كيف تشكل فلسفة المفكر عبدالله أوجلان مخرجا لشعوب الشرق الأوسط من أزمتهم الحالية؟ سؤال توجهت به وكالة فرات للأنباء (ANF) إلى المهندس أحمد بهاء الدين شعبان أمين عام الحزب الاشتراكي المصري، والذي أبدى قناعة تامة بأن ما طرحه أوجلان من أفكار لا سيما "الأمة الديمقراطية" قادر على حل كثير من إشكاليات المنطقة المعاشة، والتي جميعها من مخلفات فترات الاستعمار.
ويوضح المهندس أحمد بهاء الدين شعبان أن أغلب المشكلات والإشكاليات في الشرق الأوسط مصدرها الأساسي تعرض هذه المنطقة لموجات من الاستعمار الخارجي، ما أدى بالفعل إلى تشويهها وزرع الفتن بين مكوناتها بعد أن كانت تعيش في توائم وانسجام.
وأضاف أنه بالتالي لا يمكن حل مشكلات هذه المنطقة في ظل هذه الهيمنة الاستعمارية وإن كانت قد أخذت أشكالا تختلف نسبيا عما كان عليه الحال قبل 50 عاما مثلا، موضحا أن هذه الإشكاليات تتمثل في 3 عناوين رئيسية هي الفقر والتخلف وتردي الأحوال الاجتماعية والثقافية للتجمعات والتجمعات الموجودة في المنطقة، والأمر الثاني استشراء الفتن والصرعات العرقية والإثنية والاحتراب الداخلي بين المكونات، وثالثًا غياب الحريات والنظم الاستبدادية وتعرض مواطني المنطقة للقمع ووالإجحاف بحقوق الإنسان وتواطؤ الدول الغربية والاستعمارية مع النظم الحاكم.
ويقول إن هذا التواطؤ حدث لأن هذه القوى الاستعمارية لها مصالح مع هذه الأنظمة الاستبدادية، ولهذا تتستر على انتهاكها للحريات وتجاوزها فيما يخص حقوق الإنسان وحقوق الرأي والتعبير، مؤكدا أن هذه القضايا وغيرها مردها الأساسي فترات الاحتلال والاستعمار الطويلة، فمصر على سبيل المثال منذ أن سقطت الإمبراطورية المصرية القديمة، ولأكثر من ألفين سنة نمر من مرحلة استعمارية لأخرى، فاستعمرنا من اليونانيين والفرس والأتراك والفرنسيين والإنجليز والآن من الإسرائيليين، وكل هذه القضايا من مخلفات الاستعمار والهيمنة والمستمرة بسبب هشاشة المكونات الحضارية الراهنة للمنطقة بغض النظر عن الماضي المجيد لأغلب مكوناتها العرقية والإثنية.
مخلفات الاستعمار وأفكار أوجلان
ويستدرك قائلا إن مخلفات الاستعمار وهيمنة القوى الإمبريالية القائمة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وتحالفها مع النظم الحاكمة سبب كل مشاكلنا وتراجعنا وتخلفنا على النحو البائس الذي نشعر بها جميعا، مؤكدا أنه هنا تستطيع الأفكار الجادة التي طرحها المفكر عبدالله أوجلان وخاصة قضية الأمة الديمقراطية أن تكون حلا مقترحا قابلا للمناقشة ويملك مكونات إيجابية يمكن بالفعل أن تقدم حلولا مبتكرة لأزمات مجتمع الشرق الأوسط والمنطقة العربية وما يمثلها من مناطق.
ويوضح أن فكرة الأمة الديمقراطية التي دافع عنها أوجلان وكتب كثيرا حولها يقول فيها إن هذه الدولة القائمة على فكرة الأمة الديمقراطية ليست بديلا فحسب للدولة القومية، وإنما تقدم نموذجا يحتذى به يحل مشكلات هذه الدولة القومية القائمة على التمايز والعنصرية والاستبداد، ولا يمكن أن تكون حلا لمشكلات المجتماعات التي نحياها.
بديل للأمة القومية
ويضيف أنه في ضوء أفكار أوجلان فإن الدولة المطلوبة وفق أفكار الأمة الديمقراطية هي بديل للدولة القومية التي نشأت مع المجمتع الرأسمالي، وهي مفتوحة لكل المكونات الحضارية، وتطرح إمكانية لتبادل المنافع واستبدال الاحتراب الداخلي بالتشارك في الخيرات الوفيرة للمجتمعات القائمة في منطقتنا، وتتميز بقدر هائل من القدرة على استيعاب المكونات الحضارية وتقديم الحلول للمشكلات في ظل الاعتراف المتبادل وعدم التمييز والسعي للخير المشترك الذي يعم الجميع.
ويقول المهندس أحمد بهاء الدين شعبان إن أوجلان يرى أن الأمة الديمقراطية هي المجتمع المشترك الذي يكونه الأفراد الأحرار والمجموعات الحرة بإرادتهم الذاتية، والقوة الموحدة في الأمة الديمقراطية هي الإرادة الحرة للأفراد ومجموعات هذا المجتمع الذين قرروا الانتماء إلى نفس الأمة.
ويوضح أن المفهوم الواسع للأمة الديمقراطية يمكن أن يستوعب كل المكونات القائمة والتمايزات العرقية والإثنية وحتى الدينية ويمنع المسببات المادية والفكرية للاقتتال الأهلي، ويحيد مخلفات عصور الاستبداد والهيمنة، ويمنح شعوب المنطقة فرصة لبناء مجتمع مشترك وسعيد ومنتج ولديها من المقومات المادية والثروات الدفينة والقدرات البشرية، ما يمكنها بالفعل من مواجهة المشكلات القائمة في الشرق الأوسط.
لكن أمين عام الحزب الاشتراكي المصري يرى ضرورة استبعاد "الكيان الصهيوني المصطنع" من مقترح الأمة الديمقراطية، مشددا على أنه لا يمكن أن يتم إنشاء دولة تقوم على مفهوم الأمة الديمقراطية أو مجتمع ديمقراطي على أساس سرقة حضارة وأرض وتاريخ شعب وطرده وإهانته وتصفيته وتهجيره وقتله.
وأضاف أنه بالتالي لا يمكن أن يكون هؤلاء الذين يقومون بذلك أعضاء في هذه الأمة الديمقراطية، فهو كيان عنصري قائم على التمييز العرقي والتعذيب والقتل على نحو ما نرى بشكل يومي، منوها إلى أنه إذا كنا نتحدث عن أمة قومية فلا يمكن لشعب أو مجموعة إنسانية وهي تضهد وتقتل مجموعة إنسانية أخرى أن تكون عضوا في الأمة الديمقراطية، لأنها تحتقر الديمقراطية وتعاديها وهي نظام فاشي مثل كل النظم الفاشية التي نكرهها ونقاومها ونحاول أن نبحث عن بديل لها أكثر رحابة وأكثر إنسانية.