لعبت القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين دوراً محورياً في المؤامرة الدولية ضد القائد أوجلان والتي انتهت بعملية اختطافه وانتقاله إلى سجن جزيرة إمرالي ذو نظام التعذيب والإبادة المشدد.
التحالف الثلاثي
يشرح القائد عبد الله أوجلان الدور الغربي لاسيما التحالف الأمريكي الإنجليزي الإسرائيلي في مرافعته الشهيرة في أثينا، إذ يقول: "رأت أميركا هذه المساعدة والمعونة فرصة نفسية لا تعوض كي تربط تركيا بها باعتبارها الحليف الاستراتيجي لها، و بعملية التسليم هذه أوصلت مسألة الاستفادة من تركيا في فعالياتها المسيّرة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ودول البلقان، إلى الذروة، والأمر سيان في كل هذه النقاط بالنسبة لإنكلترا أيضاً، أما إسرائيل فقد برهنت من خلال دورها في هذه الحادثة على مدى أهمية ومصيرية العلاقة الاستراتيجية التي أقامتها مع تركيا.
يقول طه علي الباحث في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية في كتاب "عبد الله أوجلان مسيرة نضالية وابداع فكري تخطي الجدران"، إن القائد عبد الله أوجلان يربط بين المؤامرة ضده والوظيفة التي انيطت بها الدولة التركية اقليميا، حيث تشكلت الجمهورية نتيجة الوفاق بين البرجوازية البيروقراطية التركية مع البرجوازية اليهودية والإنجليز بشأن بلاد الأناضول وفي هذا السياق يرصد أوجلان عددا من الأحداث التي يرى فيها ارتباطا يؤكد طبيعة ذلك الدور الوظيفي للجمهورية التركية، ومن هذه المؤشرات ترك الموصل وكركوك في عهدة الإنجليز عام 1926 واسترجاع لواء اسكندرونة في 1938 وانقلاب 2 مايو\أيار 1960 وانقلاب 12 مارس\آذار 1971 في تركيا ووصول النظام العسكري للحكم في 1980 و مقتل تورغوت أوزال في 1993 والإطاحة بـ بولند أجاويد في 2002 وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في 2002.
وأضاف، أن الحركة التي يقودها أوجلان من شأنها زعزعة الدور المناط بالجمهورية التركية وهو الدور الذي رسمت ملامحه في إطار مناهضة الإسلام والكرد والشيوعية، وفي هذا الإطار وضع حزب العمال الكردستاني في بؤرة حملة الإرهاب التي قادتها دول أوروبية تحت تأثير التحالف الثلاثي السابق مثل ألمانيا في عام 1985.
ودلل "علي" على ذلك التصور بما قاله رئيس هيئة الأركان العامة التركية دوغان غوريش في بداية التسعينات "لقد أشعلت لندن الضوء الأخضر لسحق حزب العمال الكردستاني والحركة الكردية والقضاء على تورغوت أوزال بمجرد عقده العزم على إعادة تطبيع العلاقات الكردية التركية بمنوال سلمي عادل وحملات الإبادة الشاملة التي استهدفت الكرد بعد عام 1993 والتمشيطات العسكرية المشتركة مع التنظيمات الكردية في جنوب كردستان وتنحية نجم الدين أربكان عن رئاسة الوزراء ومحاولة اغتيال حسين كفرك أوغلو الذي كان سيتولى رئاسة هيئة الأركان العامة في 1998 والذي ينتمي إلى تيار يرى أهمية خفض التصعيد مع الجانب الكردي.
الأوامر الأمريكية لتسليم أوجلان
تعد من أكبر الأدلة على تورط الولايات المتحدة في المؤامرة الدولية لاختطاف القائد أوجلان، هي تصريحات ماسيمو داليما، الذي شغل منصب رئيس وزراء إيطاليا عام 1999 أثناء المؤامرة الدولية، التي أدلى بها لفضائيةMedia Haber، مشيراً إلى أن الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون اتصل به وقال له "سلموا عبدالله أوجلان إلى تركيا".
وأوضح الباحث في شؤون الشرق الأوسط وسياسات الهوية، أن المسار العام لتشكل شباك المؤامرة ضد القائد عبد الله أوجلان يؤكد على تورط الولايات المتحدة في هذه المؤامرة فبعد أيام قليلة من عملية الاعتقال في العاصمة الكينية كتبت صحيفة نيويورك تايمز أن الضغط الدبلوماسي والأمني الذي مارسته واشنطن لمدة أربع شهور أمكن في النهاية تركيا من اعتقال عبد الله، وجلان وهو ما أكد عليه رئيس أركان الجيش التركي السابق إلكر باشبوغ حينما قال إن الولايات المتحدة سلمت عمليا تركيا أوجلان وذلك بهدف تحييده والسيطرة على الحزب.
مرحلة لتدخل القوى الكبرى في الشرق الأوسط
كشف الرئيس السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي والسياسي الكردي السوري البارز صالح مسلم، في آخر حواراته أن 9 تشرين الأول كانت البداية الحقيقية لما يسمى "الشرق الأوسط الجديد"، ولذلك تم أسر القائد أوجلان وتسليمه إلى تركيا، ولم تكن تركيا هي التي خططت لذلك، بل كانت فاعلة، مبينًا أن كانت القوى المهيمنة سابقاً تتحدث عن الشرق الأوسط الكبير، يبدو أنه تم وضع خطط كبيرة خلف الطاولات، وكانت مؤامرة اختطاف القائد أوجلان هي الخطوة الأولى لمشروع الشرق الأوسط الكبير، وبهذه الخطوة، كانت الاستعدادات والجهود الجديدة تتم يوماً بعد يوم، وبدأ بالهجوم على العراق ويستمر إلى يومنا هذا.
بينما ربط حسن كوجر نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا بين تنفيذ المؤامرة وتاريخ حدوثها، مبيناً أنه كان اليوم الذي شن الهجوم على سري كانيه أيضاً في 9 تشرين الأول، ولهذا جانب تاريخي، مدلوله هو نصر في إبادة المجتمع الكردي.
ويقول فتحي محمود رئيس مركز آتون للدراسات في كتابه "العلاقات العربية الكردية"، إن القائد عبد الله أوجلان أوتي به إلى السجن إمرالي بتاريخ 15 فبراير\ شباط 1999 في عملية قرصنة تعد استمرارا لمؤامرة ضده وأنه من حينها وهو موجود في السجن إمرالي في ظروف شديدة الصعوبة للغاية والمؤامرة الدولية تشكل أولى وإحدى أهم مراحل تدخل القوة العالمية العظمى في منطقة الشرق الأوسط بهدف إعادة ترسمها بما يتماشى مصالحها في القرن 21.
وأضاف، أن السبب الأساسي وراء تعرض القائد يعود إلى أنه طرح مشروع الأمة الديمقراطية كطريق للحل القادر على تمكين حياة الحرة والديمقراطية والمتساوية لجميع شعوب المنطقة وذلك على الضد من نظام نموذج الدولة القومية الذي حول منطقة الشرق الأوسط إلى سجن واسع لشعوبها طيلة القرن العشرين وقد طرح هذا المشروع كنموذج حل ليس فقط من أجل الشعب الكردي بل من أجل شعوب المنطقة قاطبة لم يتراجع القائد أوجلان طيلة السنوات 22 في سجن إمرالي عن بحثه عن حل ديمقراطي يمكن العيش المشترك بين الشعوب.
وأشار رئيس مركز آتون للدراسات إلى أنه على العكس فقد جذر القائد عبد الله أوجلان بحوثه تلك وحولها إلى استراحات نظرية تتجسد في منظومة بديلة جذرية ولهذا السبب بالذات ازدادت وطأة العزلة عليه إلى اقصاها لكننا اليوم نرى أن هذه الفلسفة الأوجلانية لا تزال تشهد رواجاً كبيراً في كل أنحاء العالم خلال تقدير المفكرين القديرين وتقدير مختلف الشرائح الاجتماعية لـ مضمونها ومعناها.