وصل الصراع في منطقة الشرق الأوسط إلى أحد أعنف الجولات في تاريخه، حيث استخدمت تل أبيب المئات من القنابل لدك قطاع غزة وتدمير مدنه بذريعة تفكيك حركة حماس، بالإضافة إلى مقتل كبار قادة حزب الله في الشمال والاستعداد لاجتياح بري يعيد البلاد إلى وضع عام 1982 من جديد، وشخصت رؤية القائد أوجلان الصراع العربي الإسرائيلي ووضعت الحلول لها.
الصراع العربي الإسرائيلي من وجهة نظر عبد الله أوجلان
تقول آمنة خضرو الناطقة الرسمية باسم المبادرة السورية لحرية القائد أوجلان، أن القائد عبد الله أوجلان وضع عدة حلول لحل قضايا الشرق الأوسط، ومن بينها إسرائيل، ويرى القائد إن كانت إسرائيل تود الخلاص من حالة الأسر للنظام الذي أوجدته فالعصرانية الديمقراطية خيار يشَكل طريق الحلِّ المستدام والوطيد ضمن معمعة الشرقِ الأوسط.
وأضافت، أنه يقيم القائد عبد الله أوجلان في مرافعته بالمجلد الخامس ’’القضية الكردية وحل الأمة الديمقراطي‘‘ المعنون في الفصل السابع: أزمة الشرق الأوسط وحل العصرانية الديمقراطية، الدولة القومية العربية وهيكلية إسرائيل.
ويشير القائد عبد الله أوجلان إلى ’’لن يتخلصَ الصراع العربيّ–الإسرائيلي أو الفلسطيني–الإسرائيلي، من التشبه بصراع الفأرِ والقط فما يتجلى في النتيجة هو هدر طاقةِ الحياةِ لدى الشعوب العربية قاطبة في معمعان هذه الاشتباكات الواضحة النتيجة سلفاً، والتي تدور رحاها قرابةَ قرنٍ بأكمله. ولو لم تفتعل هذه الاشتباكات والصراعات، لَكان هناك وطن عربيّ نظير لـ عشرة أمثال اليابان من حيث وارداته النفطية فقط، بحسب آمنة خضرو‘‘.
ونقلت الناطقة الرسمية باسم المبادرة السورية لحرية القائد أوجلان، عن القائد عبد الله أوجلان في مرافعته ما يلي: ’’أن أحد المصادرِ الأخرى لأزمةِ الشرقِ الأوسط، هو تشييد الدولِ القوميةِ العربيةِ وإسرائيل بشكل متزامن، حيث لم تستقر إنكلترا في المنطقة كقوة استعمارية مباشرة، لكنها في الوقت عينِه لَم تترك أية قوة منافسة. وهدفت إلى تشييد الجمهورية التركية وهيكلتها بمعية أنظمة الانتداب العربية ضمن ذات الإطار (كان المحور الرئيسي للنقاشات الدائرة في مؤتمرِ سيواس متعلقاً بالانتداب الإنكليزي أو الأمريكي) وفي التاريخ نفسه عام (1920)، لكن السلوك الراديكالي الذي اتبعه مصطفى كمال قد صب النتيجة النهائيةَ في مجرى الجمهورية، لكن، لم يتغير أي شيء مضموناً، في الأنظمة العربية تحت الانتداب كانت قد تحولَت بعد فترة قصيرة إلى دول قومية مشابهة، وإطلاق تسميات المملكة أو الجمهورية عليها لَم يغير من جوهرِ الدولتية القومية الصغرى‘‘.
وأوضحت آمنة خضرو، أن القائد أوجلان يرى أن جذور إسرائيل ترتكز على القبائل وأيديولوجيتِها (الأيديولوجية اليهودية والأديان التوحيدية والقومويات)، أي إن إسرائيل في جوهرِها نتيجة طبيعية لحروبِ الدولةِ القومية، ولَطالما لعبت الميول الفكرية اليهودية ورأس المال (الرأسمالية) اليهودي دوراً ريادياً في تشييدِ الدولة القومية، حيث كانت القناعة السائدة هي أن اليهود لن يتمكنوا من نيل حريتِهم أو من تأسيسِ دولة إسرائيلية يهودية على خلفية المثل الصهيونية للقوموية اليهودية المتصاعدة مع الوقت؛ إلا بتمزيقِ أوصال الإمبراطورياتِ الكاثوليكية والأرثوذكسية والإسلامية.
واستكملت الناطقة الرسمية باسم المبادرة السورية لحرية القائد أوجلان، تشخيص القائد لنشأة إسرائيل، مبينة قد أَينعت هذه النشاطات العقائدية الواعية والمنظمة عشية وأثناء وإبان الحرب العالمية الأولى، ففي الأوساط المتمخضة عن بناء الدولة القومية للجمهورية التركية الصغرى على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، إلى جانب بناء عدد جم من الدول القومية العربية الصغرى؛ قد أُعلن عن الدولة القومية اليهودية إسرائيل رسمياً (1948)، والتي هدفت إليها الإيديولوجية الصهيونية المقدسة، وكانت الجمهورية التركية أول دولة قومية تعترف بها، وكأنها بذلك تؤكد جوهرها من حيث كونها إسرائيل بديلة.
وانتقلت آمنة خضرو لوصف القائد أوجلان للصراع العربي الإسرائيلي الذي يشهد حالياً أحد أعنف جولاته، بأن تشييد وإعلان إسرائيل ليس حدثاً اعتيادياً، فقد ولِدت إسرائيل كقوة مهيمنة نواة لهيمنة الحداثة الرأسمالية، التي ملأَت فراغَ السلطة الناجم عن تحويلِ الإمبراطورية العثمانية والملكية الإيرانية إلى دول قومية صغرى تابعة، بعدما كانتا آخر قوتين مهيمنتين في المنطقة. وتشييد إسرائيل كقوة مهيمنة نواة أمر بالغ الأهمية، فهذا ما مفاده أنه سيتمّ الاعتراف بشرعية الدول القومية الأخرى في المنطقة في حالِ اعترفَت هي بوجودِ إسرائيل كقوة مهيمنة، وأنه في حالِ عدمِ اعترافها بها، سيجري تجييرها وإرهاقها بالحروب إلى أن تعترف بها. ونظراً لأن الجمهوريةَ التركية ومصر والأردن وبعضَ دولِ الخليجِ كانت أول من اعترفَ بإسرائيل، فقد اعترِف بها دولاً قومية شرعية، وأُدرِجت بالنظام القائم بناء على ذلك، في حين لا تنفك الحرب دائرة بين إسرائيل وحلفائِها من جهة، والدول الأخرى المتبقية من الجهة الثانية.
وأكدت السياسية الكردية، أن رؤية القائد عبد الله أوجلان أن القضايا العربية أيضاً كالقضية التركية، ليست عصية على الحل، ولكنها تعتمد على مضاعفة الحصة من أجهزة الدول والمجتمعِ تحت كنف النظام القائم، وعلى افتعالِ النزاعات اللازمة بغيةَ حصد النتيجة المرجوة، وهي النتيجة التي تطلعت الدول القومية العربية –بما فيها منظمة التحريرِ الفلسطينية– للوصول إليها عبر الاشتباكاتِ التي جربتها طيلة العقود الخمسة الأخيرة، وسيعمل على إتمامِ هذا المحورِ عاجلاً أم آجلاً، عن طريق معاهدة شبيهة بمعاهدة كامب ديفيد المبرمة مع مصر، لكن هذا الطريقَ لا يعني أكثر من زيادة وطأة القضايا الاجتماعية العربية، وحملها بالتالي على اتباع الحلولِ الراديكالية.
وبالنسبة لمستقبل الصراع، يرى أوجلان أن الدول الاثنتين والعشرين لا تستطيع الذهاب في دورِها أبعد من كونِها تنظيماً عميلاً جماعياً للحداثة الرأسمالية، ووجودها بحد ذاته يعد الإشكالية الرئيسية على الإطلاقِ بالنسبة للشعوب العربية، وبالتالي، فالقضية العربية مرتبطة ببناء وتأسيس الحداثة الرأسمالية في المنطقة، أي ارتباطاً بإسرائيل بوصفِها قوةً مهيمنةً في المنطقة ارتباطاً بالحداثة الرأسمالية، لأن القوى التي شادت إسرائيل هي نفسها التي شيدت الدول القومية العربية، بالتالي، في تجاذبات وتنافرها مع إسرائيل تتسم بماهية التمويه، ونظراً لتشاطُرِها النظامَ المهيمن عينه من حيث المضمون، فإن تناقضاتها معها لن تكون ذات معنى، مهما كانت جدية، إلا إذا تجرأَت على الخروج من إطارِ الحداثة الرأسمالية.
النضال ضد إسرائيل ومشروعها
لم تقتصر رؤية القائد عبد الله أوجلان على الإطار النظري للصراع العربي الإسرائيلي بل خاضت قواته عملياً النضال والمعارك ضد إسرائيل والفكر الصهيوني وقدم شهداء وأسرى في سبيل ذلك، وفي المقابل شاركت إسرائيل في المؤامرات ضد القائد أوجلان وصولاً إلى مؤامرة اختطافه.
يقول أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المصري، إن العلاقات النضالية الوثيقة التي ربطت الكرد بالفلسطينيين استمرت بين الشعبين حتى عصرنا القائم، وقد كان من حسن طالعه أنه شاهد مرحلة مهمة من تاريخ التكوين الثوري لحزب العمل الكردستاني وبدايات نضاله المسلح ضد الفاشية التركية حينما استوجبت ظروف العمل النضالي في مصر الساداتية بعد انتفاضة الخبز والحرية في 18 و19 يناير\كانون الثاني 1977 أن أي تواجد في بيروت التي كانت عاصمة الثورة وملاذ المناضلين وأصحاب المواقف الوطنية والثوار من كل بقاع العالم.
وأضاف، أن حزب العمال الكردستاني قد تأسس في أواخر عام 1978 واتخذ قرارا بالأعداد لخوض الكفاح المسلح طلبا للحرية واستضافت فصائل النضال الفلسطيني اليسارية الجبهة الديمقراطية والجبهة الشعبية وفتح وجبهة النضال الشعبي وغيرها مناضل الكتائب الأولى للحزب من أجل تدريبهم عسكريا وقد استشهد اعدادا منهم في مواجهة العدو الصهيوني وارتوت الارض اللبنانية بدمائهم الطاهرة وهم يزودون عن حماها في مواجهة العدوان الصهيوني وقت غزوها للبنان واحتلال العاصمة بيروت.
وأشار السياسي المصري، إلى أنه لا يمكن نسيان صمود المناضلين الكرد في دفاعهم البطولي عن قلعة الشقيف يوم 6 يونيو\حزيران 1982 ضد محاولات قوات العدو الصهيوني من لواء جولاني الشهير اقتحامها بعد الدك بالطائرات وقد سقط شهداء من حزب العمال الكردستاني واعتقل الإسرائيليون 15 مناضلا من الحزب ضمهم معتقل أنصار في الأراضي اللبنانية مع غيرهم من الثوار الفلسطينيين واللبنانيين والعرب ومن جنسيات أجنبية اخرى قبل إطلاق سراحهم في عمليات تبادل الأسرى بين منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الصهيوني.
ووصف الرفيق جميل بايك الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني الوضع وقتها قائلاً "كنا 27 رفيقا في بيروت بعضهم عند فتح وبعضهم لدى الجبهة الشعبية وآخرون لدى الجبهة الديمقراطية وقد سجل رفاقنا حربا بطولية واصيب بعضهم بجروح وقد صار رفاقنا مضرب المثل الفلسطيني بمن فيهم جورج حبش بذاته".
ولفت شعبان إلى الدور الإجرامي الذي لعبه الكيان الصهيوني في حصار ومطاردة واعتقال الرفيق عبد الله أوجلان، وبعد العملية الغادرة ومؤامرة الاعتقال اتهم متحدثون باسم حزب العمال الكردستاني المخابرات المركزية وجهاز الموساد الإسرائيلي بالضلوع في مؤامرة الاختطاف التي تمت في كينيا، في ١٥ فبراير شباط ١٩٩٩، بعد استدراجه إلى أحد أهم مراكز نشاط الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية في إفريقيا والعالم.
وسلط رئيس الحزب الاشتراكي المصري الضوء على العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية الوثيقة بين كل من تركيا الأردوغانية والكيان الصهيوني، بصرف النظر عن المعارك الكلامية التي يشنها رجب طيب أردوغان من حين لآخر، ضد الممارسات الصهيونية الإجرامية، بدوافع حسابات المصالح المادية مع العالم الغربي، واسترضاء لمشاعر القاعدة الإسلامية التي يرتكز عليها في الداخل التركي، ولا يجب تجاهل حقيقة انتماء منظومة الحكم التركي بمختلف تلاوينها، عسكرية كانت أم مدنية، إلى التحالف الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعد تركيا من أقدم أعضاء حلف الناتو، التحقت به في ١٨ فبراير ١٩٥٢، كما تضم الأراضي التركية قاعدة انجرليك الجوية الأمريكية والتي يعمل بها ما يقارب ٥٠٠٠٠ طيار من أفراد القوات الجوية الأمريكية، ويتم تخزين نحو ٥٠ قنبلة نووية تكتيكية من طراز بي ٦١ فيها
إيران ودورها في الصراع
يقول القائد عبدالله أوجلان في كتابه "مانيفستو الحضارة الديمقراطية" في مجلده الرابع بعنوان "الشرق الأوسط"، أن القضايا في المجتمع الوطني الإيراني أو الفارسي تعتبر من المدنيات التاريخية، ومن ممارسات الحداثة الرأسمالية خلال القرنين الأخيرين، هناك في إيران تقاليد مدنية متأثرة بالمشتقات الثلاثة من أيديولوجية الكهنة السومريين، فرغم تشكيل التقاليد الزرادشتية والمتردية الهوية الأصلية، إلا أن تأثيرها قد شل بالمشتق الإسلامي، بينما المأنوية، التي ظهرت إلى الوسط كجمعية متكونة من الموسوية والعيسوية والمدرسة الفلسفية الإغريقية، عجزت عن تحقيق النجاح إزاء الأيديولوجيا الرسمية للمدنية، أو بالأحرى، لم تتعد نطاق تغذية تقاليد التمرد.
وأوضح أوجلان، أن إيران حولت التقاليد الإسلامية إلى المذهب الشيعي، مكيفة إياها كإيديولوجيا المدنية في عهدها الأخير، وسعياً منها نحو العصرنة، فهي تعمل في راهنا أيضا على تمرير عناصر الحداثة الرأسمالية أيضاً من المصفاة الشيعية كشكل عصري الكونفوشيوسية الصينية، يمتلك المجتمع الإيراني ثقافة غنية من حيث ماهية الهويات المتعددة، سواء على الصعيد الإثني أو الديني إذ يسكن لديه جميع هويات الشرق الأوسط الوطنية والدينية.
وأشار أوجلان أن النظام الإيراني يلاقي صعوبة في إبقاء الهويات المتعددة بمفردها في مكان مشترك مع المهيمنات الأيديولوجية العرقية أو الدبنية، ويطبق شكلا من القوموية الدينية والعرقية بمنوال رفيع جدا من جانب اخر، ورغم تطبيقه الحداثة الرأسمالية، فهو لا يتخلف عن اللجوء إلى الدعايات المضادة للحداثة عندما يلائم ذلك مصالحه، هذا وبات ماهراً في صهر التطورات الثورية والديمقراطية في بوتقة ثقافة المدنية التقليدية، ما يجري هو ممارسة نظام استبدادي ببراعة، وهو يتصدر دول ومجتمعات الشرق الأوسط من حيث بنيته المتناقضة والمتوترة، وعلى الرغم من أن موارد النفط تؤدي نسبياً إلى تلطيف أجواء التوتر، إلا أن الدولتية القومية الإيرانية معرضة أكثر من غيرها للانقسام، في الخلافات التي يعيشها النظام في إيران مع هيمنة أمريكا الاتحاد الأوروبي، ممثلي الحداثة الرأسمالية الرئيسيين، تؤثر في ذلك إلى حد بعيد.
وحول تلك النقطة تقول آمنة خضرو، أن أوجلان يرى أن جميع المقاربات الإسلامية القوموية، التي يراد إحلالها محل الحداثة الرأسمالية، هي محض رياء؛ سواء الإسلام الراديكالي منها أم الإسلام المعتدل أم إسلام الشيعة، فهذه النزعة الإسلامية أداة أيديولوجية خاصة بالرأسمالية، إذ تسلطها على البلدان الإسلامية في الشرق الأوسط، ولا علاقة لها بالحضارة الإسلامية، بل هي نسخة مشتقة من القوموية المتصاعدة في كنف هيمنة الحداثة الرأسمالية اعتباراً من مطلع القرن التاسع عشر، والنزعات الإسلامية السياسية.
وأوضحت، أنه تشكل العوائق الأيديولوجيةَ والسياسية الأساسية أمام الكوموناليةِ والوطنية الديمقراطية، لأن النظام العالمي نفسه لا يقتصر على تأليب دول الشرق الأوسط على بعضها بعضاً، بل إنه وسيلة لتأجيج النزاعات بين مجتمعاتها أيضاً إلى أن تخور قواها، وحقيقة العراق تؤكد مصداقية هذا التشخيصِ بأحسن صورة.