وقد عقد مركز آتون للدراسات السياسية حلقة نقاشية حول الأزمة السورية وآفاق الحل السياسي لها لا سيما وأنها تدخل عامها الثالث عشر دون أي تغيير يذكر على صعيد الأزمة، وقد أثنى تقريباً جميع المشاركين في كلماتهم بتجربة الإدارة الذاتية، لا سيما وأنها تقدم نموذجاً ديمقراطيا يقوم على أفكار الأمة الديمقراطية للقائد عبدالله أوجلان.
وقد تمحورت الإشادات بتجربة الإدارة الذاتية كونها تقوم على فكرة التشاركية، وتمد يدها لجميع الأطراف، ولديها قناعات بوحدة سوريا وكذلك تؤمن بالحوار كسبيل لحل الأزمة، كما أنها لعبت دوراً محورياً في جهود القضاء على الإرهاب بالتعاون مع التحالف الدولي بما قدمت من شهداء وجرحى.
وقد أدار الحلقة النقاشية الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات، أما على صعيد المتحدثين فضمت الحلقة كل من الكاتب السوري عبدالرحمن ربوع والباحث السياسي المصري الدكتور طه علي والباحث في الشؤون العربية أحمد أبوبكر والكاتب الصحفي السوري أحمد شيخو، والذين قدموا عرضاً واسعاً وشاملاً حول كافة جوانب الأزمة السورية.
وقد استهل الكاتب الصحفي فتحي محمود مدير مركز آتون للدراسات التقديم للحلقة النقاشية بالتأكيد على أن الوضع في سوريا مؤسف للغاية منذ سنوات طويلة، وقد تحولت إلى حلبة صراع بين قوى إقليمية ودولية مختلفة، ناهيك عن عشرات الجماعات الجهادية المسلحة الموجودة تحت رعاية قوى دولية وإقليمية تحاول السيطرة على بعض المناطق ويستخدمها البعض في الصراعات في الداخل السوري الذي لا يبدو أنه لا يوجد به أفق للحل.
الإدارة الذاتية تجربة موضع تميز
وبدأت الحلقة النقاشية بكلمة مسجلة للسيدة جاندا محمد نائبة الرئاسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية "مسد"، والتي أكدت أن الأوضاع في سوريا وصلت إلى مرحلة بالغة التعقيد بعد مرور 13 عاما على "الثورة السورية"، حيث أدى استخدام العنف من قبل النظام السوري والعنف المضاد له إلى تعميق تلك التعقيدات أكثر، على نحو خلق حالة من الانقسام المناطقي الملوث بالطائفية والمذهبية، وتسبب في وضع كارثي على كافة الأصعدة.
وتحدثت السيدة جاندا محمد عن أنه في ظل هذا الوضع المعقد لا توجد أية حلول على المدى المنظور في ظل هذا الوضع الخطير الذي تمر به البلاد، لكن في ظل هذا الظلام هناك نموذج الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، كنموذج ديمقراطي يمثل إرادة جميع المكونات في تلك المناطق للعيش معاً في أمان واستقرار وإدارة شؤونهم بأنفسهم، لافتة إلى أنها تعتبر أرضية للحل في سوريا لكنها تواجه تحديات على كافة المستويات خصوصاً ملف الدواعش والتهديدات التركية. وأشارت إلى أنها لعبت دوراً كبيراً في محاربة الإرهاب بالتعاون مع التحالف الدولي، حيث قدمت أكثر من 13 ألف شهيد وأكثر من 24 ألف جريح.
وحذرت السياسية الكردية السورية من خطر خلايا "داعش" التي تنشط بين الحين والآخر، وأسر ذلك التنظيم في المخيمات على نحو يهدد ليس سوريا فقط بل الشرق الأوسط ككل، مشددة كذلك على خطورة التهديدات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا والقصف المتواصل بمختلف الأسلحة دون أن يستثني أحد، حيث يتم استهداف البنى التحتية ومراكز الطاقة وحتى المستشفيات والمدارس، معتبرة أن القصف التركي يمثل التهديد الأكبر لأنه يهدف إلى القضاء على هذا المشروع وتهديد الأمن والاستقرار في تلك المناطق ودفع الناس للهجرة، وتسببت في انقطاع المياه والكهرباء عن عديد من المناطق كما خرجت عدة مستشفيات عن الخدمة.
وتحدثت كذلك المسؤولة الكردية عن بعض التحديات تتعلق بغلق المعابر الحدودية بين مناطق شمال وشرق سوريا والدول المجاورة، رغم أن هذه المناطق أصبحت مع الوقت ملاذاً آمناً لكثير من السوريين وهي الأكثر أماناً مقارنة بغيرها من المناطق السورية، كما أن هناك بعض الأطراف تمنع أن يتم التعامل مع الإدارة الذاتية على الصعيد السياسي ويتم إقصائها عن كل المحافل الدولية التي تتناول حل الأزمة السورية، رغم أنها تمتلك رؤية للحل في سوريا ودائماً تؤكد على ضرورة الحفاظ على الأراضي السورية، كما أن النظام السوري يرفض الحوار مع الإدارة الذانية وكذلك بقية الأطراف التي ترفض الحوار على نحو أطال أمد الأزمة السورية وحولها إلى ساحة للصراعات.
المؤسسة الوحيدة المنفتحة
الكاتب السوري عبدالرحمن ربوع تحدث باستضافة عن واقع الأزمة السورية، لافتاً إلى نقطة في غاية الأهمية وهي أن الدولة السورية تحولت إلى كردونات سياسية تتوزع سيطرتها على الجغرافيا السورية، فهناك مناطق للنظام وأخرى للمعارضة ومناطق للإدارة الذاتية وأخرى في السويداء، وقد أخذ هذا الوضع طابعاً جغرافياً، فكل منطقة لها من يديرها بشكل خاص بما في ذلك "إدلب" التي تم تجميع عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي فيها.
وبخصوص ت تجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، يقول "ربوع" إنها المؤسسة السياسية الوحيدة المنفتحة على جميع الفرقاء والتي تعمل بشكل وطني واحترافي عكس بقية الفرقاء الذين لا يمد طرف فيهم يده للطرف الآخر إلا في الحد الأدنى، ولفت في هذا السياق إلا أن النظام التركي وحلفائه يواصلون قصف المناطق الكردية، بل إن هناك مخططاً للتعاون بين هذا النظام والنظام السوري للتقارب فيما بينهما من أجل دحر الإدارة الذاتية، مقابل عودة حكومة دمشق إلى مناطق المعارضة المعروفة بخضوعها للهيمنة التركية.
كما تحدث الكاتب السوري عن أزمة المظلومية في كثير من المناطق السورية التي تفسر الآن سبب تمترس كل طرف بمواقفه، مثل منطقة الجزيرة التي تواجه التهميش على مدار 100 سنة ومنذ الحكم العثماني وهي تواجه الإهمال وحتى قيام الدولة العربية في سوريا، مشيراً إلى أنه لو كان الكرد في سوريا هم من كانوا تحالفوا مع بعض القوى ضد الدولة العثمانية بدلاً من العرب، لكان الوضع مختلفاً الآن وكان العرب هم من يبحثون عن حقوقهم في سوريا.
تجربة ديمقراطية
الباحث السياسي الدكتور طه علي بدوره كان لديه عدداً من الملاحظات ذات الأهيمة فيما يتعلق بتجربة الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا على مدار العشر سنوات الماضية، إذ قال إنها كشفت عن أنها نموذج يقوم على رؤية أيديولوجية تنبثق من فكرة الأمة الديمقراطية للمناضل الكردي عبدالله أوجلان.
ولفت كذلك إلى أن الإدارة الذاتية طرحت مبادرة للحل السياسي في سوريا، والتي أكدت على وحدة الأراضي السورية، وبالتالي هي لا تمثل نموذجاً انفصالياً بخلاف المخاوف التي تبثها الآلة الإعلامية التركية وكذلك القومية، كما ركزت مبادرتها على فكرة الحل الديمقراطي التشاركي، وكذلك فكرة تسوية ملف اللاجين، والحوار المباشر مع النظام، والتوحد في مواجهة التهديدات التركية المتكررة.
وانتقد الدكتور طه علي في هذا السياق غض الأنظمة القومية الطرف عن مشروعات التتريك والتغيير الديمغرافي على سبيل المثال في مناطق شمال وشرق سوريا على نحو يتبناه النظام التركي، مؤكداً أنهم يقومون بذلك ضد إسرائيل على سبيل المثال -–وهذا أمر حق -–ولكن يتغاضون عن المشروعات الأخرى، مشيراً إلى أن سياسة النظم القومية خلفت أزمة مجتمعية تجلت فيما عرف بـ"ثورات الربيع العربي".