المقال الذي نشر عبر موقع جريدة "فيتو" المصرية تزامناً مع الذكرى 26 لاعتقال المفكر الأممي عبدالله أوجلان، قدم توصيفاً دقيقاً لأزمات الشرق الأوسط وجذورها العميقة لا سيما مسألة غياب التعايش بين القوميات والإثنيات، التي إن تم التغلب عليها يتحقق الاستقرار للمنطقة والرخاء والتنمية، وهنا تظهر أهمية فكر الأمة الديمقراطية كمفهوم تصدى بالأساس لهذه الإشكاليات من كافة الجوانب وبشكل عملي.
يبدأ الكاتب الصحفي إلهامي المليجي مقاله حول إرهاصات المؤامرة الدولية لاعتقال المفكر عبدالله أوجلان، فيذكر أنه في التاسع من أكتوبر عام 1998، شُنت واحدة من أخطر المؤامرات في تاريخ النضال الإنساني، مؤامرة قادتها قوى الظلم والاستبداد ضد رجل حمل على كتفيه هموم أمة بأكملها. عبدالله أوجلان، المفكر والمناضل الكردي الذي لم تضعفه سجون العالم، لم يكن مجرد قائد سياسي، بل كان شعلة فكرية سعت لإضاءة دروب الحرية لشعبه، وإلى مد جسور السلام والعدل بين شعوب المنطقة.
ويعمق المليجي في مقاله الحديث عن تلك المؤامرة التي قال إنه قد اجتمع فيها ما كان مستحيلاً من تحالفات بين أعداء الأمس، بتنسيق استخباراتي عالمي تقوده أمريكا، وتباركه الصهيونية، وتدعمه بريطانيا، لتُسلم تركيا إلى يدها رجلاً أدركت بخطورة فكره وسعة رؤيته ما قد يُحدثه من تغييرات جذرية في معادلات السياسة والهوية في الشرق الأوسط، معتبراً أن تلك اللحظة كانت بداية لفصل جديد من الظلم، لكنها أيضاً، وبكل ما حملته من قسوة، لم تنل من صمود أوجلان، بل عززت في روحه إصراراً على تقديم مشروعه الفكري الذي رأى فيه حلاً لمعضلة المنطقة العصيّة؛ مشروع الأمة الديمقراطية.
مفترق طرق وحدث مشؤوم
ويقول المليجي إنه بعد ستة وعشرين عاماً من ذلك الحدث المشؤوم، يقف الشرق الأوسط على مفترق طرق، تُثقل كاهله الصراعات العرقية والدينية والمذهبية. وما زالت حرية أوجلان وحريته الفكرية تمثل أملاً في تحقيق استقرار طويل الأمد، يحرر شعوب المنطقة من أغلال التمييز والاضطهاد، ويفتح الباب أمام عصر جديد من التنمية والازدهار.
ثم يؤكد أن اعتقال أوجلان وتسليمه إلى تركيا لم يكن مجرد حدث أمني عابر، بل جاء تتويجاً لسلسلة من الترتيبات السياسية والدبلوماسية التي تهدف إلى إخماد حركة التحرر الكردية، ويشير إلى أن ما يثير الاهتمام هنا هو التوافق الضمني بين القوى الكبرى التي كانت تنافس في بقية الملفات الإقليمية، لكنها التقت في ملف القضاء على أوجلان وحركته، ما يعكس الثقل الاستراتيجي للقضية الكردية وتأثيرها على استقرار المنطقة برمتها.
القضية الكردية وأبعادها
ثم يتحدث منسق المبادرة العربية لحرية أوجدلان أكثر عن القضية الكردية فيقول إنها جزء لا يتجزأ من النسيج الجيوسياسي للشرق الأوسط، موضحاً أن الشعب الكردي يمتد على مساحة جغرافية تتقاطع مع حدود أربع دول رئيسية: تركيا، إيران، العراق، وسوريا، وهذا التداخل الجغرافي يجعل من القضية الكردية قضية إقليمية بامتياز، ترتبط بشكل مباشر بالأمن القومي لهذه الدول، ويلفت إلى أنه بالنسبة للدول العربية، تبقى القضية الكردية واحدة من أكثر الملفات حساسية، خصوصاً في ظل التداعيات التي تنجم عن تصاعد المطالب الكردية بالاستقلال أو الحكم الذاتي.
وفي تأكيد يحمل تحذيراً، يقول المليجي في مقاله إن تجاهل حل القضية الكردية لا يعزز فقط عدم الاستقرار في الدول المعنية، بل يُضعف الجبهة الداخلية للمنطقة بأسرها أمام التحديات المختلفة، سواء كانت اقتصادية، سياسية أو أمنية، ويؤكد أنه لذلك، فإن إيجاد حل عادل ودائم للقضية الكردية يعد خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار الإقليمي.
رؤية أوجلان للوحدة الإقليمية
يعود المليجي مرة أخرى إلى فلسفة أوجلان وأفكاره، فيقول إنه منذ اعتقاله، طرح المفكر عبدالله أوجلان رؤية جديدة لمفهوم الدولة القومية من خلال مشروع الأمة الديمقراطية، موضحاً أن هذا المشروع يعتمد على فكرة الوحدة في التنوع، ويعزز من مفهوم الشراكة بين الشعوب دون الحاجة إلى تفتيت الدول أو المساس بحدودها السياسية.
ويقول إنه في سياق الشرق الأوسط، الذي يشهد صراعات قومية ودينية عديدة، يبدو أن رؤية أوجلان تقدم مخرجاً ممكناً للصراعات العرقية والقومية، فهي لا تدعو إلى تقسيم الدول، بل إلى دمج الهويات المختلفة في إطار ديمقراطي يسمح لكل مكون بممارسة حقوقه الثقافية والسياسية.
ويشدد الكاتب الصحفي المصري على أن حرية عبدالله أوجلان ليست مجرد مطلب سياسي أو إنساني، بل مفتاح رئيسي للحل السلمي للقضية الكردية، فأوجلان، رغم سنوات سجنه الطويلة، لا يزال يحظى بتأثير كبير على الشعب الكردي وحركات التحرر الأخرى في المنطقة، مؤكداً أن إطلاق سراحه سيمثل نقطة تحول في مسار النضال السلمي، وقد يفتح الباب أمام مفاوضات جادة لتحقيق تسوية عادلة للقضية الكردية.
ويؤكد كذلك أنه لا يمكن تجاهل الدور الحاسم الذي يمكن أن تلعبه حرية عبد الله أوجلان في تحقيق السلام الدائم وحل القضية الكردية، فمنذ اختطافه واعتقاله قبل 26 عاماً، أصبحت قضيته رمزاً للصراع المستمر بين الحكومات التركية المتعاقبة والشعب الكردي، ويستدرك قائلاً أنه على الرغم من كل هذه السنوات خلف القضبان، ظل أوجلان حاملاً لمشروعه الفكري والسياسي الذي يعتمد على الحوار والسلام، ما جعله شخصية محورية في أي محاولة لحل القضية الكردية، مكرراً تأكيده مجدداً أن إطلاق سراح أوجلان لن يكون مجرد خطوة رمزية، بل سيكون تحولاً كبيراً نحو حل سلمي وعادل للمسألة الكردية.
الأمة الديمقراطية
ويقول المليجي إنه منذ أن بدأ أوجلان الترويج لفكرة الأمة الديمقراطية، قدم بذلك رؤية جديدة لمستقبل الشرق الأوسط، لا تعتمد على تقسيم الدول أو خلق حدود جديدة، بل على الاعتراف بالحقوق المتساوية لكافة الشعوب والمجموعات العرقية والإثنية، لافتاً إلى إن هذه الفكرة تقوم على احترام التنوع وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال الديمقراطية التشاركية.
ويضيف أنه إذا تم تطبيق هذا النموذج، فإنه سيخلق مناخاً من التسامح والتعايش السلمي بين جميع المكونات، وهو ما سيعالج جذور النزاعات العرقية والدينية والمذهبية التي شهدتها المنطقة لعقود طويلة، كما أن تطبيق فكر الأمة الديمقراطية يمثل حلاً جذرياً لمشكلات الأقليات الإثنية والعرقية والدينية والمذهبية في المنطقة، فالفكر يقوم على أساس دمج المكونات المختلفة في نظام سياسي واجتماعي يتجاوز فكرة الدولة القومية التقليدية التي تعتمد على هوية واحدة وقومية واحدة.
ويقول إنه بدلاً من ذلك، يدعو هذا الفكر إلى بناء مجتمع يقوم على الديمقراطية التشاركية، حيث تشارك كل فئة في صنع القرار بشكل مباشر، ثم يؤكد أن تلك الرؤية تتناسب مع طبيعة الشرق الأوسط المتنوعة، حيث تتعايش فيه مكونات مختلفة من العرب، والكرد، والأتراك، والإيرانيين، والسريان، والأرمن، وغيرهم من الشعوب، فضلاً عن التنوع الديني والمذهبي الذي يميز المنطقة.
ويواصل المليجي حديث عن فكرة الأمة الديمقراطية فيقول إنها تدعو إلى إلغاء التمييز بين هذه المكونات على أساس العرق أو الدين، وتؤسس لمبدأ العيش المشترك في ظل نظام ديمقراطي يحفظ حقوق الجميع. وبهذا المعنى، فإنها تقدم حلاً شاملاً للنزاعات القائمة وتعالج مشاكل التهميش والاضطهاد التي تعاني منها الأقليات في الشرق الأوسط.
الأمة الديمقراطية والاستقرار
ويعدد منسق المبادرة العربية لحرية أوجلان مكاسب تطبيق فكر الأمة الديمقراطية وتبنيه، مؤكداً أن هذا سيقود إلى استقرار شامل بعد عقود من التوترات والصراعات، كما أن إنهاء الصراعات العرقية والدينية والمذهبية سيفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الاهتمام بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فيما تتمكن دول المنطقة من توجيه مواردها وإمكاناتها إلى مشاريع التنمية بدلاً من إنفاقها على الصراعات والحروب التي أنهكت الشعوب وأعاقت التقدم.
ويقول المليجي إنه في ظل الاستقرار السياسي والاجتماعي، ستشهد المنطقة تحولاً إيجابياً على الصعيد الاقتصادي، حيث يمكن للحكومات أن تبدأ في تنفيذ خطط تنموية تعود بالفائدة على كافة شرائح المجتمع، وسيتاح للشعوب فرصة الاستفادة من ثروات بلدانهم وتنمية مواردهم، مما سيسهم في تحسين مستوى الحياة وتقليص الفجوات الاقتصادية بين مختلف المكونات الاجتماعية، مؤكداً أن هذا سيؤدي في النهاية إلى خلق بيئة سلمية ومستقرة، تسمح للمنطقة بالتركيز على بناء مستقبل مشرق للأجيال القادمة.
وفي مقاله يقول أيضاً الكاتب الصحفي المصري إنه في ظل التعقيدات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تبقى القضية الكردية واحدة من أكثر الملفات إلحاحاً، لا سيما وأنها تمس مستقبل العديد من الدول والمجتمعات في المنطقة، ويؤكد أن حرية عبدالله أوجلان وتطبيق رؤيته للأمة الديمقراطية ليسا مجرد خطوة نحو حل القضية الكردية فحسب، بل هما مفتاح لحل أوسع للنزاعات العرقية والإثنية التي تعصف بالمنطقة منذ عقود، كما أن تحقيق هذا الحل سيقود إلى استقرار دائم ويعيد للمنطقة قدرتها على النهوض والتركيز على التنمية والازدهار، ما سيعود بالخير على شعوب المنطقة بأسرها.
رمز عالمي للنضال
ويعود المليجي مرة أخرى لاعتقال المفكر عبدالله أوجلان، فيؤكد أن المؤامرة التي استهدفته، رغم وحشيتها، لم تستطع أن تطفئ جذوة فكره، بل جعلت منه رمزاً عالميا للنضال والكرامة، والأن، بعد أكثر من ربع قرن على تلك المؤامرة، باتت حريته ليست مجرد مطلب كردي، بل نداءً للعدل والسلام في منطقة مزقتها الصراعات العرقية والدينية.
ويؤكد أن فكر الأمة الديمقراطية الذي صاغه أوجلان في ظلام سجنه يحمل في طياته ضوءاً يتجاوز حدود القوميات والطوائف، ليضع أُسساً جديدة للتعايش المشترك، حيث تُحترم حقوق الجميع دون المساس بوحدة البلدان، كما أن مستقبل الشرق الأوسط لن يتحقق بالسلاح ولا بالتفرقة، بل من خلال الحوار والشراكة بين الشعوب.
ويؤكد أن رؤية أوجلان وحدها تقدم طريقاً نحو هذا المستقبل، حيث يمكن للكرد، والعرب، والأتراك، والإيرانيين، وبقية شعوب المنطقة أن يجدوا في التنوع مصدراً للقوة والوحدة، لا للانقسام والعداء، منوهاً إلى أن حرية أوجلان ستكون الخطوة الأولى نحو حل القضية الكردية، لكنها أيضاً ستكون نقطة انطلاق لتغيير أوسع في المنطقة، فالحرية التي يدعو إليها أوجلان ليست حرية لشعب واحد فقط، بل هي حرية لكل الشعوب المضطهدة، ونداء للسلام والعدالة في مواجهة قوى الهيمنة والاستبداد.
وفي ختام مقاله يؤكد أنه عند حرية أوجلان وتطبيق أفكاره فقط، ستشهد المنطقة استقراراً حقيقياً يسمح لها بالتركيز على التنمية والازدهار، ليعود الخير على الجميع، وتستعيد شعوبها حقها في الحياة الكريمة والحرية، مؤكداً أنه إذا كانت المؤامرة على المناضل والمفكر عبدالله أوجلان قد بدأت قبل ستة وعشرين عاماً، فإن الرد عليها يبدأ الآن بتحريره، وبتحرير شعوب المنطقة من قيود الظلم والقمع، وكما انطلقت قوافل الحرية عبر التاريخ، فإن أوجلان سيظل، رغم القيود، رمزاً لروح لا تنكسر، وفكر لا يموت.