المكونات السورية بين انقلاب تحرير الشام والبحث عن المستقبل .. الإدارة الذاتية كنموذج للتعايش

عقب سقوط بشار الأسد وحدوث التغيير السياسي الجديد، سرت حالة من القلق بين المكونات السورية وعلى رأسها العلويين والدروز وحتى المسيحيين، وسط تخوفات من عمليات انتقام والقتل، ووصل الأمر إلى إعلان العلويين الدفاع عن مناطقهم وعدم السماح لأي قوة عسكرية بالدخول.

يتركز العلويون في شمال غرب سوريا، خاصة في مدينتَي اللاذقية وطرطوس، وأغلبهم  يعيشون في قرى صغيرة بمنطقة الجبال الساحلية، وتتوزع الطائفة العلوية إلى 4 عشائر ويمثلون نحو 15 % من عدد سكان سوريا، و يختلف نمط حياتهم كليا على الصعيدين الاجتماعي والعقائدي، مقارنةً بهيئة تحرير الشام ومن ثم قد تشكل السياسات الجديدة للإدارة الجديدة تهديداً لأسلوب حياة العلويين خاصة إذا أقدمت عناصرها على منع المشروبات الكحولية وفرض النقاب ومنع زيارة الأضرحة الذي دفع تدمير أحدها خلال عالم المنصرم إلى خروج آلاف العلويين لشوارع حمص، اللاذقية، جبلة وطرطوس، اعتراضا عن التعرض لمقدسات دينية وفقا لعقيدتهم، وفي مقابل تصاعد تلك التخوفات التي تتحدث عن احتمالية حدوث صدام، أصدرت هيئة تحرير الشام بيانات عدة أكدت خلالها أن العلويين سيكونون جزءًا من سوريا الجديدة، ولن تكون هناك أعمال انتقامية ضدهم.

الدروز والمسيحيون

كما أبدى الدروز والمسيحيون تخوفهم من سيطرة هيئة تحرير الشام على السلطة في دمشق، ما دفع أبو محمد الجولاني إلى تعيين محافظ مسيحي قبل دخوله العاصمة السورية، في محاولة لإرسال رسائل طمأنة استهدفت المجتمع الدولي أولا ثم المجتمع المحلي ثانيا، ورغم التصريحات الدبلوماسية المتكررة من قبل حكومة دمشق المؤقتة، إلا أن الفكر المتشدد بين المقاتلين الأجانب يعكس مخاوف جمة إزاء مستقبل تلك المكونات في ظل التغيير السياسي الجديد، خاصة بعد رصد مشاهد في الشوارع تُظهر عناصر من الجهادية السلفية تدعو إلى ارتداء النقاب أو ممارسة الدعوة وفقا لطرق تقليدية قديمة،  وإن بدا الأمر وديا إلا أن ذلك قد يتطور مستقبلا  بعد مرحلة التمكين وسيطرة إدارة تحرير الشام على السلطة وتثبيت أركانها بدعم دولي وإقليمي، ومن ثم فإن الحكم على مستقبل سوريا السياسي لازال في مراحله المبكرة، لأن الوقاع الميداني فيما يخص مباشرة الحقوق السياسية يبرز مخاوف عدة مقابل تطمينات إعلامية فقط، وهناك حالة من الترقب فيما يخص مباشرة الاستحقاقات الدستورية التي تمثل المحور الرئيسي في شكل الدولة وعلاقتها بباقي المكونات وجميع أبناء الوطن.      

لا يتوفر وصف.

وفي هذا السياق، قالت ليلى سروخان، الرئيسة المشتركة لمجلس الاقتصاد والزراعة لإقليم شمال وشرق سوريا في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، إنّ «الإدارة الذاتية للإقليم قدمت نموذجا في التعايش السلمي بين كافة المكونات، وخلقت روابطًا اجتماعية جديدة قائمة على الأخوة في الوطن والأرض، خاصة وأن الإدارة تعتمد نهج المشاركة دون الغلبة، فجميع المكونات تشارك في المؤسسات الحاكمة للإقليم دون إقصاء، ومثلت تلك التجربة نموذجا ملهما في الدفاع عن الإقليم وحماية المنطقة وسكانها من بطش داعش وجرائم الاحتلال التركي».

تصريحات دبلوماسية

لا يتوفر وصف.

حسام طالب المحلل السياسي السوري أكد في تصريح لوكالة فرات للأنباء «ANF»، أنّ قائد إدارة تحرير الشام سبق وأن صرح مرارا بأنّ العملية السياسية ستشمل جميع المكونات السورية بما فيها الدروز والعلويين والمسيحيين وقوات قسد لبناء دولة ديمقراطية قائمة على مبدأ المواطنة بعيدا عن المحاصصة التي  أثبتت فشلها في العديد من الدول، وعليه فإن بناء الدولة يتطلب إشراك الجميع في مهمة وطنية تستهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق واستبعاد الفردية ووضع دستور شامل وجامع يضمن جميع الطوائف دون تمييز على أن يكون أبناء كل الطوائف والمكونات متساوون في الحقوق والواجبات، وهو ما انعكس على الشارع خلال الآونة الأخيرة، ودفع حكومة دمشق المؤقتة إلى الإعلان عن تشكيل حكومة موسعة تضم كل المكونات وفقا للخبرات بما يسهم في بناء الدولة والوطن».

نموذج الإدارة الذاتية

قدمت الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرق سوريا نموذجا رائعا لمفهوم الوطن الذي يبدأ من المنزل الصغير وستسع ليشمل المنطقة ثم المدينة بأكملها، فالعرب وغيرهم من المكونات يرون في إقليم شمال شرق سوريا وطنا يوفر لهم الحماية ويضمن لهم المشاركة ويمنحهم كافة حقوقهم سواء الاجتماعية أو السياسية فضلا عن الحق في التعليم والصحة والعمل دون تمييز مواطن على آخر،  فالجميع شركاء في حماية ثرواتهم ومقدراتهم ومناطقهم ضد أي عدون، وقد يشكل  اتساع هذا النموذج ليشمل كل أبناء الوطن على الأراضي السورية، بداية جديدة لدولة قائمة على الحريات والمساواة، إلا أن هناك مؤشرات تدفع بعض المراقبين إلى وضع سيناريوهات غير متفائلة بشأن مستقبل الدولة بعد تنصيب الجولاني نفسه رئيسا مؤقتا دون إجماع كل الفصائل السورية، فضلا عن تحرشات عسكرية تجري من آن لآخر من قبل عناصر هيئة تحرير الشام في بعض المناطق الخاضعة لحماية قوات قسد واعتقال مدنيين دون أن يكون هناك تنسيقا أو ردا أو توضيحا حول تلك الأعمال غير المبررة، ومن ثم تظل السيناريوهات المتشائمة قائمة حتى تثبت حكومة دمشق المؤقتة دعمها لحق المواطنة من خلال عملية سياسية حقيقية بعيدا عن التصريحات الإعلامية الدبلوماسية.