بعد وقف العراق بث قناة سعودية.. هل تتأثر العلاقات بين بغداد والرياض؟
يبدو أن تبعات الحرب الإسرائيلية على غزة تأخذ مسارات تصعيد عديدة منها ما هو هامشي ومنها ما هو محوري، وقد تلقي من بين ذلك بظلالها على العلاقات السعودية – العراقية المعقدة بالأساس.
يبدو أن تبعات الحرب الإسرائيلية على غزة تأخذ مسارات تصعيد عديدة منها ما هو هامشي ومنها ما هو محوري، وقد تلقي من بين ذلك بظلالها على العلاقات السعودية – العراقية المعقدة بالأساس.
اتجهت الأنظار خلال الأيام الماضية إلى العراق والسعودية، مع إقدام بغداد على وقف بث قناة (MBC) السعودية رداً على إذاعتها تقريراً مصوراً عن قتل إسرائيل يحيى السنوار رئيس حركة حماس الفلسطينية ورئيس مكتبها السياسي، حيث أطلق التقرير أوصافاً على السنوار مثل "الإرهابي وجزار خانيونس"، الأمر الذي أثار حفيظة بغداد باعتبارهاً بشكل ما آو بآخر جزء من المجموعة التابعة لإيران في المنطقة والذي يرفع شعارات دعم "المقاومة الفلسطينية".
والعلاقات السعودية – العراقية بالأساس وعلى مر تاريخها تشهد تعقيدات عديدة تجعلها دائماً قابلة للاشتعال كما لو كانت "نار تحت الرماد" رغم محاولات تقريب وجهات النظر الدائمة، سواء في فترة الرئيس الأسبق صدام حسين أو حتى لما أطيح بها عقب الغزو الأمريكي عام 2003، الذي أعقبه حكومات متتالية يتجه ولاؤها نحو طهران العدو التقليدي للرياض في الشرق الأوسط.
ماذا بعد؟
وقد كان ما يجري في غزة ساحة جديدة لكشف التباينات بين مواقف بغداد والرياض، خاصة أن الثانية معروف علاقاتها المتأزمة مع حماس سواء من منطلق انبثاق الحركة عن جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في عدة دول، أو وجود تيار نافذ داخل الحركة له علاقات قوية مع المعسكر الإيراني الذي يضم العراق ويمتد لحزب الله اللبناني وجماعة الحوثي اليمنية، وبالتالي كان التساؤل جاداً بشأن إمكانية أن تؤثر خطوة تعليق بث قناة (MBC) على العلاقات السعودية العراقية.
يقول الدكتور غازي فيصل مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن العلاقات بين الحكومة ومختلف مؤسسات الدولة العراقية وثيقة للغاية مع المملكة العربية السعودية في كافة المجالات سواء اقتصادياً أو تنموياً أو سياسياً وحتى في الفعاليات الدبلوماسية المختلفة، لافتاً إلى أن الاتصالات مستمرة بين البلدين وتناقش مختلف القضايا والملفات.
وفي ضوء ذلك استبعد الخبير السياسي العراقي أن يكون لمسألة القناة السعودية تأثيراً على العلاقات بين بغداد والرياض، مشيراً إلى أن السلطات السعودية نفسها رفضت تقرير (MBC) وأكدت أنه لا يمثل الاتجاهات الإعلامية والسياسية للمملكة، ومن ثم تم الكشف عن إجراء تحقيق بشأنه لما يتضمنه من اختلافات عن التوجه العام السعودي تجاه ما يجري في فلسطين وكذلك في لبنان.
ويشدد فيصل على أن التقرير خاطئ من الناحية الصحفية ولا ينسجم لا مع التوجهات العامة للقناة ولا مع سياسات المملكة، وبالتالي لن يكون له تأثيراً على العلاقات الوثيقة والصادقة والعميقة في مختلف المجالات بين العراق والسعودية، مؤكداً أن هذه الروابط ستستمر وتتواصل على مختلف الصعد خاصة في مجالات الطاقة، كما هي طبيعة العلاقات بين العراق ومختلف بلدان الخليج العربي في الفترة الأخيرة.
تاريخ من التحولات
وقد شهدت العلاقات بين السعودية والعراق تحولات وتغيرات كبيرة عبر العقود الماضية، فقد بلغ التقارب ذروته مع الحرب العراقية – الإيرانية (1980-1988)، إذ كانت الرياض ترى بغداد سداً أمام الطموحات الإيرانية في المنطقة وقدمت لها دعماً واسعاً، لكن انقلبت الآية وبلغ التوتر ذروته عقب الغزو العراقي للكويت عام 1990، الذي أثار مخاوف واسعة لدى كل دول الخليج العربي وليس المملكة وحدها.
ومع الإطاحة بنظام صدام حسين إثر الغزو الأمريكي للعراق، دخلت العلاقات بين بغداد والرياض مرحلة جديدة من التعقيد، نتيجة حالة الفراغ السياسي التي أفضت إلى تعاظم نفوذ إيران بتوجهاتها القائمة على أفكار تصدير الثورة الخمينية أو ما عرف بـ"المد الشيعي"، لتتحول الأراضي العراقية إلى ساحة مواجهة بين الجانبين الإيراني والسعودي، فبينما دعم الأول القوى الشيعية بطبيعة الحال، كان الثاني يدعم في المقابل بعض الأطراف السنية.
وقد ظلت العلاقات العراقية – السعودية على حالها هذا حتى بدأت تأخذ طابعاً هادئاً إلى حد ما بداية من عام 2015 في ظل الحرب ضد تنظيم "داعش"، ومع قدوم قيادة سعودية جديدة ممثلة في الملك سلمان بن عبدالعزيز ونجله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بما لديهما من قناعات للانفتاح على العراق باعتباره دولة عربية بالأساس ولا يجب أن يبقى للأبد في أحضان الإيرانيين، أو على الأقل يجب مزاحمة النفوذ الإيراني بقوة وجذب الحكومة العراقية إلى المملكة وهو الأمر الذي شهد مداً وجذراً.
ومنذ ذلك الحين اعتبرت الرياض أن التقارب مع بغداد جزء لا يتجزاً من استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الإيراني، وقد قابل ذلك صعود بعض الشخصيات السياسية العراقية التي تميل بالفعل إلى التقارب مع السعودية مثل حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الأسبق، وقد تعززت العلاقات بينهما وشملت مجالات عدة وجرى تبادل الزيارات الرسمية، لكن ما من شك أن نفوذ طهران لا يزال لا يقاوم بعد في العراق.
تماهي مع التوجهات الإيرانية
هذا الوضع إذن يدفع للتساؤل حول ما إذا كان قرار العراق بوقف بث قناة (MBC) جزء من التماهي من قبل بغداد مع التوجهات الإيرانية، وهنا يقول الدكتور ماك شرقاوي المحلل السياسي الأمريكي، في تصريحات لوكالة فرات للأنباء (ANF)، إن قرار وقف بث القناة إيراني بامتياز، إذ أن إيران تحتل العراق سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وأيضاً ثقافياً، ومتوغلة بشكل كبير في الداخل لدرجة أنها التي تحدد من يقودون العملية السياسية في العراق، على حد تعبيره.
وأوضح أنه في ضوء ذلك كان العراق الدولة الوحيدة التي صعدت الموقف تجاه تقرير قناة (MBC) كتعبير عن الهيمنة الإيرانية هناك خصوصاً وأنه حُذف وتم الاعتذار عنه، في الوقت الذي لم نجد موقفاً مشابهاً لبغداد من قبل أي طرف آخر، معرباً عن اعتقاده أن العلاقات يمكن أن تتأثر في ضوء هذا الإجراء من قبل حكومة محمد شياع السوداني، مشيراً إلى أنه يأتي كذلك في وقت يتصاعد التوتر بين طهران وتل أبيب وواشنطن.
وحسب بعض التقارير فإن هناك نحو 23 مليشيا موالية لإيران على الأقل داخل الأراضي العراقية، والتي من المعروف في الوقت ذاته عدائها الشديد تجاه السعودية ومهاجمتها إعلامياً من قوت لآخر، والأمر نفسه بالنسبة للرياض، فضلاً عن مليشيات الحشد الشعبي المكون من فصائل شيعية لطهران نفوذ واسع فيها، إلى جانب انتشار مئات من عناصر الحرس الثوري الإيراني وتحديدا فيلق القدس داخل الأراضي العراقية.
لكن في ضوء الآراء السابقة والتطورات الإقليمية لا يرجح أن تأخذ العلاقات بين السعودية والعراق مساراً تصعيدياً، وسيعمل قادة الدولتين على تجنب سيناريو كهذا، وما يدلل على ذلك أن رئيس الوزراء العراقي اتصل هاتفياً بولي العهد السعودي عقب القرار بشأن قناة (MBC)، حيث بحثا العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية حسب بيان رسمي سعودي.
وجدير بالذكر أن الانفتاح السعودي على العراق أتى في إطار رؤية مصرية أقنعت المملكة بضرورة عدم ترك بغداد ساحة خالية للنفوذ الإيراني، إذ كانت قناعة القاهرة أن القطيعة السعودية وربما الخليجية مع الحكومات العراقية التي أعقبت الغزو الأمريكي لم تصب إلا في مصلحة طهران، وربما الرؤية ذاتها امتدت إلى آلية إدارة العلاقات مع نظام بشار الأسد في سوريا خلال آخر عامين، ولهذا عادت دمشق إلى مقعدها بجامعة الدول العربية وطبعت علاقاتها مع عدة عواصم عربية بعد قطيعة لأكثر من 12 عاماً.