تأتي تلك الأيام بالذكرى العاشرة للإبادة الإيزيدية التي ارتبكت في شنكال، حيث شن مرتزقة داعش هجمات على شنكال في 4 آب 2014 واغتالوا عدداً كبيراً من الإيزيديين وأسروا النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب الجماعي وقاموا ببيعهن في أسواق النخاسة كسبايا، ولا تزال آثار الإبادة لم تنتهي لعدم عودة كافة أهالي شنكال لمناطقهم والمختطفات إلى ذويهم.
واستشهد خلال الإبادة الجماعية 3 آلاف من أبناء المجتمع الإيزيدي وتم اختطاف 5 آلاف آخرين وتشريد 400 ألف في دهوك وهولير وزاخو، كما تعرضت 1500 امرأة للاغتصاب الجماعي، وتم بيع 1000 امرأة منهن كسبايا، مما يفتح التساؤلات حول مصير تلك الملفات العالقة بالإضافة للقصف التركي الذي يعيد مشاهد الإبادة مرة أخرى لأذهان الإيزيديين.
وفي هذا الصدد، تقول سعاد حسو، عضوة اتحاد إيزيديي سوريا في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أن الإبادة بحق الإيزيديين هي عملية تطهير عرقي واضطهاد ضد ديانة ومجتمع حافظ على اللغة والثقافة والديانة منذ الالف سنين، مشيرة إلى أن المجتمع الإيزيدي تعرض لـ 74 إبادة، وارتكب بحقه جرائم قتل وتدمير وسبي نساء وخطف واغتصاب وتهجير، وهي جرائم حرب ارتكبت بحق الإنسانية في القرن 21، قرن التكنولوجيا وحقوق الإنسان.
بينما يقول الكاتب سليمان لقمان، صاحب رواية "شنكال" في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أنه عندما احتل مرتزقة داعش شنكال، وما ارتبكوه من قتل ودمار وذبح، وجد نفسه مجبراً على أن يكتب عن هذه الجرائم البشعة، لكونه كردي وإنسان ضد القتل مهما كانت الأسباب.
وأضاف أنه استوقفته عدة مشاهد في الإبادة بحق الإيزيديين وثقها داخل روايته، من قتل وذبح وبيع للنساء في أسواق النخاسة، ومنها مشاهد مؤلمة مثل قيام المدربين الشيشان بإعطاء طفل بعمر سبع سنوات سكيناً وإجباره على ذبح صديق أبيه.
وسرد الكاتب سليمان لقماء مشاهد وطرق الاغتصاب المقززة التي حدثت في الواقع وأعاد كتابتها في روايته، ومنها اقتياد 150 شخص إيزيدي إلى أحد المدارس وطلب مسئول في داعش إخراج البنات لباحة المدرسة ليتم اغتصابهن، وطرق التحايل التي اتبعها داعش في اغتصاب الفتيات ومنها اختيار شاب من الطائفة ليقوم بفض عذرية الفتيات اللاتي لم يتزوجن لتقديمهن للمرتزقة على أنهن متزوجات لكي يقوموا باغتصابهن واتخاذهم كسبايا.
الإدارة الذاتية لشنكال
تعتبر من أهم المكتسبات التي نتجت عن الإبادة بعد تحرير شنكال هي الإدارة الذاتية لشنكال، وتم الإعلان عن نظام الإدارة الذاتية تحت اسم المجلس التأسيسي لشنكال في 15 كانون الأول/ يناير 2015 بحضور قادة المجتمع الإيزيدي، وعقدت الإدارة مؤتمرها الخامس بحضور ممثلين عن مؤسسات ومراكز الإدارة الذاتية، ورجال الدين والقوى والأحزاب السياسية في شنكال، و350 مندوباً و100 ضيف.
وحول الإدارة الذاتية لشنكال، تقول سعاد حسو، إن الإدارة هي التي أعطت الكرامة وصانت جميع حقوق المجتمع الإيزيدي بكافة فئاته العمرية بتأسيس ادارتهم ومؤسساتهم وقواتهم ومجلسهم لتكون صوت كافة الإيزيديين في شنكال والعالم وإرادة الشعب الذي عانى الكثير من الحروب والتهجير ولكن مازال الخطر مستمراً في إبرام اتفاقيات على شنكال.
القصف التركي
ولا يتوقف القصف التركي على منطقة شنكال، ليستمر فيما كانت تقوم به داعش من حملة إبادة ممنهجة ضد الإيزيديين، والتي كان الضحية الأولى لها المدنيين، حيث دمر النظام التركي مستشفى شنكال واستشهد خلال القصف 8، منهم 4 من الطاقم الطبي بالمستشفى، واستهدف عمال حفر آبار المياه، وغيرها من المنشآت المدنية.
وأشارت عضوة اتحاد إيزيديي سوريا، إلى أن القصف المستمر من قبل الدولة التركية على شنكال واستهداف قادة المجتمع الإيزيدي مثل مام زكي شنكالي وزردشت وسعيد حسن ومروان بدل وغيرهم الذين نظموا المجتمع ضمن الإدارة الذاتية.
المخطوفات الإيزيديات
وتركت الإبادة العديد من الملفات التي لا تزال تنتظر حلولاً سواء من حكومة جنوب كردستان أو الحكومة المركزية في بغداد، ومنها مخيمات النازحين الإيزيديين وعدم عودتهم لمناطقهم، والمخطوفات الإيزيديات اللاتي لم يعد قسم كبير منهن بعد أن تم بيعهن في أسواق النخاسة.
ولفتت سعاد حسو إلى أنه رغم مرور 10 سنوات على الإبادة، إلا إن الجرح لم يندمل لأن مصير 2500 امرأة إيزيدية لا يزال مجهولاً إلى الآن حيث تم بيعهن في أسواق النخاسة ومازالت الكثير من المناطق العربية تقيد المرأة الايزيدية وعدم إعادتها إلى مكانها الأساسي.
وفي نفس السياق، يقول إبراهيم خديدة، ممثل مركز العراق لحقوق الانسان في شنكال في تصريح خاص لوكالة فرات للأنباء، أنه لا تزال هناك العديد من القضايا العالقة رغم السنوات العشر على الإبادة، ومنها فتح ملف سقوط شنكال ومحاسبة المقصرين مسببي الإبادة في 3 آن 2014 خاصة وأن الكثير من الجناة طليقين معززين مكرمين يسرحون ويمرحون في مخيمات أطراف الموصل وإقليم كردستان العراق وبعض دول الجوار دون رقيب أو حسيب.
وأضاف، أن مصير أكثر من 2800 من المخطوفات الإيزيديات العراقيات لا يزال مجهولاً إضافة إلى الشيعيات من المكون التركماني، مطالباً بتشكيل لجنة خاصة لتقصي الحقائق وبإشراف أممي للبحث والتحري عن المفقودين والمفقودات من المجتمع الإيزيدي، وتفعيل دور قانون الناجيات وإنهاء معاناتهن من خلال تأهيلهن نفسياً ومعنوياً ومادياً.
كما طالب الناشط الحقوقي الأزيدي بتسهيل مهمة أمر عودة النازحين الإيزيديين الى ديارهم، وتعويضهم بما تضرروا نتيجة عمليات مرتزقة داعش، وإعادة البناء والإعمار وتحسين الواقع الخدمي والمعيشي وتقديم الخدمات الصحية.
ولا تقتصر الملفات الشائكة على المستوى الأمني والاجتماعي فقط، بل تتعداها إلى المستوى السياسي حيث وقعت كل من الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان العراق في شهر أيلول- سبتمبر 2020، اتفاقية للقضاء على الإدارة الذاتية في شنكال والتي نصت على إنهاء العمل بالترتيبات الحكومية التي اُتخذت منذ العام 2017، والتي كانت تتعامل مع منطقة شنكال باعتبارها ذات حالة خاصة، وأن توكل المهام الأمنية والعسكرية للحكومة المركزية، بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق وتدمج شبان المنطقة في الأجهزة الأمنية الحكومية في تلك المنطقة، و بإعادة ترتيب المؤسسات الاقتصادية والخدمية الحكومية، عبر لجنة مشتركة بين هولير وبغداد.
ووصفت حسو، اتفاقية هولير وبغداد بأنها إبادة جديدة للشعب الإيزيدي، لأنه عندما فرت قوات البيشمركة من شنكال والجيش العراقي من الموصل ترك الطرفان الشعب الايزيدي يواجه خطر مرتزقة داعش لوحدهم من دون اي سلاح في ايديهم، والآن تقضي هذه الاتفاقية من جديد بضم شنكال الى إقليم كردستان وإلغاء الإدارة الذاتية.
بينما أوضح إبراهيم خديدة، أن المجتمع الإيزيدي يطالب بإلغاء الاتفاقية الامنية ( اتفاقية شنكال) سنة 2020 المبرمة بين الحكومة الاتحادية في بغداد وبين سلطات كردستان في شمال العراق ثنائية الجانب دون مشاركة الإيزيديين وعدم احترام الإرادة السياسية الوطنية الإيزيدية و أصحاب الشهداء وضحايا العمليات الارهابية لمرتزقة داعش".