أدلى عبد الحميد بيلجي، رئيس التحرير السابق لصحيفة زمان التركية، بشهادته حول القمع العابر للحدود الذي تمارسه الحكومة التركية أمام الكونجرس الأمريكي في جلسة عقدتها لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان بعنوان "القمع العابر للحدود الوطنية والرد الأمريكي"، وهي لجنة من خبراء وشهود المجتمع المدني الذين قدموا تفاصيل عن ممارسة القمع العابر للحدود الوطنية الناشئ من عدة دول أبرزها تركيا والصين.
و "بيلجي" قد أغُلقت صحيفته في تركيا في أعقاب محاولة الانقلاب المزعومة التي وقعت في تركيا عام 2016، وعلى إثرها قاد الرئيس التركي حملة اعتقالات وإقالات غير مسبوقة وتضييق هو الأكبر بحق الصحف كانت "زمان" إحدى ضحاياه، وهو ما دفع كثير من المعارضين إلى اتهام "أردوغان" بتدبير هذه المحاولة الانقلابية لكي يوظفها في التنكيل بكل معارضيه.
قمع عابر للحدود
وتحدث "بيلجي" عن أنه نفسه تعرض للقمع من قبل النظام التركي سواء داخل تركيا أو خارجها، مشيراً إلى أن "الحكومة استولت على صحيفته "زمان"، وعندما انتقل إلى الولايات المتحدة الأمريكية فقد تعرض للتهديد من قبل أحد مؤيدي الرئيس التركي والذي يقيم في الولايات المتحدة بسبب حضوره إحدى الفعاليات"، موضحاً أن منظمي الحدث كانوا لديهم قدراً من الشجاعة لعدم إلغاء الفعالية، إلا أن "بيلجي" اضطر للعودة إلى منزله تحت حماية الشرطة وهذا يحدث معه داخل الأراضي الأمريكية.
ويقول الكاتب الصحفي التركي الشهير إن ما يحدث معه ليس حالة فردية وإنما هناك حالات عديدة، إذ قال إن "الذراع الطويلة للرئيس أردوغان وصلت إلى عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك في الخارج، بينما تشهد تركيا أزمة حقوق إنسان متفاقمة، خاصة منذ محاولة الانقلاب في عام 2016"، في إشارة إلى الانقلاب الفاشل الذي أطلق العنان لحملة حكومية واسعة النطاق على المعارضة.
ويشير "بيلجي" كذلك إلى أن فرقة أمنية تابعة للرئيس التركي اعتدت على متظاهرين في واشنطن العاصمة دون أن تتم معاقبتهم، كما استشهد بالتقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن حقوق الإنسان بشأن تركيا، والذي تضمن إشارة إلى الحملة العالمية التي قامت بها الحكومة التركية على مدى السنوات الثماني الماضية لضمان تسليم أكثر من 100 مواطن، حيث يتم ذلك في الغالب من خلال التعاون مع الدول الاستبدادية.
اعتقالات تطال الكرد
وقال الصحفي إن الحملة التركية استهدفت جميع المنشقين ذوي الخلفيات الليبرالية أو اليسارية أو الكردية، وخاصة المرتبطين بحركة الخدمة أو حركة فتح الله غولن، ثم انتقل بعد ذلك إلى ذكر حالات محددة تتعلق بأعضاء مزعومين في حركة غولن، مثل المعلمين السابقين صلاح الدين غولن وأورهان إيناندي، اللذين اختطفتهما المخابرات التركية من كينيا وقيرغيزستان على التوالي.
ولفت إلى أنهم نشروا صوراً للسيد إيناندي وذراعه المكسورة عبر وسائل الإعلام التركية، ويظهرون ذلك بفخر للعالم، كما أنهم اختطفوا مؤخراً كوراي فورال الذي كان رجل أعمال في طاجيكستان، كما انتقد "بيلجي" الممارسات المسيئة التي تستهدف الصحفيين الذين يعيشون في المنفى على وجه التحديد، مدللاً في ذلك على نشر صحيفة صباح اليومية المؤيدة للحكومة صور تم التقاطها سراً لصحفيين يعيشون في السويد والتي كشفت أحياناً عن عناوين منازل الضحايا في الدولة الأوروبية الشمالية، التي تستضيف جالية كبيرة من المغتربين الأتراك.
وقد جاءت الضغوط على الصحفيين المقيمين في السويد وسط ضغوط دبلوماسية تركية على ستوكهولم لتسليم عدد من منتقدي الحكومة مقابل موافقة أنقرة على محاولتها الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وتطرق الصحفي التركي إلى أمور أخرى من بينها تعرض الصحفيين المنشقين لاعتداءات جسدية.
دعوة لفرض عقوبات
ودعا "بيلجي" السلطات الأمريكية إلى تنفيذ قانون ماجنيتسكي العالمي، وهو تشريع أقره الحزبان الجمهوري والديمقراطي عام 2012 يسمح للحكومة الأمريكية بفرض عقوبات شخصية على مسؤولي الحكومات الأجنبية المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان، مشيراً إلى الدور الحاسم الذي يلعبه الصحفيون المنفيون في تقديم لفضح روايات الحكومة التركية وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، داعياً السلطات الأمريكية إلى ممارسة الضغط على المنصات حتى لا تمتثل لطلبات الحكومات الاستبدادية.
وقال الكاتب الصحفي التركي إننا نتحدث عن دولة عضوة في حلف "الناتو"، مؤكداً أنه "من العار أن تكون إحدى دول الناتو من بين الجهات الفاعلة الرئيسية في القمع الوطني وعبر الوطني"، معرباً عن اعتقاده أن المعايير المزدوجة للحلفاء بين الدول تقلل من قوة رسالة الديمقراطية، فعندما يختطف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منشقاً أو يسجن صحافياً، فإنك تتحدث بصوت عالٍ، ولكن عندما تلتزم الصمت حين تفعل ذلك حليفتك تركيا، ما هو الانطباع الذي ستعطيه للعالم؟!
تكتيكات الحكومة التركية
وذكرت صحيفة "توركيش مينيت" التركية أن الحكومة التركية اتبعت مجموعة واسعة من التكتيكات ضد منتقديها في الخارج، من التجسس عبر البعثات الدبلوماسية ومنظمات الشتات الموالية للحكومة إلى الحرمان من الخدمات القنصلية والترهيب الصريح والتسليم غير القانوني.
وأضافت أن الحكومة التركية اتبعت حملة تقوم على عمليات الترحيل السري، حيث تقوم الحكومة ووكالة الاستخبارات التابعة لها بإقناع الدول المعنية بتسليم الأفراد دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، باستخدام أساليب مختلفة، لافتةً إلى أن الضحايا عانوا من انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك الاعتقال التعسفي ومداهمات المنازل والتعذيب وسوء المعاملة خلال هذه العمليات.
حملة الاستهداف تتسع لتشمل الكرد
وبحسب تقرير لمنظمة "فريدوم هاوس" تستهدف حملة النظام التركي في المقام الأول الأشخاص المنتمين إلى حركة غولن، لكن جهودها توسعت لتشمل الكرد واليساريين أيضاً، كما كشف تقرير آخر نشرته المنظمة مؤخراً أن السلطات التركية ارتكبت 132 حادثة اعتداء جسدي بما يشكل نحو 15 بالمئة من إجمالي وقائع القمع الجسدي المباشر العابر للحدود الوطنية منذ عام 2014، مشيراً إلى أن تركيا أصبحت ثاني أكبر مرتكبي القمع العابر للحدود الوطنية في العالم.