراض" الصحافة المستقلة في بلد لطالما رفع نظامه شعارات الديمقراطية وتشدق بها، كما انتقد مراقبون كذلك تشريعات تسعى الحكومة لإصدارها من وقت لآخر من شأنها الحد من حرية تداول المعلومات عبر الإنترنت.
وتكشف الإحصاءات أنه خلال الـ 10 سنوات الماضية جرى اعتقال 131 صحفياً على الأقل منهم 40 صدرت بحقهم قرارات بالسجن، كما قتل 5 صحفيين على الأقل، وهناك نحو 77 صحفياً جرت إدانتهم بتهمة "إهانة الرئيس"، والاتهام الأخير يأتي إلى جوار "دعم الإرهاب" كاتهامين جاهزين استخدمهما أردوغان لملاحقة الصحفيين الذين لا يخضعون لسطوته، خاصة الصحفيين الكرد، وربما الأعداد الحقيقية أكثر من ذلك.
حرية التعبير أمام تحد كبير
ويقول الكاتب الصحفي المصري إلهامي المليجي، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء، إن التضييق الشديد الذي يمارسه النظام التركي على حرية الصحافة يمثل أحد التحديات الكبرى التي تواجه حرية التعبير ليس فقط داخل تركيا، بل في المحيط الإقليمي والدولي.
وأضاف أن تركيا التي كانت تُعتبر نموذجاً للديمقراطية في فترة معينة، شهدت تراجعاً ملحوظاً في مجال حقوق الإنسان وحرية الإعلام خاصة منذ ما أطلق عليه محاولة الانقلاب في 2016، معتبرًا أن هذه المحاولة شكلت نقطة تحول عميقة في سياسات الحكومة، إذ لجأت إلى إجراءات قمعية استهدفت الصحفيين والمعارضين السياسيين والأكاديميين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
وقال المليجي إنه على الصعيد الداخلي فإن الصحفيين يتعرضون لمضايقات شديدة، تبدأ من الرقابة المستمرة على وسائل الإعلام وتنتهي باعتقالات تعسفية وسجن طويل الأمد، كما تُستخدم قوانين غامضة أو فضفاضة لمكافحة الإرهاب أو الإساءة للرئيس لتبرير هذه الممارسات، منوهًا إلى أن تركيا تعتبر من بين الدول التي تسجل أعلى نسبة من الصحفيين المعتقلين في العالم.
وعلى الصعيد الخارجي، لفت الكاتب الصحفي المصري إلى اتساع نطاق استهداف الصحفيين إلى خارج حدود تركيا، مستدلًا بالصحفيين الأتراك الذين فروا إلى دول أوروبا أو غيرها من الدول، مشيرًا إلى أنهم باتوا ملاحقين عبر وسائل مختلفة بدءًا من الضغط الدبلوماسي على الدول المضيفة لهم، مرورًا بعمليات التجسس والاختطاف المحتملة، ووصولًا إلى توجيه اتهامات رسمية لهم في المحاكم التركية رغم وجودهم في الخارج.
وقال المليجي إن هذه الممارسات تعكس تصعيدًا في موقف النظام التركي ضد حرية التعبير وحرية الصحافة، حيث يسعى لتكميم أي صوت ينتقد سياساته، سواء كان داخل الحدود أو خارجها، لافتًا إلى أن الأثر الأوسع لهذا القمع يتجاوز مجرد الصحفيين، فهو يمثل تهديدًا للنقاش العام والنقد البناء، مما ينعكس سلبًا على الديمقراطية ويعزز مناخ الخوف والصمت.
وفي ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء، قال المليجي إن المشكلة لا تقتصر على الداخل التركي، إذ تمتد سياسات التضييق إلى استهداف الصحفيين الأتراك العاملين في الخارج، ومن خلال قوانين جديدة تستهدف وسائل التواصل الاجتماعي يسعى النظام إلى فرض سيطرة أكبر على الإنترنت، ما يزيد من المخاوف الدولية بشأن حرية التعبير في تركيا.
واقع مرير
وقد كانت السنوات الماضية شاهدة على ملاحقة النظام التركي لكثير من الصحف المستقلة بين فرض الإغلاق عليها أو وضعها تحت الوصايا وسجن كثير من الصحفيين البارزين، لا سيما بعد فضائح الفساد التي تم الكشف عنها عام 2013، وكذلك كشف بعض وسائل الإعلام نقل أسلحة من تركيا إلى فصائل مسلحة في سوريا بعضها ذات صلة بالقاعدة وداعش، وما ترُك من صحف قد تكون كثير وتتنوع أسماؤها، إلا أنها جميعًا لا تعبر إلا عن وجهات نظر أردوغان.
ويكشف المحلل السياسي التركي محمد أمين كليج، عن واقع مرير داخل تركيا بشأن حرية الصحافة، إذ يقول إنه منذ عام 1946 وحتى اليوم، يمكن ملاحظة أن السياسيين وجميع الحكومات السابقة مارسوا لعبة ديمقراطية فريدة من نوعها في الداخل والخارج، من خلال إفراغ مفهوم الديمقراطية، موضحًا أن العملية هي تماماً مثل الأيام الحالية في تركيا، حيث يتم تشكيل مجموعة من الصحفيين الذين يصنعون الأخبار بلغة الدولة وينتظرون مكافآت على مقالاتهم المزخرفة بمدح الحكومة.
وقال كليج، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء، أن هؤلاء الصحفيين ظهروا في كل مكان وهم مهرة في التلاعب بالأحداث والأخبار، أما أولئك الذين يصرون على ممارسة الصحافة الناقدة، فلديهم قدم في أروقة المحاكم والأخرى في السجون، وفقًا له.
ويقول المحلل السياسي التركي إن حرية الصحافة لا تعني الحرية الشخصية للصحفي فقط، كما أن وجود وسائل إعلام مكتوبة ومرئية ومسموعة من حيث التنوع والكم في بلد ما لا يعني بالضرورة حرية الصحافة، فوفقاً للمعايير العالمية فإن حرية الصحافة تشمل حق الناس في تلقي الأخبار والاطلاع ومعرفة الحقائق.
وأضاف أنه إذا لم يتمكن الجمهور من تلقي الأخبار، أو لم يتمكن من معرفة ما يجري بدقة، أو إذا تم منع الكشف عن الأحداث من قبل السلطة الحاكمة، فلا توجد حرية صحافة في ذلك البلد، مشيرًا إلى أن هذه المعايير العالمية هي التي تضع تركيا في المرتبة 157 في التصنيف العالمي لحرية الصحافة.
ويشير كليج إلى نقطة أخرى وهي أن عدد الصحفيين العاطلين عن العمل يزداد على نحو يشبه الانهيار الجليدي، فيما يتحول الصحفيون المقربون من الحكومة إلى مجرد خدم، وبالتالي ليس من الممكن الحديث فقط عن حرية الصحافة ولكن أيضًا هناك إشكالية في الحقوق والحريات الأساسية.
صحافة عنصرية؟
وتحدث كليج عن إشكالية أخرى تتمثل في غلبة البعد القومي المتطرف والعنصرية على وسائل الإعلام الموالية للنظام، موضحًا أنه في الوقت الحاضر تبحث الدول القومية عن طرق مختلفة للسيطرة على وسائل الإعلام، مشيرًا في هذا السياق إلى التحالف الحكومي المكون من حزب العدالة والتنمية وأحزاب أخرى مثل الحركة القومية على نحو يعبر عن ذروة العنصرية.
وأضاف أن هذا التحالف يعمل على إيجاد أساليب جديدة لتدمير الصحافة ذات التوجه الحقوقي والصحافة ذات التوجه العمالي، ويستخدم هؤلاء قوتهم المالية ويمنعون الناس من الوصول إلى الأخبار الدقيقة من خلال قوانين تتعارض مع حقوق الإنسان والحريات، منوهًا إلى أن وسائل الإعلام الجديدة للنظام الإمبريالي تقدم الأحداث لشعوب العالم من خلال نظارتها الوردية، مما يشوه الحقائق.
وفي ختام تصريحاته، يقول كليج أن تركيا بطبيعة الحال لم تتأخر في تطبيق هذه التطورات الدولية على شعبها، حيث تم فرض قيود شديدة على حرية تداول الأخبار، وتم وضع الصحافة الحرة المستقلة تحت الحصار القانوني، موضحًا أنه باختصار تعرضت أصالة الصحافة للخطر مرة أخرى، نتيجة هذا العمل غير الإنساني الذي يؤثر في المجتمع بشكل سلبي ويعدم الثقة المجتمعية وهو أمر من شأنه حدوث العديد من المشكلات المجتمعية كما هو الوضع الحالي.