وكان ملاحظاً بشكل واضح في الضربات التي تنفذها تركيا على مدار الفترة الماضية أنها تطال مراكز أمنية وبعضها وقع بالقرب من سجون تضم عناصر تنظيم "داعش" الإرهابي، أي أنها تعمل في اتجاه معاكس لما تقوم به قوات سوريا الديمقراطية "قسد" في إطار مواجهة الإرهاب، على نحو ظهر خلال الأيام الماضية تزامناً مع عمليات لها في مخيم "الهول" بقصف تركي تسبب في استشهاد عدد من أفراد تلك القوات.
كما أن قوات موالية لإيران بدورها هاجمت قاعدة عند حقل العمر النفطي أفضت إلى استشهاد 5 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، على نحو يقدم دليلاً جديداً على تلاقي المصالح بين النظامين الإيراني والتركي في استهداف الكرد، لا سيما قوات "قسد" والعمل على ضرب الاستقرار والأمن في تلك المناطق وعودة التنظيمات الإرهابية لاستخدامها مرة أخرى في مواجهة شعوب شمال وشرق سوريا.
مخطط عودة "داعش"
في هذا السياق، يقول الدكتور مايكل مورجان المحلل السياسي والإعلامي الأمريكي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إنه بصفة عامة لديه قناعات بأن منطقة الشرق الأوسط يتم إعدادها لعودة التنظيمات الإرهابية، وإحياء تنظيم "داعش" الإرهابي لكي يعود لسيطرته التي كان عليها، مؤكداً أن الفترة المقبلة ستشهد استخدام واسع النطاق للحرب بالوكالة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، بهدف ردع التوغل الصيني والروسي.
وأعرب "مورجان" عن اعتقاده بأن الضربات التي تتم من وقت لآخر في سوريا سواء من قبل إيران أو تركيا خصوصاً المناطق التي بها سجون تضم عناصر "داعش" يعني أننا قد نسمع في وقت لاحق أنباء هروب هؤلاء الدواعش، ومن ثم إمكانية أن يكون هناك لهم دوراً من جديد في المنطقة خلال الفترة القادمة.
ويرى الإعلامي الأمريكي أن هذا الأمر يتم كله بترتيب بين إيران وتركيا، معتبراً أن أنقرة هي حلقة الوصل بين الدول الغربية وطهران فيما يتعلق بملف إحياء نشاط تنظيم "داعش"، لافتاً إلى أن النظام التركي منذ فترة بعيدة يحاول لعب دور محوري في المنطقة، ومن الواضح أن هناك توافق بين مختلف الأطراف الدولية خلال الفترة الماضية للعب هذا الدور واستخدامها ككارت لمحاولة تمرير بعض الخطط في الشرق الأوسط كما هو الحال بالنسبة للنظام القطري.
جدير بالذكر أن بعض الأوسط الأمريكية كانت دعت إدارة جو بايدن إلى اتخاذ موقف حازم من الضربات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا، لأن أنقرة بتلك الضربات تقوض جهود مكافحة الإرهاب، وتهدد مصالح واشنطن بل وأمنها القومي، وذهبت بعض الأوساط إلى دعوة البيت الأبيض إلى أن تكون هناك عقوبات على الأتراك حتى يوقفوا ضرباتهم.
إيران صاحبة مصلحة
في هذا السياق، يقول حازم العبيدي المحلل السياسي العراقي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن إيران صاحبة مصلحة رئيسية في وجود تنظيم "داعش" حتى لو ادعت أنها تحاربه أو قيل إن التنظيم ينفذ عمليات في إيران، معتبراً أنها توظفه للاستفادة السياسية منه في كثير من الملفات لا سيما في سوريا والعراق والشواهد كثيرة على ذلك، بحسب تعبيره.
وأوضح "العبيدي" أنه في عام 2014 عندما خرجت ثورة العشائر ضد الميليشيات والقوى الحزبية الموالية لإيران، فجأة ظهر هذا التنظيم الإرهابي وانسحبت قوات الأمن والجيش من أمامه، ليتم شغل الشارع العراقي كله بما يجري وما يقوم به الدواعش وليتم إجهاض ثورة العشائر التي بالأساس انطلقت من المدن التي دخلها "داعش" لاحقاً، وكانت تهدف إلى إسقاط أزلام نظام الملالي داخل العراق.
وأكد المحلل السياسي العراقي أن تركيا وإيران لديهما نفس المصالح ويتوافقان معاً ومع غيرهم من القوى الدولية في مسألة دعم الفوضى بالمنطقة، والجماعات الإرهابية لعبت الدور المحوري في إحداث تلك الفوضى التي استفادت منها طهران وموسكو وأنقرة وكذلك واشنطن لمزيد التوسع والنفوذ وإحداث تغيير شامل في المنطقة والإتيان بسياسيين يعبرون عن مصالحهم.
ويرى مراقبون أن الإدارة الأمريكية تتغاضى عن سلوكيات تركيا في شمال وشرق سوريا خلال الفترة الماضية، في إطار التغيرات الكبيرة التي تشهدها المنطقة لا سيما تأثيرات تلك التغيرات على شكل النظام الدولي وتراجع الهيمنة الأمريكية لحساب تصاعد قوة الصين وروسيا، مؤكدون أن واشنطن لا تريد أن تتجه أنقرة نحو موسكو أو بيجين.