قالت د. إيمان عبدالعظيم مدرس مساعد العلوم السياسية بكلية الدراسات الإفريقية العليا بجامعة القاهرة إن تركيا تنظر إلى إفريقيا نظرة مختلفة وتسعى إلى الاستفادة من سوقها الواسعة إضافة إلى سعيها لموازنة القوى الإقليمية ودورها هناك.
وأوضحت عبدالعظيم أن حزب العدالة والتنمية منذ وصوله للسلطة في ٢٠٠٢ وهو يسعى لإعادة تفعيل دور تركيا على المستويين الدولي والإقليمي، وأنها في إطار الصعوبات التي واجهتها في طريق انضمامها للاتحاد الأوروبي قررت التوجه نحو أفريقيا لتكون البديل في سياق مواجهة مختلفة.
وفي حديثها لوكالة فرات للأنباء حول التدخلات التركية في القارة الإفريقية، قالت: إن تركيا وبعد الصعوبات الكثيرة التي واجهت انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وجدت في القارة الإفريقية البديل وبدأت في الاتجاه إليها كلية وكانت في هذا التوجه تريد الاستفادة من السوق الإفريقية الواسعة، فنحن نتحدث عن مليار نسمة، وهذا أولًا. والأمر الثاني فيتمثل في أن إفريقيا كتلة تصويتية كبيرة في المحافل الدولية، تمثل الكتلة التصويتية الثانية في الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث تضم أربعة وخمسين دولة.
تركيا دخلت إلى إفريقيا لموازنة الأدوار الإقليمية هناك
ولفتت إلى أن تركيا أرادت بدخولها للقارة الإفريقية أيضًا موازنة الأدوار الإقليمية هناك، الدور الإيراني، الدور المصري الإسرائيلي والسعودي، موضحة أنه "منذ ٢٠٠٥ بدأت تركيا ليس فقط دخول في القارة الإفريقية بل إنها أعلنت هذا العام أنه عام أفريقيا في تركيا، وهي السنة نفسها التي أخذت فيها تركيا صفة المراقب في الاتحاد الإفريقي. وقبل أن يعلن الاتحاد الافريقي في القمة العاشرة في أيس في ٢٠٠٨ بدأت تركيا ترتقي لمرتبة الشريك الاستراتيجي الأول للقارة الإفريقية. وأيضًا حصلت تركيا على عضوية بنك التنمية الافريقي في ٢٠٠٨، انضمت لمنتدى شركاء الهيئة الحكومية للتنمية بشرق افريقيا (الإيجاد) في هذا العام".
وأضافت "كذلك تتواصل تركيا مع تجمع دول شرق إفريقيا والجماعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا والايكواس. وغيرها من المنظمات الإقليمية الحقيقية في إفريقيا. والواضح من هذا أن تواجد تركيا في القارة الإفريقية أصبح تواجد قوي منذ هذا الوقت لتصبح موجودة بشكل فاعل وتجد لنفسها الكثير من الأدوار لتدعم وجودها وعلاقتها مع القارة الإفريقية".
وتابعت: تركيا أيضًا ولمزيد من الدعم لهذه العلاقة أطلقت القمة التركية الإفريقية في إسطنبول في ٢٠٠٨ بمشاركة تسعة وأربعين دولة. وحضور ممثلين لمنظمات إقليمية ودولية كبيرة. مجلس الوزراء التركي أعلن في قرار أنه سينشئ ١٥ سفارة وقنصلية في القارة الإفريقية. وأنا أود القول إن تركيا تتعامل في إفريقيا من منطق الدولة العظمى، فلديها بضع وخمسين سفارة في دول القارة بينما ليست هناك دولة لديها سفارات في كل الدول الإفريقية إلا الدول الكبرى كالولايات المتحدة، وهذا ما تقوم به تركيا التي تحتفل سنويا بيوم إفريقيا في تاريخ انشاء منظمة الوحدة الإفريقية كل المسؤولين الأتراك يتجولون في دول القارة باستمرار لعمل شراكات، تعاون وصداقة مع الدول الإفريقية، كما أنها داعم مالي وفني في عمليات الأمم المتحدة لحفظ الأمن والسلم في القارة، هي أيضًا تقدم مساعدات لدول القارة لدرجة أنها في المرتبة الثالثة لأكبر المانحين لدول القارة بعد الولايات المتحدة وبريطانيا.
واستطردت: هي أيضا رفعت من سبل تواجدها على الجانب الاقتصادي أو السياسي وبالتالي فإن وجود تركيا في إفريقيا أصبح أساسيا وبتنا نتكلم عن فاعل رئيسي في القارة الإفريقية.
الصومال ووضع خاص يمكنها من اللعب في القرن الإفريقي
وحول الصومال التي باتت تعترض أي قرار يخرج من الجامعة العربية ويتعرض لتركيا وتدخلاتها في المنطقة، قالت: "لو أن الأمر بالنسبة لتركيا ودول القارة على النحو الذي تحدثنا عنه سابقًا فإن وضع الصومال مختلف تمامًا، فالصومال وضع خاص جدًا بالنسبة لتركيا، فعلاقة تركيا بالصومال هي أشبه بعلاقات الوصاية. ونجد هنا أن الصومال تظهر دائمًا في أي مفاوضات أو أي محفل دولي كونها المعسكر الرافض لأية قرارات إدانة للتدخلات التركية في شؤون الإقليم".
وأوضحت: "هذا يجعلنا نضع علامات استفهام كبيرة، فأي إدانة لتركيا نجد الصومال تقف ضدها.. وهو ما يجعلنا نضع تساؤلات كبرى حول ما تقدمه تركيا للصومال لتتخذ مثل هذا الموقف وما الفكرة بينهم وبين الصومال؟ والحقيقة أن الصومال هي أهم دولة في إفريقيا ذات مكانة كبيرة بالنسبة لتركيا".
ولفتت إلى أن تركيا استفادت من أن هناك تاريخ قديم للعلاقات بين الدولتين منذ القرن السادس عشر، وأنها سعت للبناء على هذا التاريخ بل وتُزيد خانة المصالح التركية، موضحة أن "العلاقات بين الصومال تركيا قائمة سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الشعبي".
وحول ما تريده تركيا فعليا من الصومال قالت: تركيا تريد أن تعزز مكانتها الدولية كدولة قادرة على المساهمة في حل الصراعات وحفظ وبناء السلم، وتحاول أن تثبت قدرتها على توفير الحماية للمسلمين والدفاع عنهم، فالصومال دولة تعداد المسلمين فيها ١٠٠٪ ووجودها في الصومال يحقق مصالحها الاقتصادية في منطقة الشرق، وطبعا طالما هي موجودة في الصومال فهي تستطيع الوصول إلى الفحم، وكذلك تنقب عن الغاز الطبيعي والنفط اللي في الصومال.
الصومال نقطة تركية للتأثير على ميزان قوة مصر الإقليمية
وأشارت إلى أن الأمر المهم أيضًا في وجودها في الصومال هو أنها تستطيع أن تقطع الطريق على مصر في أن تقوم بدور فاعل في الصومال ومنطقة القرن الإفريقي، بل إنها أيضًا قادرة من خلال وجودها في الصومال على التأثير في ميزان القوة الإقليمي في غير صالح مصر، كما أنها تستطيع أيضا من خلال وجودها في الصومال أن تقلص أوراق ضغط مصر على إثيوبيا من خلال مفاوضات سد النهضة، كما أنها أيضًا فادرة على تحجيم النفوذ الإيراني فالصومال كانت نقطة استراتيجية قوية لإيران منذ افتتحت سفارة لها هناك، لكن في نفس التوقيت دخلت تركيا على الخط واستطاعت ضرب المصالح الإيرانية في الصومال بشكل واضح.
أدوات تركيا في الصومال
وحول الأدوات التي تستخدمها تركيا في الصومال، تقول: تركيا تستخدم أدوات كثيرة في الصومال. فهي سياسيا تستطيع أن تشارك بفاعلية في تسوية الصراعات في الصومال. تركيا فاعل في كل مبادرات الصلح داخل الصومال. تركيا استضافت مؤتمر اسطنبول بشأن الصومال. الذي نظمته في إطار الأمم المتحدة في ٢٠١٠، كما أنها تقدم دائمًا الدعم السياسي في عمليات المصالحة التي تحدث هناك. لنذكر أيضًا بإعلان إسطنبول، والذي صدر عن أحد مؤتمرات الصومال وكان هو الذي يُشكل خارطة الطريق لتسوية الأوضاع داخل الصومال.
وأضافت " أيضًا كانت تركيا واحدة من الدول الأساسية المحورية أثناء صياغة عملية دستور الدولة. وأثناء الانتخابات وصولًا للبرلمان. أيضًا تركيا افتتحت سفارتها في الصومال في نوفمبر ٢٠١١ حتى أن مبنى السفارة هناك هو أكبر مبنى لسفارة أجنبية موجودة هناك، فهي على مساحة أكتر من سبعة وأربعين ألف كيلو متر مربع. وهذه دلالة على مدى عمق العلاقات التركية بالقضايا الصومال. كما أن تركيا تستضيف المؤتمر الصومالي منذ ٢٠١٢، وهذا مهتم بمناقشة قضايا المصالحة الوطنية وإعادة إعمار الصومال. وهذا إضافة إلى كمية الزيارات التي يقوم بها المسؤولين الأتراك في الصومال وهذه الزيارات تصل إلى قمة الهرم في تركيا إلى رجب طيب أردوغان نفسه الذي زارها في ٢٠١١ ليكون أول رئيس -رئيس وزراء- غير إفريقي يزور الصومال منذ ١٩٩١ في فترة المجاعة، كما زارها مرة أخرى في بصفته رئيس لتركيا في إطار مساندته لنظام حسن الشيخ محمود".
لهذا السبب تستنكر الصومال أي إدانة لتركيا في المحافل الدولية
ولفتت إلى أن في ظل كل الدعم التي تقدمه تركيا للصومال فإنه من المتوقع أن يستنكر أي مشروع إدانة لتركيا أو للوجود التركي بدون أن تقف الصومال وتستنكر ذلك، فتركيا تجاوزت بوجودها في الصومال حتى مسألة الوصاية وباتت تشارك في جهود إعادة بناء وإصلاح مرافق الصومال والبنيية التحتية، ميناء مقديشيو تركيا المساهم الأول فيه، حتى مشاريع الوحدات السكنية للتخلص من العشوائيات قدمتها تركيا، الحكومة التركية دورها دور فاعل ودور محوري في تقديم الدعم المادي للحكومة الصومالية حتى أنها لهم معونات شهرية لدعم نفقات الحكومة والأجور.
وتابعت: هذا غير التجارة البينية، فتركية هي الشريك الاقتصادي الأول للصومال، وهناك خطوط طيران تركية مباشرة إلى الصومال منذ ٢٠١٣، بواقع أربع رحلات أسبوعيا، وكذلك فإن تركيا قدمت الخط الجوي الأول الذي يربط الصومال بالعالم باستثمارات تركية، ناهيك عن المجال الإنساني والمساعدات التي تقدم للصومال، وغيرها بل انها حتى تبني المساجد وتعمل على تدريب الأئمة.
وأوضحت: كل هذا حتى تمنع الوجود المصري أو حتى التيار الوهابي السعودي الذي كان منتشرا لمواجهة حركة شباب المجاهدين من التواجد في الصومال، وبالتالي فإن الوجود التركي في الصومال أصبح من الصعب معه خاصة الآن بأن دولة كمصر أو غيرها تستطيع مواجهة هذا الوجود التركي في الصومال التي تقدم نفسها للصوماليين بأنها دولة مسلمة شقيقة وهي النموذج البديل للعولمة الأمريكية لا تنطلق من الاستغلال أو الهيمنة لذلك فإن وجودها في الصومال يتمتع بقدر كبير من الترحيب شعبيا ورسميا.
تركيا عرضت على إثيوبيا تجربة سد أتاتورك
وتابعت: هذا التواجد في الصومال ينقلنا إلى إثيوبيا وأزمة سد النهضة، فالصومال رغم أنها تظهر بأن وزنها بسيط لكن الحقيقة أن من يتحكم في مقادير اللعبة في الصومال هو من يتحكم في القرن الإفريقي كله، فتركيا الآن قادرة على الإمساك بأوراق اللعبة السياسية في القرن الإفريقي بحكم وجودها داخل الصومال، ترتيبات إثيوبيا، سد النهضة وأي إشكاليات في منطقة القرن الإفريقي الآن فإنها بوجودها وترسيخه في الصومال فإنها بذلك تُسيطر على منطقة القرن الإفريقي، وهي فعلا استطاعت توظيف الأطراف الفاعلة في القرن الإفريقي لمصلحتها حتى أنها في ٢٠١٣ افتتحت سفارة لها في أسمرة، وصحيح أن إريتريا لم تتجاوب مع أسمرة لكنها موجودة هناك وطبعًا وجودها في إريتريا أقل بالتأكيد من وجودها في الصومال وهو الأقوى.
وأضافت "تركيا تقدم أيضًا استثمارات لإثيوبيا وليس فقط استثمارات عادية لكن تم تسجيل ارتفاع في نسب الاستثمارات التركية في اثيوبيا في الفترة الأخيرة وكل هذا ووجودها بالتأكيد ينتقص من الوجود المصري، وتركيا قدمت نصائح سياسية ومشورات فنية لإثيوبيا لتشجيعها العمل في ملف سد النهضة، بل وعرضت تجربتها على إثيوبيا فيما يتعلق ببناء سد أتاتورك (السد الذي أثر على تدفقات المياه لسوريا والعراق) وهذا ما يبرز معالم كثيرة من مواقف تركيا".
وأشارت إلى أن "مصر تبدي قلقها باستمرار من أي تدخل تركي في ملف مياه النيل لأنه شديد الحساسية بالنسبة لمصر وتركيا عرضت بشكل مباشر أكثر من مرة فكرة الوساطة في ملف سد النهضة وهو الأمر الذي لا تقبله مصر ولن تتفاعل مع شيء من هذا بل إن أي تصريح تركي بأن تركيا تعرض الوساطة وما إلى ذلك فإن مصر دائما تبدي قلقها".
وأوضحت: كل ذلك لأن تركيا متحكمة بأوراق اللعبة السياسية في القرن الأفريقي بوجودها في الصومال وهو الأمر الصعب على مصر مجابهته في الوقت الحالي، فمصر أمامها الكثير حتى تتدخل أو توازن الدور التركي في الصومال والذي تجاوز حتى مرحلة الوصاية".