بين النظرية والتطبيق.. كيف نجحت أفكار أوجلان في ترسيخ التعايش والتكامل بين الشعوب

لا يمكن الحديث عن فكرة الأمة الديمقراطية لدى القائد عبد الله أوجلان دون التطرق إلى مبدأ العيش المشترك بين المكونات المختلفة، وهو الصمام الحقيقي للأمن والسلام المجتمعي والعمود الفقري للديمقراطية التي تضمن مشاركة كافة المكونات.

يعتبر فكر القائد عبد الله أوجلان هو الخلاص الحقيقي لشعوب منطقة الشرق الأوسط وتعد فكرة التعايش المشترك والتكامل من أبرز ملامح فكر القائد الذي يضمن السلام والعيش المشترك بين المكونات دون تسلط وبعيداً عن القهر السلطوي، مما يدعو للنظر في الآليات والمبادئ التي وضعها القائد لترسيخ فكرة العيش المشترك، وكيف تم تطبيقها في تجربة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

لا يتوفر وصف.

وبدوره كشف الدكتور طه علي، الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن القائد اوجلان يفترض ان الأمة الديمقراطية تستوعب الهويات المتباينة وبالتالي فهي تجمع قوميات وأثنيات وأديان ومذاهب عديدة في إطار إدارة مجتمعية ذاتية على أن يتجسد هذا التجمع في إطار أشبه بالكونفدرالية داخل الحدود السياسية القائمة فيقول أوجلان بالإمكان اختبار الأشكال الفيدرالية والكونفدرالية كأدوات حل فيما بين قوى الحل الديمقراطي وقوة الدولتية القومية.

وأكد علي في كتاب "عبد الله أوجلان مسيرة نضالية تحدت الصعاب وإبداع فكري تخطى الجدران"، أن القائد اوجلان عقد الأمل على الحلول الجذرية تأسيسا على استخدام تلك الأدوات لا يعني سوى خداع الذات مرة اخرى فنحن على علم بأن شكل الدولة الذي أسميناه بالدولة التحررية الوطنية أو بدولة الاشتراكية المشيدة هو مجرد دولة قومية مموهة بالقناع اليساري حيث تبدي جليا أنها أنظمة أكثر ديكتاتورية وانفتاحاً على الفاشية وبالتالي ينصرف أوجلان عن دولة كردستان الموحدة لصالح الإدارات الذاتية شبه المستقلة والتي يمكن أن يجمعها إطار كونفدرالي عابر للحدود الأمر الذي يبدو أقرب إلى تجربة الاتحاد الأوروبي.

وأضاف الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن القائد أوجلان يقول بأن الأمة الديمقراطية تتميز بالماهية والآفاق القادرة على القضاء على العقليات النمطية والقتالية والقوموية والجنسوية والدنيوية والوضعية السائدة في الدولة القومية وعلى الانسدادات العميقة والاشتباكات المحتدمة التي تؤدي إليها الاحتكارات السلطوية والاستقلالية.

وبيّن علي، أن القائد أوجلان يقدم إطار مبدئي لحل القضية الكردية يقوم على الأطر الديمقراطية وذلك من خلال مبدأ الأمة الديمقراطية حيث تتشكل وفقاً لأوجلان من خلال مختلف أشكال المجتمع المدني والجماعات، والشعوب التي تمثل مصدراً للثراء من خلال التنوع الذي تنطوي عليه وفي إطار الأمة الديمقراطية، لكل مواطن وظيفة يسهم يمارسها بفاعلية.

 وأوضح الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أنه من المبادئ التي أرساها القائد أوجلان للعيش المشترك هو مبدأ الوطن المشترك الوطني الديمقراطي نظراً للدرجة العالية من التنوع الذي توصف به مجتمعات وشعوب الشرق الأوسط، حيث يرى عبد الله أوجلان أن تأسيس وطن مشترك يضم كافة هذه التنوعات العرقية واللغوية والدينية هو المدخل الأنسب لإدارة التعددية على أن يكفل ذلك التحلي بين الجميع بالروح الوطنية والارتباط بالأرض والمجتمع.

وأشار علي إلى أنه أيضاً من المبادئ التي أرساها القائد أوجلان للعيش المشترك هو مبدأ الدستور الديمقراطي لأجل إقامة دولة ديمقراطية يشترط أوجلان دستوراً ديمقراطياً يحظى بتوافق كافة المكونات المشكلة للمجتمع على أن يضمن هذا الدستور كافة الحقوق والحريات ويعتبر أوجلان أن هذا الدستور أداة لابد منها لإبقاء الدولة الديمقراطية.

وأردف الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أنه من المبادئ الأساسية للعيش المشترك هو مبدأ الحل الديمقراطي ويعني به الإطار العام للتغيير في الأطر والبنى الهيكلية المشكلة للدولة والتي تضطلع بحل قضايا المجتمع بشكل ديمقراطي ويقوم الحل الديمقراطي على أساس ضمان العيش المشترك في أجواء سلمية.

ولفت علي، إلى أن الحل الديمقراطي يشكل التعبير الملموس للحل الديمقراطي في سياق القضية الكردية حيث يقول أوجلان أن هذا الحل ورغم أنه لا يسعى لاقتطاع حصة من الدولة ولا يسعى لبناء دولة للقرب على أساس شبه الاستقلال إلا أنه يتطلب اعتراف الدولة بحق الفرد في إدارة أنفسهم بإرادة حرة وتسهيل طريقهم نحو مجتمع وطني ديمقراطي مما يعني أن تشاطر الإدارة بين القوى المجتمعية وقوى الدولة والحكومة يتحدد وفق الدساتير.

وتابع الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن مبدأ وحدة الحقوق والحريات الفردية والجماعية يعد من أساسيات التعايش المشترك لدى القائد أوجلان، حيث يعتبر أن تطبيق مبدأ الحقوق والحريات هو السبيل لحل قضايا الديمقراطية ولذلك اعتباراً أن الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور الديمقراطي للجميع بالتساوي وبلا أية تمييز لصالح جماعة دون أخرى إنما تشكل قيماً لا يمكن العيش بدونها فهي تقتضي وجود الفرد والمجتمع معاً.

ولم يغفل علي، مبدأ الدفاع الذاتي في الديمقراطيات، حيث يعول أوجلان على أهمية الدفاع الذاتي في القضايا المصيرية ضد القمع والاستغلال اللذين تمارسها قوة حديثة الرأسمالية وبالتالي فأن المجتمع الديمقراطي المنشود عند أوجلان لا يقوم بلا إيجاد حلول للقضايا الدفاع الذاتي في كافة المجالات في المأكل والمؤمن كلها ميادين للاعتماد الذاتي من أجل تحقيق الاستقلال للشعوب.

لا يتوفر وصف.

بينما قال الدكتور هاني الجمل الباحث في الشؤون السياسية والاقليمية، أن فكرة التعايش والتكامل لدى القائد عبد الله أوجلان هو فكر رائد، ونرى آثاره في مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، من حيث التعايش بين كافة المكونات، سواء عرب أو كرد أو سريان أو آشوريين وأرمن.

وأكد الجمل في تصريح خاص لوكالة فرات، أن تجربة التعايش في شمال وشرق سوريا تتوسط تجربتين، هي التجربة التركية، وممارسات النظام السوري، مشيراً إلى أن نجاح تجربة الإدارة الذاتية تعتمد بالدرجة الأولى على التوافقات بين القوى الدولية، والإقليمية، وتعتمد في المرحلة الثانية على المفاوضات مع النظام السوري، لأنه سبق وأن رأينا كيف تخاذل الجيش السوري وترك عفرين وغيرها من المدن التي احتلتها تركيا لقمة سائغة للاحتلال التركي.

وأضاف الباحث في الشؤون السياسية والاقليمية، أن تجربة التعايش والتكامل لدى عبد الله أوجلان حافظت على الهويات المختلفة التي توجد في المنطقة، وهو ما حدث في تجربة شمال وشرق سوريا، حيث حافظ كل مكون على عاداته، وتقاليده، وموروثه الثقافي.