المفكر عبد الحسين شعبان: أوجلان يطرح أفكاراً جاذبة والإدارة الذاتية تطبيق ذكي للحل الديمقراطي

أبدى المفكر العراقي الكبير الدكتور عبد الحسين شعبان إعجابه بفلسفة القائد عبد الله أوجلان، مؤكداً ذلك في ندوة بالعاصمة المصرية القاهرة، خاصة طرح الأمة الديمقراطية، مشيداً كذلك بتجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا.

جاء ذلك خلال ندوة عقدت تحت عنوان "نحو وستفاليا مشرقية" استضافها مركز آتون للدراسات، ومقره القاهرة، في أولى ندوات صالونه الثقافي والتي تطرقت إلى كثير من إشكاليات الشرق الأوسط وشعوب وقوميات المنطقة، وذلك بحضور لفيف من المثقفين والدبلوماسيين والأكاديميين والسياسيين والصحفيين من مصر والعراق وسوريا واليمن، الذين شاركوا المفكر العراقي عبد الحسين شعبان بأسئلتهم وبعض من أفكارهم ورؤاهم حول مستقبل المنطقة.

وتمحورت الندوة التي قدمها الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز أتون حول طرح يقدمه الدكتور عبدالحسين شعبان يقول فيه إن منطقة الشرق الأوسط بحاجة إلى "وستفاليا جديدة" أي حل يشبه معاهدة صلح وستفاليا التي أبرمت عام 1648 في أوروبا والتي أنهت الحروب الدينية وأسست لمرحلة جديدة تقوم على الاحترام والاعتراف المتبادل، مؤكداً الحاجة إلى نموذج مشابه في ظل الأزمات التي تعيشها كثير من دول المنطقة لا سيما على صعيد العلاقات بين القوميات الأربع الرئيسية (العرب والكرد والفرس والترك)، وكذلك على صعيد العلاقات بين الأديان والمذاهب.

لا يتوفر وصف.

جاذبية أفكار أوجلان

وقد توقف الدكتور عبد الحسين شعبان في تناوله لقضايا وإشكاليات المنطقة عند أفكار المفكر عبدالله أوجلان والذي وصفه بأنه "الزعيم المغيب منذ ربع قرن" في إشارة إلى سجنه بجزيرة إمرالي في تركيا، وقال إن أوجلان طرح فكرة تكتسب جاذبية الآن أكثر فأكثر وهي فكرة الأمة الديمقراطية التي تقوم على أن الدولة القومية إذا اقتنعت بحقوق الكرد فيمكن حل الأزمة سلمياً بالتفاهم والتعايش، ولكن إذا لم تقتنع القومية الكبرى بهذه الفكرة فلا بد لأصحاب الحق (القومية الأصغر) أن تتخذ قرارها بما أسماه شبه الاستقلال الديمقراطي، وعلى الكرد تحمل مسؤوليتهم على هذا الصعيد بالتمايز.

وقال شعبان إن هذا الحل الذي طرحه أوجلان ربما يندرج في مفهوم نظري بدأ منذ نهايات القرن الـ 19 عشر وقد طرحته المدرسة الاشتراكية العالمية، التي تحدثت عن فكرة حق تقرير المصير، والتي تعني أن للأمم والشعوب حقها في تقرير مصيرها بحرية دون أن يعني ذلك إلحاق ضرر بالآخر الشريك في الوطن، مشدداً على أن ثمن الحروب فادح دائماً وهذا ما أكدته تجارب العراق وسوريا واليمن والسودان ولبنان وليبيا والصومال وتركيا، وبالتالي لا بد من التفكير في حلول ومعالجات.

وفي هذا السياق، لفت المفكر العراقي إلى تبني الكرد في سوريا أفكار الإدارة الذاتية، والتي اعتبرها تطبيقاً جديداً ذكياً لفكرة الحل الديمقراطي والأمة الديمقراطية دون الانسلاخ عن الدولة القومية وإنما الضغط على الأخيرة للاعتراف بالقوميات الأخرى في إطار الوحدة الوطنية.

وواصل شعبان استعراض بعد تجارب الكرد في المنطقة وفي هذا السياق لفت إلى أنه في العراق بعد تجربة مريرة طرح الكرد فكرة الفيدرالية وهي تعود إلى ما قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، ولكنه يلفت إلى أن هناك خلافات كثيرة حولها، كما أن نص الدستور العراقي تتضمن العديد والعديد من الألغام السياسية التي لا يعرف توقيتات انفجارها وقد وضعت لسبب رئيسي هو عدم استعادة العراق عافيته.

لا يتوفر وصف.

كما تطرق إلى إيران واعتبر أن الوضع بالنسبة للكرد فيها أصعب، إذ أن الحديث عن أي قومية لديها يعتبر ضلالة، وبالتالي أي من يتحدث عن الرغبة في حق قومي أو تمايز قومي أو يعبر عن هويته فإن هذا بدعة وضلالة "والضلالة مكانها النار" في فكر النظام الإيراني، على حد قوله.

تفريغ المنطقة من تنوعها

وفي سياق تقديمه لطرحه حول وستفاليا جديدة، سبر المفكر العراقي الكبير بعضاً من أغوار خريطة الصراعات في المنطقة بما تتضمن من قوميات رئيسية هم العرب والترك والفرس والكرد، مشيراً إلى أن القومية الأخيرة لديها كل ما يؤهلها لتكون من أهم قوميات المنطقة، ومؤكداً هنا الحاجة إلى تسويات دينية ومذهبية حتى لا تستغل تلك الخلافات من قبل السنية السياسية أو الشيعية السياسية.

وتطرق شعبان إلى مسألة في غاية الخطورة وهي تفريغ منطقتنا من تنوعها الهوياتي والثقافي وتحويلها إلى دول مجهرية، وضرب مثلاً بتفريغ الشرق الأوسط من المسيحيين بشكل تدريجي، مدللاً على ذلك بمدينة القدس التي قال إن عدد المسيحيين بها كانوا 50 ألفاً قبل الاحتلال الإسرائيلي، أما الآن فلا يتجاوز عددهم 5 آلاف، ودولة مثل سوريا كان عدد المسيحيين فيها نحو 16% من السكان أما الآن فلا يتجاوزون 6%، وتساءل مجدداً لماذا يراد تفريغ المنطقة من المسيحيين ، معتبراً أن هذا التفريغ يعبر عن تحديات كبرى تواجه المنطقة، قائلاً إنه إذا كان برنارد لويس يطرح عام 1979 تقسيم دول المنطقة إلى 41 كياناً وأن تتحول دول المنطقة إلى كيانات مجهرية فإن الشرق الأوسط سيتحول إلى أقليات تكون فيها إسرائيل هي المتفوقة بما تتقدم به وما تتلقاه من دعم للغرب.

ولفت إلى أن هذا العرض والمعلومات التي أشار إليها تصب باتجاه الدعوة إلى وستفاليا مشرقية الآن، قائلاً إنه في غيابها وإذا استمر الوضع الحالي فإن المنطقة ستندثر تباعاً إلى التشرذم، وستنشأ كيانات ودوقيات وإمارات مجهرية، مشدداً على أنه لذلك فإن الدعوة إلى وستفاليا تكتسب أهمية كبيرة نتيجة ما وصلت إليه المنطقة.

وتحت فكرة مفاوضات 50 عاماً ولا حرب لساعة، استعرض الدكتور عبدالحسين شعبان بعضًا من التفاصيل التاريخية لاتفاقية وستفاليا، موضحاً أنها معاهدة أو صلح أبرم عام 1648 بعد حرب دامت 30 عاماً كان لها آثار كارثية على البشرية، مشيراً إلى أن المناطق التي تشكل ألمانيا التي نعرفها الآن فقدت 13 مليون إنسان منها على الأقل في هذه الحرب التي جاءت بعد حرب الـ100 عام التي راح خلالها ملايين البشر، موضحاً أن وستفاليا اكتسبت أهميتها من كونها وضعت نظاماً جديداً يقوم على عناصر رئيسية أبرزها الاعتراف المتبادل بالسيادة، وحق ممارسة الشعائر والطقوس الدينية والمذهبية بحرية، وحق مرور البضائع والسلع دون اعتراضات مع رسوم معينة يتم الاتفاق عليها، والتأسيس للدولة القومية في أوروبا أو الدولة الأمة.

إنهاء الصراعات

وقد استعرض أزمات العراق وسوريا وإيران وتركيا وما خلفته الصراعات القومية، ليؤكد الحاجة إلى وستفاليا في كل بلد عربي من شأنها تحقيق الوحدة الوطنية والتي يقول إنها لن تتحقق دون مصالحة وطنية، ولن تتحقق مصالحة وطنية دون مصارحة، ولا مصارحة دون تبادل معلومات وثقة وتفاهمات، مشيرًا إلى أن العلاقات بين دول الإقليم تقوم على الريبة والشك والاستقواء والمصالح غير المشروعة أحيانًا مثل تطلعات إيران وتركيا وكذلك الطغيان الخارجي الأمريكي في العراق، معتبرًا أن التفاهم بين دول المنطقة ضرورة للحصول على الاستقلال الحقيقي وتحقيق التنمية وإقامة مشروعات نهضوية حقيقية وتفاهمات جدية بعيدًا عن التناقضات الثانوية مثل الشيعة والسنة والمسلمين والمسيحيين والمسلمين وغيرهم من الأديان.

ويشدد شعبان على أهمية الاعتراف المتبادل بحقوق المجموعات الثقافية المختلفة، فالحقوق ناقصة وفقًا له إن لم يتم الاعتراف بحقوق الآخر على أساس مبدأ الحق في تقرير المصير، والأخير مبدأ قانوني لا يعني الانفصال بالضرورة فيبدأ من المواطنة الكاملة ويمر بالحكم الذاتي والفيدرالية والكونفيدرالية، منتقدًا استخدام كلمة الأقليات كونها تستبطن الهيمنة، ولذلك يفضل استخدام توصيف مجموعة ثقافية، وقال نصًا: "عروبتي ستكون ناقصة، وإسلاميتي ستكون ناقصة، إذا لم أعترف بحقوق الآخرين".

وقال شعبان إنه لو استطعنا حل قضية الأديان في السودان منذ عام 1956 لما وصلنا إلى انفصال جنوب السودان، ولو استطعنا حل القضية الكردية في العراق منذ بداية الدولة العراقية أو على الأٌقل بعد عام 1958 لما وصلنا لما وصلنا إليه الآن، ولو استطعنا حلها في تركيا لما كانت أهدرت الدماء ولا الموارد ولا تعطلت التنمية، والأمر يتعلق أيضًا بحقوق الكرد في سوريا وكذلك ما يتعلق بأتباع الأديان الأخرى، وبالتالي يؤكد أنه حين يدعو إلى الحوار بين القوميات الأربع الرئيسية فإن هذا لأنه لا سبيل لهم إلا العيش المشترك معًا، حتى لو كان هناك بعض من هذه الدول سواء تركيا وإيران لديهما مشروعًا خاصًا بهما في المنطقة، وهنا تسائل عن المشروع العربي، داعيًا الدول العربية هي الأخرى إلى بناء مشروع عربي نهضوي يمكن أن ينهض بتعاون بين هذه الأمم التي تشكل المنطقة.

نحو "وستفاليا مشرقية"

ثم أخذ المفكر العراقي يؤصل لدعوته لوستفاليا مشرقية، والتي قال إنها بحاجة إلى 5 روافع رئيسية، فهناك الرافعة التعاقدية التشريعية القانونية على صعيد كل بلد عربي إن يتم الاعتراف بالمواطنة المتساوية المتكافأة والتشاركية، وعلى صعيد العلاقات الثنائية إعادة الاعتبار للحوار كوسيلة للتعاطي مع المنازعات والحل السلمي للمنازعات بين الدول واحترام السيادة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية، واحترام الاستقلال السياسي ووحدة الأراضي، مشيرًا إلى أن كلها مبادئ معروفة في القانون الدولي ومثبتة في ميثاق الأمم المتحدة.

ويلفت كذلك إلى أن وستفاليا الجديدة تحتاج إلى منهجية تعليمية تربوية جديدة تعلم احترام وقبول الآخر، وتتطلب تنفية المناهج من كل ما يسيء للآخر سواء على أسس قومية أو دينية أو عرقية أو مذهبية واحترام حق الاختلاف الذي يبدأ من الطفولة، كما أكد كذلك الحاجة إلى نظام قضائي في كل بلد عربي على أن يقوم على العدالة، وكذلك الحاجة إلى أن تكون هناك وسائل تحكيم بشأن الأمور المختلف عليها بين البلدان العربية والإقليمية سواء كانت حدودية أو اجتماعية أو اقتصادية أو جغرافية، أيضًا أكد الحاجة إلى دور للمجتمع المدني، مبدياً أسفه لتلاشي دور المجتمع المدني الذي نهض في الدول العربية خلال التسعينيات، مشيرًا أيضًا إلى الحاجة لأن يكون هناك دورًا للإعلام على هذا التصعيد، مشددًا كذلك على ضرورة الحوار.