قد تعددت المواجهات بين حزب الله وإسرائيل من ذلك حرب 2006، وبينما كان يعتمد في القتال ضد تل أبيب على قواه المحلية اللبنانية، كان يستفيد بدعم إيراني متعدد الجوانب، سواء من حيث التمويل أو التدريب أو التسليح، إلا أن المواجهة هذه المرة غير كل مرة في ظل ضربات إسرائيلية مكثفة أفقدت الحزب تقريباً جميع قياداته المؤثرة من الصف الأولى والصفوف الاحتياطية وعلى رأسهم الأمين العام حسن نصر الله.
وما يدعو إلى الحديث عن مشاركة الميليشيات الموالية لإيران من الجنسيات السورية والعراقية واليمنية إلى جانب عناصر حزب الله التي تتحد جميعاً تحت مظلة ما يعرف بـ "محور المقاومة" أو "محور الممانعة" – كما يطلقون هم على أنفسهم – هو أن هذه المجموعات سبق لها وشاركت في الحرب السورية بصالح قوات نظام بشار الأسد، وقد لعبت دوراً محورياً إلى جانب روسيا في إبقاء الأسد بدمشق، ومن ثم حافظت طهران ومعها موسكو على حليف كبير لها.
ومن ثم فإنه إذا كان حزب الله الوكيل الأقوى لطهران في المنطقة يتعرض لهذه الضربات الإيرانية الموجعة التي أحدثت هزة عميقة بداخله فما الذي يحول دون تكرار سيناريو مشابه، لكن الإجابة على هذا التساؤل تحمل أبعاداً معقدة في ظل حديث عن عدم رغبة الإيرانيين في توسيع المواجهة الإقليمية مع إسرائيل حتى لا تطالها بشكل عنيف، وأيضاً فرص استجابة عناصر تلك المليشيات خاصة وأن المواجهة تختلف في كل شيء.
حسابات حزب الله
حول مسألة إرسال إيران المسلحين الموالين لها إلى لبنان، يرى الدكتور إحسان الخطيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة موري ستايت الأمريكية أن حزب الله ليس بحاجة إلى هؤلاء، مبرراً رؤيته بأن الحزب لديه مقاتليه بالفعل وأعدادهم كبيرة، أي أنه ليست لديه مشكلة ما في عدد قواته، وإنما الإشكالية الرئيسية التي تواجهه أنه لا يملك سلاح جو فضلاً عن الاختراقات الأمنية التي يتعرض لها.
ولا توجد أرقام رسمية مؤكدة حول عدد مقاتلي حزب الله، إذ يحتفظ بسرية كبيرة حول هذه المعلومات، لكن التقديرات تشير إلى أنه يمتلك ما بين 20.000 إلى 30.000 مقاتل مدرب من بينهم نحو 7.000 إلى 10.000 مقاتل يعتبرون قوة نخبة محترفة لديهم خبرة كبيرة خاصة من خلال مشاركتهم في الحرب السورية، لكن تقديرات أخرى تقول إن عدد أفراده يتجاوز 100 ألف.
ويضيف الخطيب، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أنه حسب المعطيات فإن عناصر حزب الله حتى الآن لديهم أداء جيد على أرض المعركة في الجنوب اللبناني، كما أن لديه عشرات آلاف المقاتلين والأنصار، وهو ليس بحاجة إلى عناصر جديدة، إلا أنه يحتاج في الوقت ذاته إلى المال لإيواء وإطعام البيئة الحاضنة له.
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية هنا أن الدعم بالمال والسلاح من قبل إيران لحزب الله أمر مسلم به، ولكن طهران لن تدخل بالمعركة لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تكون هناك حرب بين إسرائيل وإيران، ثم يجدد تأكيده أن إشكالية حزب الله الرئيسية في مواجهة سلاح الجو الإسرائيلي وكذلك الاختراقات الأمنية الواضحة.
وسبق أن قاتل حزب الله إلى جانب القوات الحكومية السورية والفصائل الشيعية الأخرى المدعومة من طهران في الحرب الأهلية السورية، كما استقطب إلى جواره عناصر من دول أخرى تتبع نفس المحور، وهذا التعاون يدفع البعض إلى إمكانية توقع وجود دعم متبادل، وربما تكرار ما حدث على الأراضي السورية وهذه المرة لإنقاذ حزب الله من السقوط.
ونفذت تل أبيب قبل أسابيع واحدة من أخطر ضرباتها للحزب بتفجير شحنة أجهزة البيجر التي كانت بحوزة نحو 3 آلاف من عناصر الحزب بعد اختراق سلسلة توريدها، أعقبها ضربات متتالية مكثفة وقاسية أسقطت الأمين العام حسن نصر الله واستهدفت خليفته هاشم صفي الدين، فضلاً عن اغتيال عديد من القادة الميدانيين والعسكريين المؤثرين على الأرض.
لبنان ليس سوريا؟
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي العراقي حازم العبيدي ربما يتفق مع ما طرحه الدكتور إحسان الخطيب، إذ يستبعد فكرة قدوم عناصر هذه الميليشيات لمساندة حزب الله سواء من سوريا أو العراق أو اليمن وغيرها، موضحاً أنه حسب معلومات وردت من مصادر عراقية إليه فإن الأيام الماضية شهدت مطالبات من قبل قادة بعض الميليشيات في العراق لعناصرها بالتوجه إلى لبنان، لكن هذه العناصر تتهرب بل وترفض الرد على الاتصالات، على حد قوله.
وأوضح العبيدي، في تصريحات عبر الهاتف لوكالة فرات للأنباء (ANF)، أن هذه العناصر ترفض لسببين رئيسيين، أولهما أنها تعلم جيداً أن لبنان ليس سوريا والمواجهة مع إسرائيل كبيرة وأنها لن تكون نزهة بالنسبة لهم كما كانوا في سوريا حين ساندوا النظام، إذ كانوا يواجهون بالأساس مدنيين عزل أو جماعات أقل تنظيماً عكس الإسرائيليين المزودين بأحدث الأسلحة خاصة تلك التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ومن ثم حسب تعبيره سيكونون "وجبة سريعة الهضم" بالنسبة لتل أبيب.
ويلفت المحلل السياسي العراقي إلى أن السبب الثاني يعود إلى أن كثيراً من عناصر هذه المليشيات أصبح لديهم قناعة أن إيران باعتهم، وضحت بهم لأجل مصالحها الخاصة، مؤكداً أن هذا ليس نهجاً غريباً على طهران التي في السابق عرضت على الرئيس العراقي الراحل صدام حسين تسليمه كل المعارضين العراقيين على أرضها والذين رعتهم وصنعتهم مثل مجموعة نوري المالكي مقابل تسليمها معارضي معسكر أشرف أي جماعة رجوي.
وفي ظل هذه الضربات الإسرائيلية غير المتوقعة والموجعة، يعتقد قطاع واسع في الدول العربية أن طهران قد باعت بالفعل حسن نصر الله وحزب الله وهي التي قدمت لإسرائيل بشكل مباشر أو من خلال أمريكا إحداثيات تواجد القادة الذين تم اغتيالهم، وذلك في إطار تفاهمات بين طهران وواشنطن تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.
لكن في المقابل هناك من يرى عكس ذلك ويرى أن الرأي السابق هو من قبيل الإفراط في نظرية المؤامرة، إذ لا يعقل أن تضحي طهران بأقوى أدواتها في الشرق الأوسط، بل وما يعد خط دفاع أمامي لها على الأقل في إطار محاولات بسط النفوذ في المنطقة، والأكيد أن المستقبل سيكشف الكثير حول ما لاقاه الحزب خلال الفترة الماضية.