ما جاء في هذا اللقاء كشفت عنه وسائل إعلام تركية حين ذكرت أن الوزراء الثلاثة اتفقوا على ضرورة الحفاظ على الوضع الحالي في إدلب، كما أكدوا ضرورة التصدي لقوات سوريا الديمقراطية، ومواجهة ما زعموا أنها "محاولات من قسد لاستغلال الأوضاع الراهنة في المنطقة"، الأمر الذي أثار سخرية كثير من المراقبين المهتمين بالشأن السوري.
وجاءت ردود الفعل المنتقدة لموقف الثلاثي الذي كان يقود ما يعرف بـ"منصة أستانة" لسببين أنهم يتوافقون على الحفاظ على الوضع القائم في إدلب رغم أنه معروف أنها خاضعة لسيطرة تنظيمات إرهابية مثل هيئة تحرير الشام المنبثقة عن تنظيم القاعدة الإرهابي بالأساس، في حين أن قوات سوريا الديمقراطية "قسد" كانت صاحبة الفضل في هزيمة تنظيم داعش الإرهابي داخل الأراضي السورية وقدمت الشهداء في سبيل هذا الهدف.
أمر مضحك
"هذا أمر مضحك"، بتلك العبارة علق رامي عبدالرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، في تصريحات هاتفية لوكالة فرات للأنباء (ANF)، على موقف وزراء خارجية الدول الثلاث بشأن الوضع في إدلب التي هي بالأساس معقل للتنظيمات الإرهابية، منوهًا إلى من يحكم إدلب هو أبو محمد الجولاني.
ويتسائل عبدالرحمن مستنكرًا: "هل الجولاني لو خلع العمامة ولبس البنطال الجينس والقميص سيتبدل ولن يصبح بعدها إرهابيًا؟"، ويكمل ويؤكد أن الجولاني معروف، كما أن أحمد موفق معلمه دعا إلى إقامة كيان سني في إدلب الموزعة بين قسم خاضع لمجموعات الجولاني وقسم آخر خاضع لسيطرة إيران والمليشيات، مشيرًا إلى أنه كان يجب على الثلاثي أن يتحدثوا عن ذلك الطرح ويرفضونه "من باب أولى".
واستنكر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان التوافق على الإبقاء الوضع الحالي في إدلب، في وقت يتم الحديث عن التصدي لقوات سوريا الديمقراطية ومحاربتها، ويلفت مجددًا إلى أن هيئة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب مصنفة إرهابية، معتبرًا أن هذا الأمر يعبر عن نوع من ازدواجية المعايير.
وقال عبدالرحمن إن وزراء الخارجية الثلاثة إذا كانوا يريدون إبقاء الوضع الحالي في إدلب كما هو عليه من أجل الحفاظ على المدنيين هنا لا مانع في ذلك، لكنه يرى أنه من باب أولى كذلك أيضًا ألا يكون هناك توافقًا على استهداف قوات "قسد" التي تضم مناطق سيطرتها نحو 5 ملايين مدني في وقت يتجاهلون كذلك الحديث عن عناصر القاعدة الموجودة في إدلب.
وفي ختام تصريحاته، يؤكد عبدالرحمن أن هذا التوافق يكشف مجددًا عما تفعله تركيا في سوريا، وأنها دولة يجب أن تكون آخر من يحدثنا عن حقوق الإنسان، مشددًا على أنه حتى لو تغيرت علاقة أردوغان مع بعض الأطراف في المنطقة فإن هذا لا ينفي أنه من أدخل عشرات آلاف الإرهابيين إلى الأراضي السورية وباعتراف المجتمع الدولي.
وإدلب هي آخر معاقل الفصائل المسلحة المناوئة لنظام بشار الأسد، وتحظى بدعم كبير من الجانب التركي، وكانت موضع خلاف رئيسي بين أنقرة وطهران وموسكو بشأن وضعها النهائي في إطار تسوية الأزمة السورية، وقدمت الدول الثلاث عديدًا من الأطروحات بشأنها في ظل تقارب كبير جمع بينهم في إطار "منصة أستانة" التي ربما تلخصت بنهاية المطاف في محاولات مستمرة من قبل الجانبين الروسي والإيراني لتطبيع العلاقات بين أردوغان والأسد.
ولعل أحد أسباب التقارب وتلاقي المصالح بين إيران وتركيا هو رغبتهما في إفشال تجربة الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا وتقاسمهما نفس المواقف العنصرية والشوفينية تجاه الشعب الكردي، وذلك بعد تباعد كان أشد ما يكون بسبب مواقفها المتناقضة من النظام فكانت الأولى داعمة له بينما كانت الثانية من أشد داعمي معارضيه بما في ذلك أولئك المرتبطين بتنظيمات إرهابية.
غياب المنطق
هل من الطبيعي أن يتوافقوا على الإبقاء على الوضع الحالي في إدلب بما تحوي من إرهابيين، ويتوافقون على التصدي لقوات سوريا الديمقراطية التي لعبت الدور الرئيسي في هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي؟ سؤال توجهت به وكالة فرات للأنباء (ANF) إلى نبيل نجم الدين الكاتب الصحفي المصري المتخصص في الشؤون الخارجية والذي رد ضاحكًا معتبرًا أن هذا "سؤالًا منطقي في عالم مجنون غير منطقي"، حسب تعبيره.
وأضاف أنه للأسف هذه الأسئلة المنطقية لا تجد لها إجابات منطقية، وذلك لأن هناك حالة من تعارض الأجندات بين القوى الدولية تجاه المنطقة، ما انعكس على مفهوم السلام والاستقرار في العالم، وبالتالي من غير المفهوم في هذا السياق اتفاق الدول الثلاث على إبقاء الوضع على ما هو عليه في إدلب، وبالتالي الإبقاء على هذا الوضع الصعب في سوريا الذي يتنافى مع سيادة الدول، معتبرًا أن هذه السياسات تقول إن حقوق الإنسان وسيادة الدول "قذف بها إلى سلة النفايات".
واعتبر نجم الدين أن ما حدث يعبر عن تصالح المصالح بين تلك الدول التي كانت ذات يوم صاحبة أجندات مختلفة داخل سوريا، لأن ما يجمع بين روسيا وإيران الآن كثير ومن ذلك الحرب في أوكرانيا، وما بين تركيا وروسيا كبير لأن لديهم نفس الممارسات التدخلية في شؤون الدول، ولا فرق بينهما وبين ما تقوم به إسرائيل اليوم في المنطقة.
وقد شهدت الفترة الماضية عديدًا من المواقف التي عبرت عن مدى التعاون بين تركيا وإيران في التآمر ضد الشعب الكردي وتجربة الإدارة الذاتية الديمقراطية، من ذلك دعم بعض المليشيات التي تريد إحداث الفوضى في هذه المناطق، كما قات تركيا باستهداف بعض المراكز الأمنية بغرض إحداث اضطرابات تتيح لحلفائها الدواعش العودة مرة أخرى.
وعلى مدار الأشهر الماضية كذلك نفذ الاحتلال التركي عديدًا من الضربات والاستهدافات التي طالت البنى التحتية في مناطق شمال وشرق سوريا وأزهقت أرواح الأبرياء، مستعينًا في ذلك بالعناصر الإرهابية التي تقدم لهم أنقرة الدعم، وكل ذلك على مرأى ومسمع من العالم المنشغل بدرجة كبيرة بالحرب الروسية الأوكرانية وكذلك التصعيد الكبير في الشرق الأوسط.