بعد قرار مجلس الأمن.. هل يحل العيد في غزة والحرب متوقفة؟
أخيراً وبعد كل هذه الأشهر من الحرب، تبنى مجلس الأمن، الاثنين، مشروع قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة قدمته الولايات المتحدة التي لطالما عرقلت كل المشروعات السابقة.
أخيراً وبعد كل هذه الأشهر من الحرب، تبنى مجلس الأمن، الاثنين، مشروع قرار لوقف إطلاق النار في قطاع غزة قدمته الولايات المتحدة التي لطالما عرقلت كل المشروعات السابقة.
أتى قرار مجلس الأمن الدولي كبادرة إيجابية لا سيما أنه أول قرار يصدر عنه بوقف إطلاق النار منذ اندلاع الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وقد كانت النبرة الأمريكية حاسمة بدعوة حركة حماس الفلسطينية وكذلك إسرائيل إلى الالتزام بالقرار دون أية شروط، على نحو رفع التوقعات إلى إمكانية وقف الحرب قبيل عيد الأضحى.
ويبدو أن القرار الذي قدمته واشنطن يأتي استكمالاً لخارطة إنهاء الحرب التي أعلن عن الرئيس جو بايدن نهاية مايو/أيار، لكن إذا كان استصدار قرار من مجلس الأمن بهذه الصيغة صعباً لدرجة استغراقه أشهر عدة، فإن الأصعب هو موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يتمسك بنهج المراوغة، لا سيما في ظل قناعة واضحة أن نهاية الحرب تعني نهايته السياسية.
مواقف الأطراف
وبالفعل، فقد جاء الرد الإسرائيلي على مشروع القرار متسقاً مع مواقف تل أبيب السابقة، إذ قالت نوعا فورمان نائبة المندوب الإسرائيلي إن بلادها مستمرة في الحرب حتى إعادة جميع الرهائن وتفكيك قدرات حماس العسكرية، معتبرة أن الأخيرة لا تهتم بما يقوله مجلس الأمن، وهي الوحيدة المسؤولة عن الحرب، وفق تصريحاتها.
ولم يكن الموقف الإسرائيلي مقتصراً فقط على تصريحات فورمان، بل كان للميدان رداً على قرار مجلس الأمن، إذ أكدت مصادر فلسطينية رسمية، مقتل عدد من الفلسطينيين وإصابة آخرين، بقصف إسرائيلي غرب مخيم النصيرات، وسط قطاع غزة، وهو الموقع ذاته الذي كان شاهداً على مجزرة كبرى قبل أيام راح ضحيتها أكثر من 200 فلسطيني.
على الجهة الأخرى، فقد أعربت حركة حماس عن ترحيبها بما تضمنه قرار مجلس الأمن وأكد عليه حول وقف إطلاق النار الدائم في غزة، والانسحاب التام من القطاع، وتبادل الأسرى، والإعمار، وعودة النازحين إلى مناطق سكنهم، ورفض أي تغير ديموغرافي أو تقليص لمساحة قطاع غزة، وإدخال المساعدات اللازمة.
قرار رمزي؟
يقول السفير مسعود معلوف سفير لبنان الأسبق لدى الولايات المتحدة، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه لا بد من التوضيح أن قرار مجلس الأمن هو وسيلة للضغط من قبل إدارة الرئيس جو بايدن على رئيس الوزراء الإسرائيلي، لافتاً إلى أن الرئيس الأمريكي لا يستطيع الضغط مباشرة على إسرائيل عبر وقف إرسال الأسلحة أو الأموال وغيرها من وسائل الدعم.
وأضاف أنه بالتالي لجأ إلى خطط بديلة لممارسة ضغوطه على نتنياهو، وكان ذلك عندما تقدم بخطة إنهاء الحرب، وعرضها في 31 مايو/أيار، معتبراً أن حديث بايدن وقتها بالأساس كان موجهاً إلى الشعب الإسرائيلي أكثر من حكومة تل أبيب، وكأنه يحث هذا الشعب للضغط على رئيس وزرائه كي يقبل بخطة إنهاء الحرب في غزة.
وكان بايدن قال في خطاب موجه إلى الشرق الأوسط إن الخطة تتكون من 3 مراحل، الأولى تتضمن وقف إطلاق النار لمدة 6 أسابيع، وإطلاق سراح رهائن وعودة سكان شمال القطاع إلى مناطقهم، والثانية سيتم فيها تبادل جميع الأحياء من المحتجزين بمن في ذلك الجنود الإسرائيليين، والثالثة يتم خلالها البدء بإعادة إعمار قطاع غزة، لكن حتى الآن لم تقدم إسرائيل ولا حركة حماس ولو خطوة واحدة عملية نحو تطبيق هذه الخطة.
وقال الدبلوماسي اللبناني السابق إننا نعرف أن بايدن لا يستطيع ممارسة ضغط مباشر على نتنياهو، لأنه عندما حاول ذلك قبل أسبوعين أو ثلاثة باتخاذ قرار ولو رمزي بتأخير إرسال شحنة أسلحة إلى إسرائيل "قامت القيامة" من قبل خصمه الحزب الجمهوري، وجرى اتهامه بأنه بهذا القرار يساعد إيران وحزب الله وحماس ضد إسرائيل.
ويرى معلوف أن الرئيس بايدن يكون عليه أن يوازن بين موقفه المؤيد لإسرائيل والمعارض لنتنياهو، ومواقفه تجاه القضايا العربية، لا سيما أننا في سنة الانتخابات الرئاسية وهو في حاجة إلى أصوات الجميع، مؤكداً أن قرار مجلس الأمن رمزي فلا يستطيع المجلس إلزام إسرائيل بتطبيقه، ولكنه يزيد الضغوط على نتنياهو، وإن كان ليس هناك ما يؤكد أن تل أبيب يمكن أن تنفذه.
امتداد لخطة بايدن
ومن الواضح من صياغة القرار الأمريكي أنه يعبر عن خارطة طريق بايدن لإنهاء الحرب المكونة من 3 مراحل، إذ تضمن أيضاً خطة من 3 مراحل هي وقف فوري وكامل لإطلاق النار مع إطلاق سراح الرهائن بمن فيهم النساء والمسنين والجرحى، وإعادة رفات بعض الرهائن الذين قتلوا، وتبادل الأسرى الفلسطينيين.
كما ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكان في غزة، وعودة المدنيين الفلسطينيين إلى منازلهم وأحيائهم في جميع مناطق غزة، بما في ذلك الشمال، فضلاً عن التوزيع الآمن والفعال للمساعدات الإنسانية على نطاق واسع في جميع أنحاء قطاع غزة لجميع المدنيين الفلسطينيين الذين في حاجة إليها، بما في ذلك الوحدات السكنية التي قدمها المجتمع الدولي، وكل هذا كمرحلة أولى.
أما المرحلة الثانية، وفق قرار مجلس الأمن الدولي، فإنه بناء على اتفاق الطرفين، يتم وقف دائم للأعمال العدائية، مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن الآخرين الذين لا يزالون في غزة، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من غزة، فيما تنص المرحلة الثالثة على بدء خطة إعادة إعمار كبرى متعددة السنوات في غزة، وإعادة رفات أي رهائن متوفين لا يزالون في غزة إلى عائلاتهم.
ويذهب القرار إلى نقطة مهمة من خلال التأكيد على أنه إذا استغرقت المفاوضات أكثر من 6 أسابيع للمرحلة الأولى، فإن وقف إطلاق النار سيستمر طالما استمرت المفاوضات، كما يرحب باستعداد الولايات المتحدة ومصر وقطر للعمل على ضمان استمرار المفاوضات حتى يتم التوصل إلى جميع الاتفاقات والبدء في المرحلة الثانية، مشدداً على أهمية التزام الأطراف بشروط هذا الاقتراح بمجرد الاتفاق عليه ويدعو جميع الدول الأعضاء والأمم المتحدة إلى دعم تنفيذه.
من يلزم إسرائيل به؟
يقول طارق البرديسي الخبير السياسي المصري في العلاقات الدولية، خلال حديث لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن الأمر يختلف عن أي مرة سابقة، وهو أن القرار كان مشروعاً مقدماً من الولايات المتحدة، وتمت الموافقة عليه بأغلبية 14 دولة من أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ 15، في وقت امتنعت روسيا عن التصويت.
أما عن مسألة تنفيذ القرار، يقول البرديسي إن الأمر يبقى أيضاً بيد الولايات المتحدة الأمريكية، إذا أرادت التنفيذ فإن إسرائيل ستنفذ دون عقبات، لأن العقبة التي كانت في السابق هي الفيتو الأمريكي على مشروعات القرارات المقدمة إلى المجلس بشأن وقف إطلاق النار، لافتاً إلى أنه يتصور أن يتم وقف القتال قبل عيد الأضحى المبارك الذي يحل يوم الأحد المقبل.
ويلفت خبير العلاقات الدولية إلى أن حماس أبدت ترحيباً بالقرار، ويتبقى إذن ممارسة الضغط على نتنياهو، الذي يواجه أزمات داخلية في ظل توقعات بسقوط حكومته وتشكيل حكومة جديدة ستقبل بوقف إطلاق النار، معرباً عن تصوره بأن الكل سيرضخ للقرار لا سيما أن مندوبة الولايات المتحدة دعت حماس وإسرائيل إلى ذلك دون أية شروط.
وكان عضو مجلس الحرب الوزير بني جانتس أعلن استقالته من الحكومة، ليكون بذلك قد انسحب الحزب الوحيد المنتمي إلى تيار الوسط من الائتلاف الحكومي المكون من اليمين بقيادة نتنياهو، كما يفتح الباب أمام تكهنات بإمكانية توحيد جبهة معارضي نتنياهو ومن ثم إسقاط الحكومة والدعوة لانتخابات مبكرة، وهو أمر يلقى هوى لدى محتجين يملؤون الشوارع من وقت لآخر ضد الحكومة الحالية.
ويؤكد البرديسي، في ختام تصريحاته لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هناك قبولاً في إسرائيل ككل بالقرار ما عدا نتنياهو، الذي وفق وجهة نظره يعيش أيامه الأخيرة في السلطة، كما أعرب عن اعتقاده بأن وقفاً لإطلاق النار قريب جداً، ما لم تعد واشنطن للتلاعب والتحايل على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، ودون ذلك فلا يوجد ما يمنع تنفيذه.
ويرفض قرار مجلس الأمن أي محاولة للتغيير الديمغرافي أو الإقليمي في قطاع غزة، بما في ذلك أي أعمال من شأنها تقليص مساحة غزة، كما كرر التزامه الثابت برؤية الحل القائم على وجود دولتين، حيث تعيش دولتان ديمقراطيتان، إسرائيل وفلسطين، جنبا إلى جنب في سلام داخل حدود آمنة ومعترف بها، بما يتفق مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ويشدد في هذا الصدد أهمية توحيد قطاع غزة مع الضفة الغربية تحت مظلة السلطة الوطنية الفلسطينية.
هل يدفع نحو حل سياسي؟
وإذا كان القرار تضمن كل هذه الأمور فإن هذا يطرح سؤالاً حول ما إذا كان يمكن أن يفضي إلى حل سياسي بعيد المدى، وهنا يقول الدكتور أيمن الرقب القيادي بحركة فتح الفلسطينية، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن القرار يمكن أن يؤدي فقط إلى وقف لإطلاق النار وهذا أمر مطلوب، لكنه لا يمكن أن يؤدي إلى حل سياسي، مشيراً إلى أنه بكل الأحوال ألقى الكرة في ملعب نتنياهو.
ويلفت الرقب إلى أن القرار لم يأت في إطار البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وبالتالي لا يمتلك قوة كبيرة، معرباً عن اعتقاده بأن وقف إطلاق النار لن يحدث خلال عملية المفاوضات، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة عليها أن تتخذ موقفاً جدياً تجاه إسرائيل، لا سيما بعد رفض الأخيرة القرار.
ويرى القيادي الفلسطيني أن هناك صعوبة في الوصول إلى وقف لإطلاق النار قبيل عيد الأضحى، إلا إذا أبدت إسرائيل رغبة في ذلك وأن تكون هناك تهدئة خلال العيد تسبق عملية وقف إطلاق النار الدائمة، أي إذا تم المضي قدماً في تنفيذ المراحل المتضمنة بقرار مجلس الأمن، معرباً عن أمنياته بأن يحدث السيناريو الثاني.