الاعلان الدستوري... تحفظات ومخاوف المكونات السورية

شهدت الساحة السياسية السورية حالة من حوارات ونقاشات مكثفة على مدار الأيام الماضية عقب صدور الإعلان الدستوري، وسط خلافات حول ما يتضمنه الإعلان من مواد وبنود قد تؤثر على مستقبل الدولة.

جاء صدور الإعلان الدستوري في أعقاب الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في الساحل السوري، بما يدلل على توجه حكومة دمشق المؤقتة نحو  الاستئثار بالسلطة وفرض قبضتها على كافة مفاصل الدولة وخلق نموذج دولة الفرد الواحد، خاصة وأن صدور الإعلان في هذا التوقيت يؤكد النوايا المستقبلية المتعلقة بشكل الدولة وهويتها من خلال صياغة إعلان دستوري أو حتى كتابة دستور كامل لا يفصل بين السطات ويترك السلطة المطلقة في يد شخص، فضلاً عن حالة الجور على الهوية، من خلال تجاهل القوميات والمكونات السورية على اختلاف تنوعها وتفصيل بنود ومواد على مقاس الجماعات الجهادية وهو ما ينذر بالخطر. 

القوى المدنية

 من جهته وصف اتحاد المحامين ومجلس العدالة الاجتماعية في بيان له الإعلان الدستوري بأنه وسيلة لإعادة إنتاج أنظمة استبدادية بغطاء ديني وقومي، وهو ما سيؤدي إلى تعميق الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد، بدلاً من إيجاد حلول حقيقية تضمن حقوق الجميع كما يشكّل تراجعاً خطيراً عن أي مفهوم لدولة القانون والمواطنة المتساوية، ويؤسس لاستبداد جديد قائم على التمييز الديني والعرقي، بدلاً من أن يكون خطوة نحو بناء دولة ديمقراطية عادلة، وأكد البيان أن الإعلان الدستوري يحمل في طياته العديد من الانتهاكات الجسيمة للمبادئ الدستورية والقانونية، ومن أبرزها فرض هوية عرقية أحادية للدولة متجاهلاً التنوع القومي في سوريا، وفي مقدمتهم الشعب الكردي، ما يُعدّ انتهاكاً صارخاً لحقوق بقية المكونات ومحاولة لطمس هوياتها القومية والثقافية.

تمييز ديني

ووفقا لبيان المحامين تتضمن مواد الإعلان تمييزاً دينياً في تولي المناصب والتنكر للغات المكونات السورية ويمنع غير المسلمين من تولي منصب الرئيس ويقيد العمل الحزبي بحظر الأحزاب ومنع النشاط السياسي، إلى جانب منح أحمد الشرع صلاحيات مطلقة، من بينها تعيين أعضاء مجلس الشعب ضمن خطط التأسيس للديكتاتورية الجديدة، خاصة وأن مواد الإعلان لا تشمل أية آلية لمساءلة رئيس الجمهورية أو عزله في حال ارتكابه جرائم أو خروق دستورية، كما لم يحدد آليات تشكيل مجلس القضاء الأعلى، ما يجعل السلطة القضائية خاضعة للسلطة التنفيذية دون استقلالية حقيقية، وكل ذلك يصب في إطار فرض نظام حكم استبدادي بغطاء دستوري بجعل جميع السلطات في يد رئيس الجمهورية، ويتم القضاء على مبدأ الفصل بين السلطات، مما يحوّل النظام إلى استبداد مستدام تحت غطاء قانوني زائف.

الاستئثار بالسلطة

لا يتوفر وصف.

الدكتور رياض ضرار، الرئيس السابق لـ «مسد»، أكد في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ «الإعلان الدستوري يكرّس الحكم الاستبدادي ويمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة يتحكم بها الرئيس، ويجب أن تقوم سوريا على مبدأ المواطنة لا الهيمنة التي أثارت مخاوف الكرد من تهميش دورهم في المرحلة المقبلة، خاصة وأن الإعلان ليس فيه أي إشارة إلى الديموقراطية وهو مجرد إعلان توجيهي، والسلطة تريد فرض نموذج عقائدي واحد ورؤية أحادية ذات مصدر سلطوي ديني، والشعب السوري متنوع ومتعدد ويجب مشاركة الجميع على أساس المواطنة، وسبق وأن رفضت نفس السلطة دعوتنا للحوار الوطني في إقليم شمال وشرق سوريا، بما يؤشر إلى النوايا الإقصائية كما ان ما جرى في الساحل يؤكد عدم قدرة الحكومة المؤقتة على التحكم في الفصائل المسلحة». 

لا يتوفر وصف.

وبدوره أكد فراس عيد الكاتب الصحفي والمحلل السياسي في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ « الإعلان الدستوري قرار طبيعي في المرحلة الانتقالية، لأن هدفه ليس الإحاطة بكل تفصيل، بل وضع أسس عملية الانتقال السياسي، وبالتالي يكون الحكم على مواد الإعلان ليس من خلال كمالها القانوني أو الموضوعي، كما يشير المختصون في مسائل الدستور، بل من خلال قدرتها على تأمين عملية الانتقال السياسي هذه من مرحلة الاستبداد إلى المرحلة الديمقراطية التي يكون فيها السوريون سادة قرارهم، وهنا غابت الديموقراطية ونظامها السياسي الذي يجب ان يتوج المرحلة الانتقالية ويدخل البلاد في طور جديد يقطع مع الحقبة الاستبدادية وقلق المرحلة الانتقالية وفق آليات دستورية ناظمة وواضحة لحكم ديموقراطي تداولي، السلطة فيه للشعب عبر  تمثيلاته المباشرة وغير المباشرة».

قد يكون الأهم في عملية مقاربة مواد الإعلان الدستوري، هو ما غاب عن هذا الإعلان أكثر مما نص عليه الإعلان، لأن عدم وجود مواد كان لابد من وجودها يفضي لحالة من الغموض، وأهم هذه القضايا الإشارة الى كون سورية بلداً ودولة متعددة القوميات ويجب ان يتعزز طابع المساواة بينهم باحترام حقوقهم ومشاركتهم في العملية السياسية، بعيداً عن الاستفراد الذي غالباً ما يفضي الى الشوفينية والتعالي القومي.