وباتت التصريحات متواترة بين المسؤولين الإسرائيليين على مدار الأيام الماضية بشأن السيطرة على معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر وذلك بعد حديث مماثل عن محور فيلادلفيا، علماً أن المعبر هو شريان الحياة الرئيسي للقطاع وهو الوحيد الذي لا يخضع لسيطرة الاحتلال من بين 7 معابر، حيث تخطط تل أبيب لنقل المعبر إلى نقطة قريبة من معبر كرم أبوسالم ومن ثم تسهيل السيطرة الأمنية على هذه المنطقة.
وقد خرجت مزاعم بأن إسرائيل ناقشت هذا الأمر مع الجانب المصري، إلا أن مصدر مصري مطلع نفى أن تكون هناك أية نقاشات جرت بين الجانبين المصري والإسرائيلي بشأن وضع المعبر أو تنفيذ تلك الخطة، بحسب ما نقلت قناة القاهرة الإخبارية المصرية، على نحو يضيف بعداً جديداً في تأزيم العلاقات بين القاهرة وتل أبيب المتوترة من الأساس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.
موقع اتفاقية السلام
في هذ السياق، يقول السفير حسين هريدي مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن العلاقات متوترة من الأساس متوترة بين مصر وإسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لافتاً إلى أنه فيما يتعلق بالوضع في معبر رفح ومحور صلاح الدين أو محور فيلادلفيا، فقد حذرت القاهرة مراراً من خطورة قيام الاحتلال الإسرائيلي بأي عمليات عسكرية في تلك المنطقة.
ولفت "هريدي" إلى أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الذي كان يقوم بجولة في المنطقة من بين محطاتها مصر وإسرائيل، قد نقل بطريقة دبلوماسية هذه المخاوف المصرية إلى المسؤولين الإسرائيليين، أما عما سيجري مستقبلاً فيرى أن علينا أن ننتظر ما ستسفر عنه الأحداث والتطورات في الفترة المقبلة.
وأوضح مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق أن جزء من اعتراض مصر على أي عمليات في تلك المنطقة مرتبط بمعاهدة السلام، والتي تشير إلى أن محور صلاح الدين يقع في المنطقة (د) وذلك في إطار ملحق الدفاع الخاص بالمعاهدة، والمنطقة (د) تقع في الأراضي الإسرائيلية والمحلق يتضمن تحديداً لعدد القوات الموجودة فيها والتسليح، وبالتالي فإن سيطرة إسرائيل عليها يشكل انتهاكاً لما ورد في ملحق الدفاع الخاص بمعاهدة "كامب ديفيد".
وقد تم بناء معبر رفح بعد إبرام اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، وكذلك بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من سيناء عام 1982، وكان يقع تحت إدارة إسرائيلية متمثلة في هيئة المطارات، وبقي الوضع على هذه الحالة حتى شهر سبتمبر/كانون الأول من عام 2005، حين انسحبت إسرائيل من قطاع غزة ليتم توقيع اتفاقية لإدارة المعابر بين السلطة الفلسطينية والاحتلال بموجبها يشرف مراقبون أوروبيون على المعبر، لكن مع سيطرة حماس على القطاع انسحب المراقبون الأوروبيون وظل المعبر بين الغلق والفتح حتى الآن.
أسباب عديدة للانزعاج المصري
الانزعاج المصري له كثيراً من الأوجه والمسببات بخصوص وضع فيلادلفيا ومعبر رفح، بحسب اللواء محمد عبدالواحد الخبير المصري في شؤون الأمن القومي، والذي يقول لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن القاهرة ترفض سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا لما يتضمنه في المقام الأول من انتهاك لاتفاقية السلام، موضحاً أنه إلى جانب ذلك فإن وجود عمليات عسكرية وتجييش في هذه المنطقة إعادة احتلال للمحور على نحو يهدد الأمن القومي المصري بل واعتداء على السيادة المصرية، وهو أمر يرفضه بشدة الجانب المصري.
وأضاف "عبدالواحد" أن السبب الثالث للموقف المصري هو أن إعادة احتلال محور فيلاديلفيا ونقل العمليات العسكرية إلى رفح من شأنه خنق قطاع غزة بالكامل وعزله عن محيطه الإقليمي والدولي، لا سيما أن الإسرائيليين يريدون تركيب أجهزة إنذار على الشريط الحدودي مرتبطة بأجهزة إنذار أخرى موجودة في شمال غزة في البحر، وبالتالي ربط البر في البحر، وحصار أهل غزة من جميع الاتجاهات وكأنهم مستعمرة بشرية داخل إسرائيل، وهي جريمة من جرائم الحرب لما تتضمنه من فصل عنصري، مشدداً على أن مصر لا ولن تشارك فيها.
ويواصل خبير الأمن القومي المصري رصد أسباب وحيثيات موقف القاهرة، فيقول إن نقل العمليات العسكرية في رفح أمر يخلق بيئة جيدة لنزوح الفلسطينيين من خلال تدمير هذه المنطقة وجعلها غير قابلة للعيش، وبالتالي لن يهجرهم بالقوة وبالتالي يتجنب انتقادات الرأي العام العالمي، وإنما سيتضرع الاحتلال بوجود حماس والفصائل في كل بيت ومن ثم سيقوم بتدميرها وتدمير المستشفيات للوصول إلى عناصر حماس وبهذه الذريعة تكون رفح غير صالحة للحياة الآدمية، وبالتالي يتجهون إلى المعبر الحدودي مع مصر كما حدث من قبل عام 2008.
ودلل "عبدالواحد" على ما طرحه في النقطة الأخيرة، بالدعوات التي تظهر داخل دولة الاحتلال الإسرائيلي من قبل مسؤولين تدعو سكان غزة إلى اختراق محور فيلاديلفيا وكسر المعبر والوصول إلى الجانب المصري للحدود، وهذا أمر واضح للعيان، رغم الانتقادات الدولية وكذلك الانتقادات الأمريكية، لكن تل أبيب تثبت خلال الفترة السابقة أنها لا تعتني أو تهتم بالقانون الدولي إطلاقاً، وبالتالي الاحتلال لن يهجر الفلسطينيين ولكن سيجعل حياتهم قاسية حتى يغادروا من تلقاء أنفسهم تلك المنطقة.
ومنذ بداية تفجر الأحداث الجارية في قطاع غزة، أكدت مصر رفضها القطاع لتهجير الفلسطينيين من غزة، معتبرة أن هذا الأمر خطاً أحمر لما يمثله من تهديد للأمن القومي المصري وتصفية للقضية الفلسطينية، وقد كان مخطط تهجير سكان القطاع إلى سيناء المصرية أحد أبرز أوجه التوتر بين القاهرة وتل أبيب.