قضية الصحراء تدق مجدداً طبول التوتر بين فرنسا والجزائر.. ماذا في الكواليس؟
دخلت فرنسا والجزائر في مواجهة سياسية ساخنة تضاف إلى سجل تاريخي حافل بالصدامات بعد اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
دخلت فرنسا والجزائر في مواجهة سياسية ساخنة تضاف إلى سجل تاريخي حافل بالصدامات بعد اعتراف باريس بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
وقد ألقى القرار الفرنسي بظلاله على العلاقات مع الجزائر، إذ قررت الأخيرة على الفور سحب سفيرها من باريس رفضاً لموقفها الذي أتى كتحول خطير في السياسة الفرنسية التي على مدار عقود تجنبت الاعتراف الصريح بسيادة الرباط على منطقة الصحراء الغربية، كما أنه قرار يشكل انتكاسة لسياسة "مصالحة الذاكرة" التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل سنوات على أمل طي الخلافات التاريخية مع الجزائر التي أنتجتها حقبة الاستعمار الفرنسي.
وكانت الصحراء الغربية مستعمرة إسبانية سابقاً وتسيطر المغرب حالياً على 80% من مساحتها، فيما تقترح الرباط أن تمنحها حكماً ذاتياً تحت العلم المغربي، إلا أن الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب المعروفة اختصاراً بـ "البوليساريو" تدعو إلى إجراء استفتاء بشأن تقرير المصير وهو ما تدعمه الجزائر، ما تسبب في خلافات كبيرة بين الدولتين وصلت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية وسط توترات كادت تدفعهما إلى صدام عسكري.
فرنسا بين الجزائر والمغرب
ويبدو أن لغة المصالح لعبت دوراً محورياً في قرار فرنسا على نحو يمكن لمسه منذ زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى المغرب في فبراير/شباط الماضي، حين قال إن قضية الصحراء وجودية بالنسبة للمغرب، في تصريح فهم على أنه كان تمهيداً للقرار الفرنسي الذي اعترف بسيادة المغرب على هذه المساحة من الأرض الواقعة على حافة المحيط الأطلسي والبالغة 266 ألف كيلومتر.
كما أن فرانك ريستر وزير التجارة الفرنسي المستقيل صرح في أبريل/نيسان الماضي بأن هناك فرصاً اقتصادية واعدة في المغرب، ملمحاً إلى فتح الباب أمام الاستثمارات التي تقودها الوكالة الفرنسية للتنمية في الصحراء الغربية، في وضع يناقض تماماً الحالة مع الجزائر التي تضيق الطريق أمام الاستثمارات الفرنسية لصالح دول أخرى مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وكندا.
"الارتياح بين فرنسا والمغرب كبير على عكس الجزائر"، بتلك العبارة استهل جون مسيحة المتحدث باسم حزب الاستعادة الفرنسي تعليقه لوكالة فرات للأنباء (ANF) على قرار بلاده بشأن السيادة المغربية على منطقة الصحراء، قائلاً إن هناك كراهية من قبل الحكومة الجزائرية ومن الشعب الجزائري تجاه فرنسا، كما أننا نجد "حالة من التناقض" لدى الجزائريين، إذ أنهم في الوقت الذي يحلمون بالقدوم إلى بلادنا نجدهم يكرهون الفرنسيين، حسب تصريحه.
وأضاف أن القرار يأتي كذلك في وقت يزداد التعاون الاقتصادي بين المغرب وفرنسا وسط حالة تقارب كبيرة في المواقف بين البلدين وتنسيق مشترك في كثير من الملفات والقضايا اقتصادياً وأمنياً وسياسياً، وبالتالي هناك مصالح مشتركة كبيرة بين باريس والرباط وهذا أدى إلى نوع من الدعم الفرنسي للموقف المغربي في قضية الصحراء، وصولاً إلى القرار الأخير بالاعتراف بالسيادة المغربية عليها.
وحول ما إذا كانت هذه الأمور كافية لأخذ قرار بهذه الخطورة، يقول مسيحة إن فرنسا من المعروف دائماً أنها كانت على الحياد في هذه القضية، وتميل في سياستها الخارجية بصفة عامة إلى التوازن في كل الملفات وتشجيع الحوار، ونحن في حزبنا نرى أهمية هذا التوازن، إلا أن الدول ليست لها أصحاب كما قال الزعيم الفرنسي الراحل شارل ديجول وإنما لها مصالح.
وأوضح المتحدث باسم حزب الاستعادة الفرنسي أن مصلحة باريس الآن هي مساندة المواقف المغربية، لأن المغرب دولة مركزية بالنسبة للعلاقات الفرنسية مع دول المغرب العربي، كما أن لدى باريس تعاون اقتصادي وثقافي وسياسي كبير مع الرباط، مشدداً على أنه يمكن القول إن هناك حالة من الارتياح لدى باريس في التعامل مع المغاربة عكس الجزائر.
وتقول الأرقام الرسمية إن التبادل التجاري بين فرنسا والمغرب وصل إلى مستويات قياسية العام الماضي حين بلغ 14 مليار يورو، كما أن باريس أكبر مستثمر أجنبي في المغرب، كما أن الأخيرة هي أكبر مستثمر أفريقي في الأراضي الفرنسية في ظل محفظة استثمارية وصلت إلى 1.8 مليار يورو في 2022، بعد أن كانت 372 مليون يورو فقط عام 2015، كما أن المغرب أول المستفيدين من تمويلات الوكالة الفرنسية للتنمية.
ماذا عن رد الجزائر؟
وقد أتى إعلان فرنسا قرارها عبر رسالة وجهت من الرئيس الفرنسي إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس تزامناً مع الذكرى 25 لاعتلائه العرش، وقد أكد خلالها أن مخطط الحكم الذاتي المغربي لعام 2007 هو الأساس الوحيد لحل التنافس الإقليمي بين الرباط والانفصاليين الصحراويين التابعين لجبهة البوليساريو التي تأسست عام 1973 على الأراضي الصحراوية المتنازع عليها، والذين أثاروا أزمة بين الرباط والجزائر منذ حرب الرمال التي جرت عام 1963.
وقد رفضت الجزائر تلك الخطوة على الفور وردت بسحب السفير كما سبق وتمت الإشارة إليه، كما أكدت وزارة الخارجية الجزائرية أن الحكومة الفرنسية الحالية اتخذت خطوة لم تكن أي حكومة أخرى قبلها تعتقد أنها ضرورية لاتخاذها وأنها لم تقس بوضوح جميع التداعيات المحتملة، كما أثيرت تهديدات كذلك بوقف الصادرات الجزائرية إلى فرنسا خصوصًا تلك المتعلقة بالطاقة.
يقول الكاتب الصحفي الجزائري أحمد بوداود، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، بشأن خطوات بلاده تجاه هذا القرار إن الجزائر موقفها ثابت من قضية الصحراء أياً كان موقف فرنسا الذي يحاكي الموقف الإسباني، قائلاً إن بلاده ستواصل دعم الشعب الصحراوي باعتباره حركة تحرر وطني كما هو الحال بالنسبة للدعم الجزائري للشعب الفلسطيني.
وأكد أن الجزائر "لا تنشغل" كثيراً بقرار فرنسا أو قرار إسبانيا من قبل بشأن الصحراء الغربية، كما أنها لن تغير موقفها، لافتاً إلى أن الجزائر بعد هذا القرار سحبت السفير من فرنسا وأبقت فقط على القائم بالأعمال، معتبراً أن هذه خطوة تعني الكثير بالنسبة لباريس، فضلاً عن أن هناك جالية جزائرية كبيرة في فرنسا لها تأثيرها الكبير، مشيراً إلى أن الفرنسيين في مواقف كثيرة يلجؤون إلى الجزائر في ظل وجود 6 ملايين جزائري على الأراضي الفرنسية.
لكن بوادود يؤكد كذلك أنه مهما كانت الخلافات بين باريس والجزائر، فإن الأخيرة لن توقف تعاونها مع الأولى، مشيراً إلى أن هناك كثيراً من القضايا الخلافية بين البلدين لكن التعاون لا يزال قائماً.
ويبدو أن ماكرون اختار توقيتاً مناسباً للإعلان عن قرار يمكن وصفه بالفردي إذ أن فرنسا تعاني ظروفاً داخلية غير مسبوقة، فالبرلمان في إجازته والحكومة مستقيلة، وهناك انشغال بأولمبياد باريس، وبالتالي هناك فرصة مواتية لدى الرئيس الفرنسي الذي لا يضمن مواقف أي حكومة قادمة لبلاده بشأن وضع الصحراء الغربية.
وربما تذهب بعض وجهات النظر إلى أن إسرائيل قد تكون هي من تقف خلف هذا القرار عبر تفاهمات مع باريس كنوع من المكافئات التي يتواصل تقديمها إلى الرباط لتطبيعها العلاقات مع تل أبيب عام 2020، ومن ثم تشجيع دول أخرى للإقدام على هذه الخطوة، في وقت تؤكد تقديرات أخرى أن الأمر يحمل نوعاً من العقاب الفرنسي للجزائر.