بعد تقدم كييف في "كورسك" وموسكو نحو "بوكروفسك".. إلى أين تتجه الحرب الروسية الأوكرانية

شهدت الحرب الروسية الأوكرانية تغيرات دراماتيكية في الأيام الأخيرة، حيث قامت كييف بأول احتلال يحدث في أراضي روسية بعد الحرب العالمية الثانية في كورسك، بينما تتقدم موسكو بثبات نحو بوكروفسكي مركز الطرق وبوابة آخر معقلين أوكرانيين في دونباس.

أعلن الجنرال أوليكساندر سيرسكي، رئيس هيئة الأركان العامة الأوكرانية، إن قوات كييف تسيطر على ما يقرب من 1300 كيلومتر مربع، ونحو 100 تجمع سكني في منطقة "كورسك" الروسية، وهي أول عملية غزو أجنبي لروسيا منذ الحرب العالمية الثانية، بينما أصبحت بوكروفسك المكان الأكثر أمانا في دونباس حيث كان الصحفيون يجمعون معلوماتهم عن الحرب على وشك السقوط في يد القوات الروسية مما يفتح الباب نحو "كراماتورسك" و"سلافيانسك" آخر المعاقل الأوكرانية في دونباس.

الوضع في كورسك الروسية

 وتستمر القوات الأوكرانية في التقدم، حيث أعلنت أن قواتها تقدمت لمسافة تصل إلى كيلومترين في كورسك خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ورغم ذلك نجحت قوات "الشمال" الروسية في صد هجمات أوكرانية عند 3 قرى وبلدات وإحباط هجمات باتجاه 5 مراكز سكنية، حيث لم يحصل أي تقدم ذا أهمية على محاور القتال في كورسك منذ 5 أيام، وأن القوات الروسية تمكنت من صد كل الهجمات الأوكرانية، كما استقدمت موسكو لواء "الدببة" من بوركينا فاسو للقتال بالبلاد.

لا يتوفر وصف.

يقول إيفان أوس مستشار السياسة الخارجية في المعهد الوطني الأوكراني للدراسات الاستراتيجية في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه في بداية أغسطس\آب قلبت حرب روسيا ضد أوكرانيا رأساً على عقب تماماً للأسبوع الأول أو نحو ذلك، لم تتحمل أوكرانيا مسؤولية الوضع في منطقة كورسك في روسيا ويفسر ذلك حقيقة أنه لم يكن من الواضح مدى نجاح الوضع في هذه المنطقة من روسيا ولكن عندما أصبح من الواضح أن الجيش تمكن من الحصول على موطئ قدم، تحملت أوكرانيا المسؤولية عن الوضع في جنوب منطقة كورسك.

وأضاف، أنه كانت هناك بالتأكيد مخاوف بشأن كيفية رد فعل شركاء أوكرانيا على مثل هذا التغيير في الوضع، و لكن بما أنه لم يكن هناك انتقادات، واصلت أوكرانيا حركتها في منطقة كورسك في الأيام المقبلة، لن يكون هناك أي تقدم كبير لأوكرانيا لسبب بسيط وهو أن الجيش الأوكراني بدأ في تعزيز مواقعه في الأراضي المحتلة وكذلك في تطهير منطقة كورسك الجنوبية حيث لا يزال هناك جنود من الجيش الروسي، حيث كان الهدف تدمير جميع الجسور التي تربط جنوب منطقة كورسك عبر نهر سيمز، الذي لا يزال جزءاً من منطقة كورسك،  أيضاً يجري تدمير المعابر التي يحاول الجيش الروسي بناءها عبر نهر السيم.

لا يتوفر وصف.

ويقول دينيس كوركودينوف رئيس المركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ والمحلل السياسي الروسي في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه أدت محاولة الجيش الأوكراني لتنفيذ غزو مسلح للأراضي الروسية في اتجاه كورسك إلى فقدان "نظام كييف" حريته في المناورة. وإذا كان عامل المفاجأة هذا في 6 أغسطس\آب 2024 لا يزال هو الميزة الرئيسية للقوات المسلحة الأوكرانية، والتي بفضلها تمكنت من اختراق عمق الأراضي الروسية بشكل كبير، وبالتالي الحصول على فرصة لتطوير هجوما في اتجاه مدن مثل أوريل، تفير، موسكو، ثم في الوقت الحاضر تنتمي المبادرة بالكامل إلى الجيش الروسي، الذي حشد موارده العسكرية بسرعة وصد الغزاة بشكل حاسم.

وأضاف، أنه تواصل القوات المسلحة الروسية حاليا إجراء عمليات استطلاع وبحث نشطة لتحديد وتدمير ما تبقى من مجموعات التخريب التابعة لـ "نظام كييف" المختبئة في غابات كورسك، والتي لم تعد قادرة على إبداء أي مقاومة جدية، مشيراً إلى أنه  في الأسابيع الثلاثة تقريبًا منذ بدء ما يسمى بـ "مغامرة كورسك"، وجه الجيش الروسي ضربات مدمرة باستخدام الطيران العسكري والمدفعية تجمعات القوات الأوكرانية في مستوطنات جوردييفكا، وإيفاشكوفسكي، وفيشنيفكا، وكروغلنكوي، وكراسنوكتيابرسكي، ميخائيلوفكا، نوفايا سوروتشينا، ليوبيموفكا، سناجوست، بليخوفو وروبانشينا.

وأشار "كوركودينوف"،  إلى أنه لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد نجحت وحدات مجموعة القوات الروسية "الشمال" في صد محاولات فرق الهجوم الأوكرانية لتنظيم هجمات في اتجاه مستوطنات مالايا لوكنيا، وكوماروفكا، ونيتشاييف، وتشيركاسكوي بوريشنوي، وفيشنيفكا، وبوركي، وبوغريبكي، وسبالنوي، ونتيجة لذلك، فقدت القوات المسلحة الأوكرانية أكثر من 6000 جندي وأكثر من 72 مركبة قتال مشاة و5 أنظمة صواريخ مضادة للطائرات في اتجاه كورسك، ومع ذلك، فإن الإنجاز الرئيسي للجيش الروسي هو القضاء على رأس جسر كورسك الاستراتيجي الذي كانت تحتله القوات الأوكرانية.

وأردف المحلل السياسي الروسي، أنه انتقلت المبادرة الإستراتيجية أخيراً إلى القوات المسلحة الروسية، التي واصلت الهجوم على مواقع الجيش الأوكراني، خاصة في منطقتي سومي و خاركوف في أوكرانيا.

التقدم الروسي في بوكروفسك

وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الوضع في مدينة بوكروفسك بأنه "الأصعب بالنسبة للقوات الأوكرانية، بعد تقدم القوات الروسية نحو المدينة الاستراتيجية وباتت على بعد أقل من 6 كيلومترات عنها، حيث طوقت المدينة جنوباً بعد السيطرة على بلدة كارليفكا وسيطرت على أبنية شرق المدينة لتصبح على بعد 1.5 كيلومتر من وسط المدينة، وكانت السلطات الأوكرانية قامت بتوسيع منطقة الإخلاء الواقعة تحت سيطرتها لتشمل نحو 30 بلدة، عدا تلك البلدات الـ 14 التي تم إخلاؤها سابقا.

يطلق الأوكرانيون على مدينة بوكروفسك "مدينة التعدين"، وتعتبر المكان الأوكراني الوحيد المنتج لفحم الكوك عالي الجودة، الذي يدخل في صناعة الصلب الحاسم للمجهودات الحربية، كما تعد مركز للطرق والسكك الحديدية، وتعد الشريان الرئيسي من دنيبرو إلى المدن الرئيسية كراماتورسك وسلوفينسك وهي المعاقل الأوكرانية المتبقية في دونباس.

وحول الهجوم على مدينة بوكروفسك يقول دينيس كوركودينوف، أنه في الوقت الحاضر، تتقدم القوات المسلحة الروسية بنشاط في اتجاه بوكروفسك، مما يسمح لها بفرض سيطرتها بسرعة على مستوطنة نوفوغرودوفكا، وهي معقل رئيسي للجيش الأوكراني وتقع على بعد 10 كيلومترات جنوب شرق بوكروفسك. بالإضافة إلى ذلك، نتيجة للعملية الهجومية في منطقة مستوطنة سيليدوفو، تمكنت القوات المسلحة الروسية من إغلاق الطريق في اتجاه بوكروفسك – كوراخوفو، ويمكن اعتبار ذلك نجاحاً كبيراً للجيش الروسي، الذي تمكن بالتالي من حرمان "نظام كييف" من فرصة نقل وحدات جيشه إلى هذا القسم من الجبهة، فضلاً عن ضمان تسليم أنواع إضافية من الأسلحة والمعدات والذخيرة لهم.

كما نظم الجيش الروسي هجوماً ناجحاً في اتجاه مستوطنة أوكراينسك، وبالتالي ضمان حرية المناورة على طول خط الاتصال القتالي بأكمله في هذه المنطقة، ولتحقيق هذه الأهداف الطموحة، قامت روسيا بنقل فوج واحد محمول جواً على الأقل إلى اتجاه بوكروفسك، بالإضافة إلى عدة وحدات من غرب زابوريزهيا وشمال منطقة خاركوف، ترجع مثل هذه الإجراءات النشطة من قبل الجيش الروسي إلى الأهمية الاستراتيجية لبوكروفسك، وذلك بسبب موقع تقاطع السكك الحديدية الرئيسي لسكة حديد دونيتسك على أراضيها، مما يسمح بتنظيم هجوم لاحق في عمق الأراضي الأوكرانية.

بينما يرى إيفان أوس، أن أحد أهداف العملية في منطقة كورسك كان الرغبة في إجبار روسيا على تغيير خططها للتقدم في عمق الأراضي الأوكرانية (في اتجاه بوكروفسك بشكل أساسي، يبدو أن روسيا لن تتخلى عن خططها للاستيلاء على بوكروفسك، لذا فإن تقدم روسيا هناك سيستمر.

مستقبل الحرب بعد بوكروفسك وكورسك

يظل السؤال الحائر بعد التطورات الميدانية الأخيرة هل ستنتهي الحرب عندما تصل القوات الروسية إلى حدود منطقتي دونيتسك ولوغانسك، وما مصير القوات الأوكرانية في كورسك وهل من الممكن طردها أم ستتمكن من التمدد داخل روسيا.

لفت كوركودينوف، إلى أن النجاحات التي حققها الجيش الروسي في اتجاه بوكروفسك بوضوح إلى أن موسكو لا تنوي قصر العمليات العسكرية حصرياً على أراضي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، علاوة على ذلك، بعد "مغامرة كورسك" التي نظمها "نظام كييف"، فإن القوات المسلحة الروسية عازمة على القتال حتى الاستسلام الكامل لفولوديمير زيلينسكي ودائرته الداخلية، الأمر الذي سيتطلب من موسكو تنظيم عملية هجومية للاستيلاء على العاصمة الأوكرانية.

وحدد المحلل السياسي الروسي أهداف موسكو في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، بأنها الاستيلاء على كييف، في ضوء تطور الوضع العسكري الحالي، لأن تحرير جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وحده لا يمكنه حل المهمة الإستراتيجية للجيش الروسي وهو تجريد "نظام كييف" من السلاح، وبما أن النقاط الرئيسية للقرارات السياسية والعسكرية الأوكرانية تتركز في كييف، فإن الاستيلاء على هذه المدينة سيكون النهاية المنطقية للحرب الروسية الأوكرانية، مبيناً أنه  من وجهة نظر كلاسيكيات العقيدة العسكرية، لا يمكن أن تكتمل الحرب إلا عندما يحتل جيش الدولة المحررة عاصمة عدوها العسكري.

بينما يرى "أوس" في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء(ANF)، أن السيناريو القادم يعني أن أوكرانيا ستكون قادرة على الحصول على موطئ قدم على الأراضي الروسية، وكما لاحظ بعض الخبراء، لن يكون من الممكن سوى إخراج أوكرانيا من كورسك المنطقة خلال ستة أشهر، لذلك سنرى في الأشهر المقبلة تقدم روسيا في اتجاه بوكروفسك وتقدم أوكرانيا في اتجاه مدينة كورشاتوف، حيث تقع محطة كورسك للطاقة النووية، وأيضا محطة ضغط الغاز التي تقع على مسافة ليست بعيدة عن مدينة كورسك.