وقد صدر تقرير مكتب القرن الحقوقي مؤخراً عن عام 2023 وأكد على حالة العزلة المطلقة التي يتعرض لها القائد عبد الله أوجلان في سجن إمرالي، إذ أنه مكث في زنزانة بشكل فردي منذ عام 1999 ليكون هو السجين الوحيد في السجن الذي كان أشبه بزنزانة واحدة، لتتوالى إجراءات عزله بأشكال مختلفة وحرمانه من التواصل مع أهله ومحاميه إلا لمرات قليلة، لينقطع الاتصال به منذ 25 مارس/آذار عام 2021، والأمر ذاته ينطبق على غيره من السجناء.
ولفت المكتب إلى أنه في عام 2023 وحده قدم 110 طلباً للزيارة العائلية أو للمحامين إلى مكتب المدعي العام الرئيسي في مدينة بورصة كونه المسؤول عن سجن إمرالي، إلا أن السلطات رفضت الموافقة على أي من تلك الطلبات رغم أن القانون التركي ينص على أن الزيارة إلزامية للسجناء سواء من قبل العائلة أو المحامين.
تركيا تتحمل المسؤولية بشأن صحة "أوجلان"
في هذا السياق تقول، الدكتورة رائدة الذبحاني أستاذة القانون الدولي العام إن ما جاء في تقرير مكتب القرن الحقوقي يؤكد أن ما يلاقيه السيد عبد الله أوجلان في السجون التركية هو انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان ولما تنص عليه القوانين والبروتوكولات الدولية باعتباره سجين سياسي، لافتة إلى أنه يعاني من أمراض، وقد طلبت لجنة المحامين وكذلك أهله إجراء اللقاء معه وتمت مقابلة تلك الطلبات بالرفض.
وأضافت، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن التقرير الذي صدر مؤخراً عن مكتب المحاماة يشير إلى أنهم لا يعلمون عنه أية أخبار أو عن صحته، وما إذ كان على قيد الحياة أم لا، ولا يعرفون أي شيء عما يتعرض له، وبالتالي فما يجري معه أمر غير مقبول وغير منطقي، لا سيما أنه يتم وضعه في سجن معزول، ويمكث لفترة طويلة بمفرده، وتم وضع سجناء معه ثم تم إبعادهم وبقي في سجنه منعزلاً.
وقالت "الذبحاني" إننا أمام انتهاك واضح وصريح لكل البروتوكولات الدولية التي تكفل حقوق السيد عبد الله أوجلان كسجين سياسي، بما فيها تلك التي وقعت تركيا عليها، ويجب أن يكون هناك توضيح بشأن حالته، مؤكدة أنه إذ توفي في هذا السجن أو تعرض لأي أذى فإن تركيا هي المسؤولة الأولى وصاحبة المسؤولية الكبيرة.
وأشارت إلى أن القائد عبد الله أوجلان في حالة عزلة تماماً، مشيرة إلى أن السلطات التركية ترفض كذلك أن تعطي أهله أو محاميه أية معلومة حول حالته، وليس مجرد الرفض الدائم لزيارته، معربة عن اعتقادها بأن هذا الأمر يدل على أن هناك أمر ما داخل هذا السجن لا يريد الأتراك لأحد الاطلاع عليه، فإما أن السيد أوجلان مريض أو متوفي أو غير ذلك، مشددة على أن أنقرة تتحمل مسؤولية جسيمة إزاء ما يجري للقائد عبد الله أوجلان.
وقد قدم مكتب القرن الحقوقي خلال العام الماضي 8 طلبات إلى المحكمة الدستورية العليا في تركيا بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سجن إمرالي، ويتعلق أحد هذه الطلبات بحرمان موكلي المكتب من حقوقهم في الزيارة والتواصل بعد الزلزال رغم المتطلبات القانونية الصريحة في هذا الصدد.
كما يشير المكتب كذلك في تقريره إلى منع الزيارات العائلية على أساس العقوبة الانضباطية، والتي يتم فرضها لأسباب واهية وتتكرر كل 3 أشهر دون انقطاع طوال عام 2023، كما أن تلك العقوبة عادة ما تتم بشكل سري دون علم المحامين، على نحو لا يتيح لهم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة وحتى لما قدموا اعتراضات بالصدفة تزامنت مع وقت الاعتراض لم تعالجها السلطات أو تتعامل معها.
كوارث تناقض القوانين الدولية بحق "أوجلان"
بدوره، يقول الدكتور علاء سلامة رئيس مجلس إدارة مجموعة دار العدالة للتحكيم الدولي والمحاماة إنه بعد قراءة التقرير عن الوضع بالنسبة للأسير عبد الله أوجلان، فقد حوى هذا التقرير كثيراً من الكوارث التي تناقض القوانين الدولية والدساتير، بما في ذلك القانون التركي نفسه، مؤكداً أنه كذلك جميع القوانين الدولية والمحلية تحظر هذه المعاملات التي قال إنه لا يستطيع أن يجد لها وصفاً.
وأضاف، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذه المعاملات البشعة على مدار سنوات طويلة تطال سجين رأي سياسي هو عبد الله أوجلان، كما أنه يتم منعه من زيارة أهله له، ويمنع من التواصل مع محاميه، ويمنع من كافة الحقوق التي كفلها له القانون والدستور، قائلاً إنه للأسف لأنه سجين رأي نجد السلطات التركية تتعامل معه بهذا الأسلوب المخالف الذي لا يليق أبداً أن يحدث في هذا العالم بحق شخصية بهذه القيمة ولا بأي شخصية أخرى.
وقال المستشار علاء سلامة إن دورنا أن نسعى لتصعيد الأمر لكافة المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لنشر كافة الحقائق بشأن سوء المعاملة التي يتعرض لها سجين الرأي عبد الله أوجلان، معرباً عن تمنياته أن تجد تلك الرسائل صدى، وأن تقدم الدول المعنية بحقوق الإنسان لا سيما وضع سجناء الرأي اهتماماً بوضع "أوجلان" لتغيير هذا الوضع المريع، فما يجري بحق هذا المناضل الكردي أبشع أنواع الديكتاتورية أو الديكتاتورية المريعة.
وجاء اعتقال القائد عبد الله أوجلان عام 1999 ليعبر عن واحدة من أحقر المؤامرات الدولية، وقد بدأت أول خطواتها في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول عام 1998 عندما خرج من سوريا متجهاً إلى العاصمة الروسية موسكو، ثم القبض عليه عندما وصل إلى العاصمة الكينية نيروبي في 15 فبراير/شباط من عام 1999 ليتم تسليمه لاحقاً إلى السلطات التركية.
ويعود آخر اتصال للقائد عبد الله أوجلان بالعالم الخارجي إلى الخامس والعشرين من مارس/آذار عام 2021، عبر اتصال هاتفي مع شقيه محمد أوجلان لم تدم مدته أكثر من خمس دقائق، وحتى الآن تفرض عليه عزلة مطبقة يجمع كثير من المراقبين على أنها تخالف كافة الأعراف والمواثيق الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان وملفات معتقلي الرأي.
وقد أكد مكتب القرن الحقوقي أن حصول القائد عبد الله أوجلان على حريته في العام الحالي حاجة وضرورة تاريخية، كما أن حل المسألة الكردية وفق إطار دستوري وقانوني أمر يتكيف مع اتفاقيات الأمم المتحدة الدولية والاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان والتي تتضمن ثلاثة أجيال من الحقوق والحريات.