رسالة تبون للجولاني .. برغماتية جزائرية تتجاوز خلفيات المواجهة مع الإسلاميين
يأتي الموقف الجزائري من الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام كأحد المواقف الجديرة بالتحليل، لا سيما بعد زيارة وفد رفيع المستوى من الجزائر إلى دمشق.
يأتي الموقف الجزائري من الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام كأحد المواقف الجديرة بالتحليل، لا سيما بعد زيارة وفد رفيع المستوى من الجزائر إلى دمشق.
إشكالية العلاقة بين الجزائر ودمشق في الوقت الحالي تنبع من بعدين رئيسيين؛ الأول يرتبط بأن الجانب الجزائري كان يمتلك علاقات جيدة مع نظام بشار الأسد حتى آخر أيامه، بل أن الجزائريين لعبوا دوراً محورياً في إعادة دمشق إلى مقعدها المعلق بجامعة الدول العربية منذ عام 2011.
أما البعد الثاني أن من وصلوا إلى حكم دمشق ينتمون إلى تيار الإسلام السياسي، بل وبخلفيته المتشددة المقترنة بالإرهاب، ومن المعروف مواقف الجزائر تجاه مثل هذه التيارات، وهي من عانت عشرية سوداء لا يمكن أن تسقط من ذاكرة الجزائريين، وهنا تثار التساؤلات حول التوليفة السياسية والدبلوماسية التي قررت الجزائر السير وفقاً لها في التعامل مع الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام بقيادة أبومحمد الجولاني.
رؤية الجزائر
وذكرت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية أن الجولاني ووزير الخارجية بإدارة هيئة تحرير الشام أسعد الشيباني استقبلا الوفد الذي ترأسه وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف كمبعوث خاص للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، حيث سلمه رسالة خطية من الرئيس "هنأه فيها وتمنى له التوفيق في تحمل مهامه خلال هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا".
الملفت أن وزارة الخارجية الجزائرية وقبيل سقوط نظام بشار الأسد بأيام أكدت في بيان "موقف الجزائر الثابت وتضامنها المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة، دولة وشعباً، في مواجهة التهديدات الإرهابية التي تتربص بسيادتها ووحدتها وحرمة أراضيها، وكذا أمنها واستقرارها"، في إشارة إلى التحركات التي كانت تقودها هيئة تحرير الشام.
حول تلك الزيارة، يقول أحمد بوداود الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجزائري، في تصريح لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الزيارة تأتي في سياق استمرارية العلاقات بين الجزائر وسوريا، بصرف النظر عن النظام الذي يدير دمشق بحد ذاته، وهي علاقة مترابطة إذ كانت الجزائر أكثر الساعين من قبل لإعادة سوريا إلى مقعدها بجامعة الدول العربية.
وأضاف أنه بتغير النظام وقدوم الجولاني، حدثت بعض الاضطرابات وظن كثيرون أن تلك العلاقات لن تعود إلى ما كانت عليه، ولكن طالما الشعب السوري اختار ذلك فإن الجانب الجزائري لن يكون له موقفاً مغايراً، وسيحترم سيادة سوريا أياً كان النظام الحاكم، وفقاً له.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2011 تصدرت الجزائر الدول العربية "القليلة" التي تحفظت على قرار تجميد عضوية دمشق في جامعة الدول العربية، وعندما احتضنت القمة العربية الواحدة والثلاثين في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022، سعت بشتى الطرق لمشاركة بشار الأسد فيها، لكن المواقف العربية والدولية لم تكن تغيرت وقتها بشكل كاف كذلك الذي رافق القمة العربية في جدة بعدها بعام واحد.
الموقف من الإسلاميين
هل الجزائر أمام حرج من التعامل مع سلطة معروف خلفيتها الإسلامية وتلاحقها ممارسات الإرهاب؟ سؤال تم توجيهه إلى محمد مصطفى عبد الرؤوف مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية السابق في الجزائر، والذي استبعد أن يكون لخلفية الجزائر مع الإسلاميين تأثيراً على التعامل مع الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام.
ويوضح، في اتصال هاتفي لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن زيارة الوزير أحمد عطاف تحمل رسالة مفادها أن الجزائر مستعدة للتعاون مع النظام الجديد في سوريا رغم خلفيته الإسلامية، مضيفاً أن خلفية النظام الجديد في سوريا لا تمثل مشكلة؛ لأن الجزائر بها عدد من الأحزاب الإسلامية بعضها يمثل الإخوان وبعضها يمثل السلفيين، منوهاً إلى أنها تصالحت مع الأمر منذ سنوات، طالما أن من تلوثت يده بدماء الجزائريين قد نال عقابه.
أبعاد أخرى للزيارة
وعلى غرار كثير من الدول، يبدو أن برغماتية المصالح باتت مسيطرة على التعاطي مع النظام الجديد في دمشق، لا سيما وأن الجزائر يمكن أن تتعاون مع دمشق في ملفات مثل الطاقة، بل إنها تريد أن تكون صاحبة دور محوري في ملف إعادة الإعمار، والأخير تحول إلى "كعكة" يريد الجميع أن يأخذ نصيبه منها.
هنا يلفت محمد مصطفى عبد الرؤوف إلى أن الزيارة تعكس استعداد الجزائر لتطوير تعاونها الثنائي مع سوريا، خاصة في مجالات الطاقة والتعاون التجاري بالإضافة إلى مشاركة الجزائر في إعادة الإعمار بسوريا، وهو هدف للعديد من الدول حالياً.
ورغم المواقف الحذرة لكثير من الدول تجاه الإدارة التابعة لهيئة تحرير الشام، خاصة من بعض الدول العربية التي خاضت مواجهات مع هذا النوع من التيارات مثل الإمارات والجزائر ومصر، يبدو أن تلك الدول استوعبت أن هناك حالة تعويم غربي بضوء أخضر أمريكي لتلك الإدارة، ومن ثم فإن إقامة العلاقات مع الجولاني أصبحت ضرورة واقعية.